التعليم القرآني في الجزائر

  • PDF


التعليم القرآني في الجزائر 
الشيخ: التواتي بن التواتي الأغواطي
الجزء الأول
لقد أثار القرآن منذ نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم حركة فكرية عند العرب ودعاهم أن يقفوا أمام جودة أسلوبه وعمق بيانه وتعلّقت به أفئدتهم وأسماعهم بما جمع من كلام رائع فلم يسعهم أمامه إلاّ الاعتراف بروعته وأثره الشديد على القلوب والنفوس واعترف بلغاؤهم بهذا الأثر وتعدّدت مواقفهم فمنهم من قال: هذا سحر يؤثر ومنهم من قال: هذا شعر وصاحبه شاعر مجنون ومنهم من قال: ما هذا إلاّ أساطير الأوّلين أو سجع كهان.
إن تعلم القرآن وتعليمه شرف الدنيا والنجاة في الآخرة وقد كان الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم يعلمون الناس ما عندهم من العلم امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية... رواه البخاري وغيره.
ولما كان تعليم القرآن شعار هذه الأمّة وأمانة في أعناقها وجبت العناية بالمعلم والمتعلّم قال أهل العلم: تعليم القرآن فرض كفاية وكذلك حفظه واجب على الأمة صرح به الجرجانى في الشافى والعبادي وغيرهما والمعنى فيه كما قاله الجوينى ألا ينقطع عدد التواتر فيه ولا يتطرق إليه التبديل والتحريف فإن قام بذلك قوم سقط عن الباقين.
السر في قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ(1)عَلَّمَ الْقُرْآنَ(2))  قال الكلبي: قيل: نزلت هذه الآية جوابا لأهل مكة حين قالوا: إنما يعلمه بشر ولما كانت هذه السورة لتعداد نعمه التي أنعم بها على عباده قدم النعمة التي هي أجلها قدرا وأكثرها نفعا وأتمها فائدة وأعظمها عائدة وهي نعمة تعليم القرآن فإنها مدار سعادة الدارين وقطب رحى الخيرين وعماد الأمرين. 
فذكر ما نشأ عن صفة الرحمة وهو تعليم القرآن الذي هو شفاء للقلوب والظاهر أن (الرحمن) مرفوع على الابتداء و(علم القرآن) خبره. وقيل: (الرحمن) آية بمضمر أي: الله الرحمن أو الرحمن ربنا وذلك آية و(علم القرآن) استئناف إخبار. ولما عدّد نعمه تعالى بدأ من نعمه بما هو أعلى رتبها وهو تعليم القرآن إذ هو عماد الدين ونجاة من استمسك به.
-ولما ذكر تعليم القرآن ولم يذكر المعلم ذكره بعد في قوله: (خلق الإنسان) ليعلم أنه المقصود بالتعليم. 
-ولما كان خلقه من أجل الدين وتعليمه القرآن كان كالسبب في خلقه تقدّم على خلقه ثم ذكر الله تعالى الوصف الذي يتميز به الإنسان من المنطق المفصح عن الضمير والذي به يمكن قبول التعليم وهو البيان. 
قال الكلبي: علم القرآن محمداً وعلمه محمد أمته ولما كانت هذه السورة لتعداد نعمه التي أنعم بها على عباده قدم النعمة التي هي أجلها قدراً وأكثرها نفعاً وأتمها فائدة وأعظمها عائدة وهي نعمة تعليم القرآن. 
وقد قدم تعليم القرآن إشارة إلى كونه أتم نعمة وأعظم إنعاماً فإنها مدار سعادة الدارين وقطب رحى الخيرين وعماد الأمرين ثم امتنّ بعد هذه النعمة بنعمة الخلق التي هي مناط كل الأمور ومرجع جميع الأشياء فقال: (خَلَقَ الإنسان) ثم امتنّ ثالثاً بتعليمه البيان الذي يكون به التفاهم ويدور عليه التخاطب وتتوقف عليه مصالح المعاش والمعاد لأنه لا يمكن إبراز ما في الضمائر ولا إظهار ما يدور في الخلد إلاّ به.


طرق تعليم القرآن:
أما طرق وكيفية التعليم فقد اختلفت طرقهم في تعليم القرآن للصبيان باختلافهم باعتبار ما ينشأ عن ذلك التعليم من الملكات وهو موضوع ملتقانا هذا. 
واختلفت طرقهم في تعليم القرآن للناشئة باختلافهم باعتبار ما ينشأ عن ذلك التعليم من الملكات. 
-فأما أهل المغرب فمذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط وأخذهم أثناء المدارسة بالرسم ومسائله واختلاف حملة القرآن فيه لا يخلطون ذلك بسواه في شيء من مجالس تعليمهم لا من حديث ولا من فقه ولا من شعر ولا من كلام العرب إلى أن يحذق فيه أو ينقطع دونه فيكون انقطاعه في الغالب انقطاعاً عن العلم بالجملة هذا مذهب أهل الأمصار بالمغرب ومن تبعهم من قرى أمم المغرب في ولدانهم إلى أن يجاوزوا حد البلوغ إلى الشبيبة وكذا في الكبير إذا راجع مدارسة القرآن بعد طائفة من عمره فهم لذلك أقوم على رسم القرآن وحفظه من سواهم. 
وقد أفاض القلقشندي في بيان الطرق المعتمدة في كل بلاد من بلدان المسلمين راجعوه ن شئتم ففيه فوائد: وإنما أذكركم أن الناس مأمورون أن يقرأوا القرآن على الوجه المشروع كما كان يقرأه السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان. إذ القراءة سنَّةٌ يأخذها الخلف عن السلف. 
ويمكننا اعتبار بواكير الاهتمام بالناحية العملية في جانب التجويد هو قراءة الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة بعضهم على بعض وثبت عن جمع من الصحابة والتابعين قولهم: (القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول).
ولهذا ذكر القلقشندي في كتابه صبح الأعشى أن القرية إذا خلت من معلم قرآن وجب على القائم بالحقّ أن يؤدبها وذلك خوفا من ضياع السند وذلكم لأن القراءة سنة متبعة.
ومن مظاهر هذا الاهتمام أن عثمان لما بعث المصاحف إلى الأمصار أرفق مع كل مصحف مقرئًا ضابطًا يقرئ عامة الناس بما في هذا المصحف وَفق ما قرأ وروى لأن في القراءة كيفيات وصفات لا تؤخذ إلا بالتلقي والمشافهة. ومما ينبغي تأكيده- ونحن نتكلم عن القراءات القرآنية- أمران:
الأول: أن يُتَخيَّر للقراءة شيخ متقن ضابط استكمل الأهلية في هذا الأمر فإذا حصَّل المرء مثله فليحرص على طول ملازمته والأخذ عنه. 
الثاني: العناية بمخارج الحروف وصفاتها وهو من أهم مباحث التجويد وإتقانه يعد إتقانًا لثلاثة أرباع التجويد.
وعرَّف الإمام الداني التجويد بقوله: فتجويد القرآن هو إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها ومراتبها وردّ الحرف من حروف المعجم إلى مخرجه وأصله وإلحاقه بنظيره وشكله وإشباع لفظه وتمكين النطق به على حال صيغته وهيئته من غير إسراف ولا تعسف ولا إفراط ولا تكلف.
وجعل الصفاقسي التجويدَ في كتابه غيث النفع: معرفة مخارج الحروف وصفاتها.
وأرى أن من أفضل ما يدرسه المعلم في باب التجويد-ويحسن به حفظه - هو منظومة ابن الجزري ((المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه)) المعروفة بالجزرية لأنها تمثل واسطة العقد في مؤلفات هذا الفن ولاقت احتفاء واهتمامًا من أهل العلم لكون ناظمها إمامًا مقدَّمًا في هذا العلم ولأنها جمعت أمهات المسائل وأطر علم التجويد.
وإني أعتمد على هذه المنظمة في تعليم الصبية والحقيقة قد جعلت للصغار منظمة تحفة الأطفال وهي منظمة سهلة الحفظ ممكنة التلقين أما الكبار فقد جعلت لهم الجزرية وقد تقدموا فيها مع تطبيقها ولا أكتفي بمجرد الحفظ بل لابد من تطبيقها على آيات القرآن وإلا لا جدوى من ذلك.