الفراسة

  • PDF


الفراسة في القرآن الكريم:
- قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِلْمُتَوَسِّمِينَ) [الحجر: 75].
قال النَّسفي: (للمتفَرِّسين المتأمِّلين كأنَّهم يعرفون باطن الشَّيء بِسمَة ظاهرة) [مدارك التنزيل للنسفى].
وقال ابن زيد في نفس الآية: (المتفكِّرون والمعتبرون الذين يتوسَّمون الأشياء ويتفكَّرون فيها ويعتبرون) [جامع البيان للطبري].
وقال أبو المظفَّر السَّمعاني: (أي: للنَّاظرين المعتبرين وقيل : للمتفَرِّسين وهم الذين يعلمون النَّاس بسِيمَاهم على ما يُرِيهم الله منها) [تفسير السمعانى].


أقوال السَّلف والعلماء في الفِرَاسَة:
- قال الشَّافعي: (خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفِراسة حتى كتبتها وجمعتها) [آداب الشافعى ومناقبه لابن لأبي حاتم الرازي].
- وقال أحمد بن عاصم الأنطاكي: (إذا جالستم أهل الصِّدق فجالسوهم بالصِّدق فإنَّهم جواسيس القلوب يدخلون في قلوبكم ويخرجون منها من حيث لا تُحسُّون) [آداب الشافعي ومناقبه لابن لأبي حاتم الرازي].
- وقال الهروي عن الفراسة: (هو استئناس حكم غيب من غير اسْتِدْلَال بشَاهِد ولا اختبار بتجربة) [منازل السائرين للهروى].
- وقال ابن القيِّم: (الفِراسة الإيمانيَّة... سببها نورٌ يقذفه الله في قلب عبده يفرِّق به بين الحقِّ والباطل والصَّادق والكاذب وهذه الفِرَاسَة على حسب قوَّة الإيمان وكان أبو بكر الصِّدِّيق أعظم الأمَّة فِرَاسَة) [مدارج السالكين].


نماذج من الصَّحابة:
فِرَاسَة عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: 
رُوِي عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: أنَّه دخل عليه قوم من مَذْحِج فيهم الأشتر فصعَّد عمر فيه النَّظر وصوَّبه وقال: أيُّهم هذا؟ فقالوا: مالك ابن الحارث فقال : ما له - قاتله الله - إنِّي لأرى للمسلمين منه يومًا عصيبًا فكان منه في الفتنة ما كان [ذكره القرطبى فى تفسيره].


فِرَاسَة عثمان بن عفَّان رضي الله عنه: 
وهذا عثمان بن عفَّان دخل عليه رجل من الصَّحابة وقد رأى امرأة في الطَّريق فتأمَّل محاسنها فقال له عثمان: يدخل عليَّ أحدكم وأثر الزِّنا ظاهر على عينيه فقلت: أوحيٌّ بعد رسول الله ؟! فقال: لا ولكن تَبْصِرة وبرهان وفِرَاسَة صادقة [انظر: الروح لابن القيم].


فِرَاسَة علي بن أبي طالب رضي الله عنه: 
أكْثَرَ رجلٌ الثَّناء على عليّ رضي الله عنه بلسان لا يوافقه القلب فقال له: (أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك) رواه ابن أبي الدنيا في الصمت.


نماذج من السَّلف والعلماء المتقدِّمين:
فِرَاسَة الشَّافعي: 
- قال محمَّد بن إدريس الشَّافعي: (خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفِرَاسَة حتى كتبتها وجمعتها ثمَّ لما حان انصرافي مررت على رجل في طريقي وهو مُحْتَب بفناء داره أزرق العينين ناتئ الجبهة سِنَاط فقلت له: هل من منزل؟ فقال: نعم. قال الشَّافعي: وهذا النَّعت أخبث ما يكون في الفِرَاسَة فأنزلني فرأيت أَكْرَم رجل بَعَث إليَّ بعشاء وطِيب وعلف لدابَّتي وفِرَاش ولِحَاف فجعلت أتقلَّب اللَّيل أجمع ما أصنع بهذه الكتب؟ إذ رأيت هذا النَّعت في هذا الرَّجل فرأيت أكرم رجل فقلت: أرمي بهذه الكتب فلمَّا أصبحت قلت للغلام: أَسْرِج فأَسْرَج فركبت ومررت عليه وقلت له: إذا قدمت مكة ومررت بذي طوى فسل عن منزل محمَّد بن إدريس الشَّافعي. فقال لي الرَّجل: أمولى لأبيك أنا؟! قلت: لا قال: فهل كانت لك عندي نعمة ؟! فقلت: لا فقال: أين ما تكلَّفت لك البارحة ؟ قلت: وما هو؟ قال: اشتريت لك طعامًا بدرهمين وإدامًا بكذا وعِطْرًا بثلاثة دراهم وعَلَفًا لدابَّتك بدرهمين وكِرَاء الفِراش واللِّحاف درهمان قال: قلت: يا غلام أعطه فهل بقي من شيء ؟ قال: كِرَاء المنزل فإنِّي وسَّعت عليك وضيَّقت على نفسي قال الشَّافعي: فغَبِطت نفسي بتلك الكتب فقلت له بعد ذلك: هل بقي من شيء؟ قال: امض أخزاك الله فما رأيت قطُّ شرًّا منك) [آداب الشافعى ومناقبه لابن أبى حاتم الرازي].
- و(كان الشَّافعي ومحمد بن الحسن - رحمهما الله تعالى- في المسجد الحرام فدخل رجل فقال محمَّد بن الحسن : أتفَرَّس أنَّه نجَّار وقال الشَّافعي: أتفَرَّس أنه حدَّاد. فسألاه فقال: كنت قبل هذا حدَّادًا والساعة أُنَجِّر) [الرسالة القشيرية للقشيرى]. 


نماذج من العلماء المعاصرين:
فِرَاسَة الشَّيخ عبد العزيز بن باز: 
- كان الشَّيخ عبد العزيز صاحب بصيرة نافذة وفِرَاسَة حادَّة يعرف ذلك جيِّدًا من عاشره وخالطه وأخذ العلم على يديه. وممَّا يؤكِّد على فِرَاسَته أنَّه يعرف الرِّجال وينزلهم منازلهم فيعرف الجادَّ منهم في هدفه ومقصده من الدُّعاة وطلبة العلم فيكرمهم أشدَّ الإكرام ويقدِّمهم على من سواهم ويخصُّهم بمزيد من التَّقدير ويسأل عنهم وعن أحوالهم دائمًا وله فِرَاسَة في معرفة رؤساء القبائل والتَّفريق بين صالحهم وطالحهم وله فِرَاسَة - أيضًا - في ما يعرض عليه من المسائل العويصة والمشكلات العلميَّة فتجده فيها متأمِّلًا متمعِّنًا لها تُـقْرأ عليه عدَّة مرَّات حتى يفكَّ عقدتها ويحلَّ مشكِلَها وله فِرَاسَة - أيضًا - في ما يتعلق بالإجابة عن أسئلة المستفتين فهو دائمًا يرى الإيجاز ووضوح العبارة ووصول المقصد إن كان المستفتي عامِّيًّا من أهل البادية وإن كان المستفتي طالب علم حريص على التَّرْجيح في المسألة أطال النَّفَس في جوابه مع التَّعليلات وذِكْر أقوال أهل العلم وتقديم الأرجح منها وبيان الصَّواب بعبارات جامعة مانعة.


تأملات قرآنية 
أرض الله واسعة
قال الله تعاللى (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب ) [سورة الزمر: 10].
ألا تشعر بأن قوله (وأرض الله واسعة) جاءت مفاجئة فالسياق عن كفران الإنسان للنعم وتحقيق الشكر بالقنوت والخضوع في جوف الليل بالقيام وبالتوازن بين الخوف والرجاء وأن هذا هو العلم النافع وهذا يرقي الإنسان لبلوغ منزلة التقوى ودرجة الإحسان ولابد لذلك كله من صبر.
لكن التضييق سنة ماضية على المؤمنين وعقلية الحل لا اصطدام الحوائط من فقه السائر لله تعالى فكن إيجابي التفكير ولا تكثر الشكوى فالله الواسع ورحمته وسعت كل شيء وأرضه واسعة.