استغاثة من أجل القرآن

  • PDF

عبد العزيز كحيل

في حربهم على مرجعية المجتمع الجزائري وثوابته لا يعتدّ التغريبيون الاستئصاليون بأيّ خطوط حمراء لا الإسلام ولا العربية ولا الأخلاق ولا الوحدة الوطنية فهم لا يؤمنون بشيء من هذا لأن هواهم مع الفكر الغربي ذي الخلفية اليهودية _ المسيحية ومع النموذج الفرنسي أي أنهم أصحاب قضية يهمهم تحقيق أهدافهم بغض النظر عن اعتبارات الخيانة والغدر والنفاق بل يستعملون في حربهم أدوات الدولة ووسائلها فهم الآن يعمدون كما قال الشيخ البشير الابراهيمي - إلى العلم الذي يزرع الشكّ والصحيفة التي تنشر الرذيلة والقلم الذي يزيّن الفاحشة والبغيّ التي تخرّب البيت والفنانة التي تمثل الفجور والمخنثين والمسترجلات الذين لا دين لهم ولا خلق والمخدرات والخمور التي تذهب العقل وتهدم الصحة والمهازل التي تقتل الجدّ والشهامة (كالمهرجانات والمسابقات ) وأنواع الشهوات التي تفسد الرجولة والأنوثة معا.


تغريب حثيث: 
مسخوا شخصيتنا باسم التقدم فأفسدوا المرأة بمزاعم التحرر وإثبات الذات وتمكنوا من جعل حياة الشباب بلا هدف ولا معنى وزرعوا النزعة الدنيوية البحتة حتى لم يبق للآخرة إلا حيّز صغير يشغله المسجد والمقبرة فلم يعد للناس قُدوات سوى المطربين واللاعبين والسياسيين الفاشلين وفسحوا المجال للدعوات الهدامة تدخل البلاد بلا استئذان وتغافلوا عن خطر الغزو الثقافي الجديد بل شجعوه باسم العولمة الحتمية في شكل مذاهب غريبة وأفكار قاتلة وفِرَق ضالة أما الفرنكوفيلية فهي سيد الموقف بلا منازع.
هذا هو الانسلاخ الذي ينفذون مخططه المحبك وكأنهم وكلاء معتمدون للغرب لا يعملون على تغيير أوضاع الأمة وإنما تغيير الأمة ذاتها بدءا بإفساد النشء وإبعاده عن الدين والقيم والأخلاق وتدميره بإشاعة السفالة والبطالة وتراهم يمجدون الولاء للغرب بقدر ما يسخرون من الإسلام والعربية.
والمؤسف في هذا كله أن أهل الباطل من الاندماجيين الجدد قد جدوا في الفساد بينما استسلم أهل الاصلاح أو كادوا وفي خضمّ هذه الفتنة العمياء أصبحت لدى الشعب المسلم قابلية التغريب فهو يتابع إعلاما يعرف انحرافه يروّج الحرام والجريمة والمعصية والفساد حتى خُيّل للناس أن الخير لم يعد له وجود وحتى اقترنت البطولة في المجتمع بالذنوب وغدت الأمثلة على الاستقامة تقتصر على الماضي كأن الحاضر قد خلا منها تماما.
إنهم سرقوا أحلامنا وغذوا كوابيسنا ثم يتساءلون ما بال الأهالي لا يحبوننا؟
ونكاية في هؤلاء الأهالي قطعوا شوطا آخر وامتدت أيديهم بالإثم إلى أقدس شيء عندنا وهو كتاب الله عزّ وجلّ وفي غفلة من أهله شرعوا في تجفيف منابعه بعد أن حيّدوه وحالوا دون إشعاعه الاجتماعي.


حرب على القرآن الكريم
بينما ينغمس بعض الطيبين في كرنفال انتخابات لا طعم لها ولا لون ولا رائحة يستمرّ التغريبيون ومن مواقع المسؤولية في تنفيذ مخططهم الهدام في ضرب ثوابت المجتمع ومسخه وتجفيف منابع التديّن وقد جاء دور التعليم القرآني بعد أن تمّت تصفية البرامج المدرسية من أي إشارة إلى القرآن والسنة ما عدا نزر قليل باهت في حصة التربية الإسلامية والتي لن تعمّر طويلا  وبدأ بثّ سموم نظرية داروين والفكر الغربي بجرعات متصاعدة لضرب ثقافة الأمة في الصميم من خلال تقبّل الناشئة لأفكار دخيلة خطيرة كمفردات الميثيلوجيا الإغريقية واليونانية في تعدد الآلهة ونحو ذلك وكالمثلية الجنسية وتحرير المرأة والسفور والشذوذ والفرنسة وحتى الأسماء التي تُدرَّس والتي لا علاقة لها بعمق المجتمع وتاريخه وشخصيته.
سينفذ النظام الحاكم - ولا أقول هذا الوزير أو تلك الوزيرة - مخططه التغريبي ولن ينفع بيان هذه الجمعية ولا تنديد تلك الجهة في إيقافه لأن موجة الرفض ليست قوية بما فيه الكفاية وقد اتسع الخرق على الراقع والمخلصون من أبناء الأمة أمام جبهات متعددة كلها ثغرات يقتحمها الشرّ: التنصير الشيعة القاديانية مخرفو القرآنيين أما الطائفة الوهابية المسيطرة على المساجد فهمّها بعيد عن خطر التغريب لأنه منصبّ على تشتيت الصفّ وإحداث مزيد من الشرخ في الجسم الوطني المنهك والاشتغال بمعارك ضارية مع طواحين دون كيشوط.
أريد ان أسأل بعفوية: لماذا لا يثور سلك التعليم هنا كما يثور دوريا من أجل زيادات الأجور؟ أين جمعيات أولياء التلاميذ؟ لكني امتنع عن سؤال: أين الأحزاب الإسلامية؟ لأننا نعرف أين هي... تنتظر الفوز بالانتخابات لتصلح وتغير !!!ولن يحدث ذلك بطبيعة الحال فتبقى هي جزءا من المشكلة وأما من احتكروا الوطنية فقد تنازلوا عن ثوابتها من زمن بعيد لأن السلطة وحواشيها تقتضي ذلك.
هكذا يمتدّ التغريب بوقاحة تامة في فراغنا وعجزنا وتفرّق كلمتنا لا بدّ لنا من رجال مطافئ مغاوير وبعدد كبير لتدارك الوضع ودفع الخطر ولا يحق لأحد أن يسأل: ما الحلّ؟ فليكن هو جزءا من الحلّ لأن عقلية الانتظار تزيد من تفاقم المشكلة وها هم الشيعة لم يؤسسوا دولا إلا بعد أن طلقوا تلك العقلية السلبية. إنها قضية كل مسلم وعندما يكون للإنسان قضية فهو لا يتساءل أين الحلّ وإنما يبحث عنه ويصنعه ويستعين بكل ما ومَن يشدّ عضده ويعينه على حاجته ولم يعد الأمر يحتمل التأجيل لأن التخطيط ماض بلا هوادة لطمس معالم شخصيتنا وهم يبثون علما بلا إيمان لإيجاد إنسان بغير معاني الانسان لذلك امتدت أيديهم إلى القرآن الكريم حتى إذا تقلص ظله أصبح المجتمع مرتعا للغرائز والمادة والحيوانية.
آن أوان استفاقة الجمعيات الأصيلة والأطراف الغيورة على إسلامها والرجال والنساء من الربانيين والربانيات في ميادين السياسة والإدارة والإعلام والفاعليات الاجتماعية للدفاع عن كتاب الله وعن اللغة العربية المهمّشة والشخصية الوطنية المهددة في وجودها الحضاري.