يحيى السماوي : لست أكثر من كلمة مبهمة تحاول أن تكون جملة ذات معنى

  • PDF

الأستاذة فاطمة الزهراء بولعراس

س1
الأستاذ يحيى السماوي غني عن التعريف لكن الفضول عند القارئ كبير فهل لك أن تشبع فضولنا وتعرفنا على يحيى السماوي (العراقي)··· (الإنسان)······ (المغترب)
ج : أنا ابن أمٍ  قروية وأبٍ بقال·· أطلقت أوّل صرخة بكاء حين طردتني أمي من رحمها ظهيرة يوم 16 / 3 /1949 في بيت طينيّ، وما زلتُ أواصل صراخي احتجاجا على الفقر في وطن يغفو على بحيرة نفط لا يمتلك منه الفقراء إلآ السّخام، وإدانة لساسة ٍوعدونا بالفردوس فقادونا نحو الجحيم·
غادرت وطني قبل نحو ربع قرن هربا من حبل مشنقة، لكنني بقيت مشدودا إلى رحمه بأكثر من حبل مشيمة..

س2
كم من الحب والحنين والشوق يلزمك كي يعود إلى العراق (عراقه)؟
ج 2: العراق بحاجة إلى عراق·· فعراق اليوم لم يعد له من عراق الأمس البعيد إلا الاسم فقط ··· ساسته اليوم غير ساسة أمسه البعيد ··· و حلاجه اليوم غير حلاج الأمس البعيد، أمّا الحجّاج اليوم فهو أيضا غير حجّاج الأمس ··· حجاج الأمس كان يقطف رؤوسا، أما حجّاج اليوم فإنه يقطف  ذهبا وياقوتا بيت مال الشعب فالنواطير هم اللصوص، ولا ثمة ما يُنبئ عن أن الجياع سيأكلون الآلهة التمر·

س3
هل تتفق مع من يسمي الأحداث الأخيرة في العالم العربي بالربيع؟ لماذا؟

ج 3: إنه خريف أكثر يباسا ً من قرون الوعل، لم يسفر إلا عن أنهار دماء وعواصف فوضى وبراكين دمار وعن مدٍّ مرعب لأمواج الظلاميين·· هذا الربيع المزعوم قد حقق للكيان الإسرائيلي ما  لم تستطع تحقيقه في حروبها العدوانية إنْ على صعيد تجزئة المُجزّأ أو على صعيد خلخلة الثوابت العليا للعروبة ·· ربيعنا المزعوم هذا ليس غير إفراز من إفرازات مايسمى بـ الفوضى الخلاقة التي صنعت أمريكا فأسها لتهشيم الشجرة العربية·


س4
من خلال الأحداث الأخيرة في العالم العربي ألا ترى أن دور المثقف غائب ولماذا؟

ج 4: سيبقى دور المثقف العربي هامشيا لأن أغلب أنظمة الحكم العربية لا تريد للمثقف أن يكون له دور فاعل في صنع القرار، فالسياسي العربي يريد من المثقف أن يكون تابعا من توابعه ومنشدا في كورس المهرجين·
بقدر تعلق الأمر بالأحداث الأخيرة التي شهدتها بعض دول المنطقة فإنها مهّدت طريق السلطة للظلاميين وهم أساسا يناصبون الثقافة العداء خشية على ظلامهم من نورها·



الشعرية مكثفة والخيال والصور  بديعة في أشعارك··· لابد أن لهذا محيطا أو بيئة نشأتْ فيها··· هل هي السماوة؟ أم هناك أسباب أخرى نلح أن يعرفها القارئ؟

ج5 :
مدينة السماوة هي الرَّحم الذي أنجبني، لكنها لم تنجب شاعريتي·· فالذي أنجبها هو الفقر والشعور بغياب العدالة في وطن برغم كونه يغفو على بحيرة نفط إلا أنّ فقراءه مازالوا يستخدمون روث البقر وسعف النخيل وقودا للطبخ والتدفئة ·· وطن سوط الحاكم فيه أطول من  يد العدالة، والحزب الحاكم  فيه وحده المبشّر بجنة النعيم السحت وجميع الامتيازات·



هل لنا أن نعرف متى يكتب يحيى السماوي؟ أعني هل لك أوقات معينة أو طقوس تعودت عليها في كتاباتك؟

ج6:
الشعر حصان أصيل مغرور وكثير الاعتداد بنفسه،  يسمح للفارس الأصيل بركوبه لكنه لا يسمح له باختيار المضمار ووقت الانطلاق، بل ولا يسمح له بتحديد نوع السير والركض سريعا أو خببا، طويلا أو قصيرا، فمثل هذه الأمور ينفرد الشعر ـ وليس الشاعر ـ باتخاذ قرارها··· أعني أنني لا أختار وقت وشكل القصيدة، فالشعر هو الذي يختارهما·



هل أنت مطلع على الأدب الجزائري؟ وما هي نظرتك إليه وخاصة الشعر؟

ج7:
لي أصدقاء أدباء جزائريون بعضهم كتب عن تجربتي الشعرية والتقيت بعضهم كالأديبين د· عبد الملك مرتاض ود· ابراهيم النويري·· لكن معرفتي بالشعر الجزائري تكاد تكون شحيحة، فقد قرأت القليل للشعراء أحمد حمدي، عثمان لوصيفي، عاشور فني، أحمد الغوالمي،  سليمان جوادي ومحمد جربوعة وفاطمة بن شعلال وأحمد دلباني، ونوارة لحرش، وميلود حكيم، و علي بوزوالغ، وسيف ملوك سكتة، ومؤخرا قرأت لفتيحة عبد الرحمن وأسماء أخرى، وكل قراءاتي هذه لا تتعدى نصوصا في معجم البابطين وفي المجلة العربية والشبكة العنكبوتية·
طبيعي أن البنية الأسلوبية في قصيدة أحمد حمدي تختلف عن بنية قصيدة ميلود حكيم، كما تختلف بنية قصيدة عثمان لوصيفي عن بنية نوارة لحرش، لكن القاسم المشترك لهذه القصائد هو موضوعة القلق الوجودي ومأزق الإنسان المعاصر حيال الحرية والديمقراطية والكرامة المتأصلة في الإنسان·



نعود إلى العراق ماذا يجري؟·· ولماذا العراق؟ وبمثل هذه الصورة الفظيعة من القتل والدمار؟

ج8:
مشكلة العراق تكمن في موقعه الإستراتيجي جغرافيا، وفي ثرواته النفطية اقتصاديا، وفي ثرائه البشري علميا، لذا تكالبت عليه أنياب ومخالب الطامعين بثرواته، والسكاكين الصهيو/ أمريكية التي حرصت على إخراج العراق من معادلة القوى الإقليمية كخطوة على طريق إعادة رسم خارطة المنطقة من جديد  تحقيقا للهدف الصهيو/ أمريكي في إقامة الشرق الأوسط الكبير الذي ستكون فيه إسرائيل صانعة القرار وتنفيذه·· وتأسيسا على ما تقدم فإن العراق سيبقى ينزف الدماء حتى آخر برميل نفط وإكمال تفريغه من عقوله البشرية وخلخلة فسيفسائه الأثنية وثوابته العليا، فلم تكن المصادفة وراء اختيار العراق لإدخاله في مصيدة الحربين الخليجيتين الأولى والثانية، وليست المصادفة هي التي جعلت العراق مختبرا لإجراء تجارب البنتاغون لمعرفة فاعلية آخر ابتكاراته من أسلحة الدمار والإبادة الجماعية، وليست المصادفة هي التي جعلت العراق مكبّا ً لنفايات الظلاميين كالقاعدة وداعش··· السياسية الصهيو / أمريكية لا تعرف المصادفات·



هل كانت الأوضاع في العراق سبب الهجرة أم أن الهجرة كانت اختيارا؟

ج9 :
الشعب العراقي من أكثر شعوب المنطقة تشبّثا بأرضه، ففي العراق كل مستلزمات الحياة الكريمة من أنهار وأرض طيبة وثروات طبيعية وحتى جمال طبيعة وحسن مناخ، لكن أنظمة التعسف والحروب العدوانية وغياب العدالة في توزيع الثروات وغياب الأمن والاستقرار، جميعها عوامل أدّت بالعراقي إلى أن يجتاز الحدود حاملا خيمته على ظهره بحثا عن وطن مستعار·



س10 وماذا أضافتْ لك (الهجرة) كأديب كبير؟

ج10:
الذي أضافته لي الغربة الطويلة هو المزيد من الأدلة على حقيقة أنّ الجسد يمكن أنْ يتآلف مع الوطن المستعار، لكنّ الروح تبقى متشبثة بالوطن الأم ·· وأضافت لي اليقين بأنّ زنزانة ضيقة أمارس فيها حريتي وأغفو بأمان، هي أوسع من وطن لا أمان فيه·


س 11
هل من أبنائك من ورث هذه الشاعرية الفذة والموهبة الفريدة؟ ما رأيك؟

ج11:
كان يمكن لكبرى بناتي الشيماء أن تكون ناقدة أدبية قديرة لولا تخلها عن الأدب وانشغالها بدراساتها العليا في هندسة الحاسوب وهندسة النفط ومن ثم ممارسة تخصصها العلمي في إحدى كبريات شركات النفط·· الأمر نفسه لصغرى بناتي سارة التي كتبت عدة قصائد باللغة الإنكليزية ويبدو أنها لم تعد تكتب لانشغالها بدراستها بعد اختيارها من قبل مدرستها للدراسة في صفوف خاصة بالطلبة المتميزين·


س12
كأديب كبير بماذا تنصح الحكام العرب؟

ج12:
أقول صادقا سيدتي الأخت الشاعرة إنني لست أديبا كبيرا·· فأنا لست أكثر من كلمة مبهمة أحاول جهدي أن أكون جملة ذات معنى في كتاب المحبة الكونية... أما ما أقوله للحكام العرب فهو: رفقا ً بأنفسكم ـ وليس بشعوبكم فحسب ـ كي لا ينتهي الأمر بكم إلى الموت ضربا بالأحذية أو بالخازوق أو التدلي من حبل مشنقة··· تشبثكم بالسلطة قد أصاب حتى الأوطان بالبواسير!


س 13
كيف ينظر يحيى السماوي إلى أدب المرأة أم أنك ضد هذا التصنيف؟

ج13:
عذرا، فأنا لا أؤمن بهذا التصنيف، فالذي أؤمن به هو إنسانية الأدب وليس جنسه الأنثوي أو الذكوري... الأدب واحد لأن النفس البشرية واحدة  ··· الحزن واحد والفرح واحد والهمّ الإنساني واحد··· فكما أنهما يعيشان فوق أرض واحدة وتحت سماء واحدة ويحدّقان في أفق واحد، فإن أدبهما واحد·

س14
وكيف تنظر إلى ما يسمى بحرية المرأةّ؟

ج14:
الحرية لا تقبل التجزئة سيدتي·· أنا مع حرية الإنسان··· أعني الحرية المنضبطة وليس الانفلات  من كل كل الثوابت· ولأن الحرية قيمة إنسانية عليا، فإنه يجب ألا تُخِلُّ الحرية الشخصية بالقيم العليا للكيان المتّحد / المجتمع· 


س15 هل تثق في الجوائز والمهرجانات؟ ما مدى مصداقيتها برأيك ولماذا؟

ج15:
المسألة نسبية··· الجوائز الأدبية مهمة شريطة أن تكون نزيهة وليس لغايات سياسية أو عرقية وما إلى ذلك من دوافع لا علاقة لها بالمنجز الإبداعي· وأما المهرجانات فهي مهمة أيضا لأنها حلقة من حلقات تواصل الأدباء وتعارفهم عن قرب··· قد لا أكون مجانبا للصواب في قولي إنّ الجلسات التي يعقدها الأدباء على هامش المهرجانات تكون أحيانا أكثر ثراء مما يُلقى في المهرجانات· 


س 16
أريد سماع رأيك أو تعريفك لهذه الكلمات
الديمقراطية: ـ عربيا ـ هي الكلمة التي لو طالبت بها فسوف تُقاد إلى أقرب مركز للشرطة· 
الايديولوجيا: الفراء الجميل الذي يُغلف به الساسة التجّار فؤوسهم·
الأم: قلب الله فوق الأرض·
السماوة: جنتي وجحيمي·



س 17
آخر قصيدة كتبتها نريد أن نقرأها ونحلّق في سماء شعرك الشاهقة·

ج 17:
أذكر لك أبياتا من قصيدة قيد الإنجاز هي:

يـومـي لـهُ لــيـلان ِ مُــتـَّـصِـلان ِ
أمـا  صـبـاحـاتي فـبـعـضُ ثـوان ِ
زادي قـلـيـلٌ والـطـريقُ طـويـلـة ُ
ويـدايَ راسِــفـتـان  والـعــيـنـان ِ
يتـقاتلُ الضِّـدّان تحـتَ أضـالـعـي:
نـورُ الإلـهِ  وظـلــمــة ُ الإنـســان ِ
فـأنا عـدوّي في الطّعان ِ وناصري
وأنـا وقـودي والـلـظى ودخـانـي
كفرتْ بغير ندى الفراتِ فراشتي
وأبى ســواهُ لـطـيـنـهِ بـسـتـاني
أسماحـة َ الشيطان ِ لو عـلّـمـتـنـي
كيف الجحودُ ·· سـماحة َ الشيطان ِ
حاولتُ أكفرُ بالعراق وأهـلـهِ
فاعـتابني شـرفي وشُـلّ لساني



س18
كلمة جميلة تختم بها هذا الحوار:

أقول: لك مني ـ وللأحبة القراء ـ نهر محبتي وحديقة شكري، سائلا الله أن يجعل يومكم أجمل من أمسكم، وغدكم أبهى من يومكم·