مواقف في حياة النبي من يمنعك مني ؟ !

  • PDF


على الرغم من كثرة المكائد والمؤامرات وتعدد أشكال الأذى البدني والنفسي الذي تعرض له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا أنه ضرب المثل الأعلى والقدوة الحسنة ـ للمسلمين عامة وللمُربين خاصة ـ في العفو عن المسيء وحسن التوكل على الله والشجاعة .. 
والمواقف الدالة على ذلك من سيرته وحياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرة منها ما رواه البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: ( غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة قِبَل نجد فأدركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في واد كثير العضاه (شجر فيه شوك) فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن رجلا أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي فلم أشعر إلا والسيف صلتا في يده فقال لي: من يمنعك مني؟ قال: قلتُ: الله ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟ قال: قلت: الله فشام السيف (رده في غمده) فها هو ذا جالس ثم لم يعرِض له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يعاقبه وجلس ) رواه البخاري . 
وفي رواية الإمام أحمد أن الرجل ( قام على رأس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالسيف فقال: من يمنعك مني؟ فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: اللهُ عز وجل .. فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: من يمنعك مني؟ فقال الأعرابي: كن كخير آخذ فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: لا ولكني أعاهدُك أن لا أقاتِلَكَ ولا أكونَ مع قوم يقاتلونك فخلى سبيله فذهب إلى أصحابه فقال: قد جئتُكم من عندِ خير الناس ) . وذكر الواقدي أنه أسلم ورجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير .
وفي هذا الموقف النبوي الكثير من الفوائد منها :
شجاعته وحسن توكله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ربه :
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أفضل الناس توكلا على الله وأشجع الناس في المواقف والمصاعب وكانت مواقفه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مضرب المثل ومحط النظر فهو شجاع في موطن الشجاعة قوي في موطن القوة رحيم رفيق في موطن الرفق .
وفي هذا الموقف الذي نحن بصدده ظهرت شجاعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحسن توكله على ربه فقد علق سيفه بغصن شجرة ثم نام ولولا حسن ثقته بوعد الله بكفايته وعصمته من الناس لطلب حراسة عليه من الجيش أثناء نومه ولمَّا استيقظ ـ صلى الله عليه وسلم ـ من نومه ووجد السيف مسلطا عليه والأعرابي يقول له: ( ما يمنعك مني؟ ) لم تظهر عليه أي من علامات الخوف ولم يزِدْ عن قوله: ( الله ) وهذا يدل على شجاعته وعظيم تعلق قلبه ـ صلوات الله وسلامه ـ بربه وحسن توكله عليه  
قال الماوردي : فمن معجزاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ : عصمتُه من أعدائه وهم الجمُّ الغفير والعددُ الكثير وهم على أتم حَنَق عليه وأشدُّ طلب لنفيه وهو بينهم مسترسلٌ قاهر ولهم مخالطٌ ومكاثر ترمُقُه أبصارُهم شزراً وترتد عنه أيديهم ذعراً وقد هاجر عنه أصحابه حذراً حتى استكمل مدته فيهم ثلاث عشرة سنة ثم خرج عنهم سليماً لم يَكْلَمْ في نفس ولا جسد وما كان ذاك إلا بعصمة إلهية وعدَه الله تعالى بها فحققها حيث قال ـ سبحانه ـ: { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }(المائدة: من الآية67) فعَصَمَه منهم .