البروفيسور عمار جيدل : هذه أسباب فساد أخلاق الجزائريين

  • PDF


* العودة للشريعة الإسلامية ضروري لمواجهة الانحلال

* رغم الانحلال الأخلاقي الشائع·· إلا أن هناك بذرة خير في المجتمع

* يجب على النساء اختيار وظائف تناسب أنوثتهن لتفادي أي حرج

* ينبغي وضع قوانين تمنع تعسف الزوجين معا لا الزوج فقط

حاورته: عتيقة مغوفل


اعتبر البروفيسور عمار جيدل، المختص في أصول الدين، العقيدة والفكر الإسلامي بكلية العلوم الإسلامية بالجزائر العاصمة، أن أصل المشاكل الاجتماعية والانحلال الأخلاقي الذي شاع وبشكل خطير في المجتمع الجزائري راجع لغياب الوازع الديني لدى المواطن والمسيَر على حد سواء، ولكن ومع ذلك مازالت بذرة خير تلوح في الأفق من خلال التطورات التي تحصل فيه يوما بعد يوم، كما اعتبر من جهة أخرى القرار الصادر عن بعض الهيئات العمومية القاضي بمنع ارتداء عاملاتها الخمار داخل الهيئة بالأمر المرفوض شرعا، ولكن إن كانت هذه الأخيرة مضطرة لعدم ترك منصب عملها، أن تعمل بذات الهيئة شريطة أن تحتفظ بخمارها·

أخبار اليوم : أصبح المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة يعرف انحلالا أخلاقيا كبيرا، وهو ما انجر عنه بروز العديد من الظواهر الدخيلة عنه، فما تفسيركم لما يحدث؟
البروفيسور عمار جيدل: الانحلال الأخلاقي ظاهرة اجتماعية تنخر أي مجتمع من المجتمعات وتعمل على تهديم كل القيم النبيلة والجميلة فيه، كما أنه ظاهرة تتنافى تماما ومبادئ الجزائريين، وهو راجع بالدرجة الأولى إلى غياب الوازع الديني لدى الفرد من جهة، وإلى الغزو الثقافي الغربي من جهة أخرى فقد غدا الكثير من الجزائريين اليوم متطلعون على الكثير من ثقافات العالم، مما جعلهم ينصهرون فيها مع أنَ العديد منها تنافي قيم ديننا الحنيف، وبما أن كل شخص مسؤول على نفسه وتصرفاته وجب عليه أن يربي نفسه قبل أن يقبض عليها يوم يتوفى، خصوصا إذا ما توفي وهو في حالة معصية، لذلك وجب على الجزائريين العودة للقيم الأساسية التي ينص عليها الإسلام، فحتى يترقى المجتمع يجب أن يترقى الإنسان بنفسه أولا، وبما أن النَبي صلى الله عليه وسلم قال: كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته فوجب على الوالدين نقل هذه القيم إلى الأبناء أيضا، لأنهم مسؤولون على تربية أبناء أمام الله عزوجل يوم القيامة وسيسألون عليهم·
ولكن هذا لا يعني أن المجتمع الجزائري ينزل إلى السلبية فقط، فمجتمعنا يسير إلى الأحسن أيضا وهو ما نلمسه جليا في ارتفاع عدد الشباب الذين يتخرجون من الجامعات كل سنَة، وهذا يعني أن شبابنا يقدر العلم مثله مثل باقي الأمم الأخرى، وما يزيدنا فخرا أن أعظم الدكاترة الذين يتواجدون في أغلب الجامعات العالمية يحملون الجنسية الجزائرية، فالقضاء على ظاهرة الانحلال الأخلاقي في المجتمع الجزائري يبدأ من تقويم الفرد لنفسه وتربيتها على تعاليم الدين الإسلامي·

** تكلم الإعلام في الأيام السابقة عن قرار صدر من قبل إحدى الهيئات العمومية القاضي بمنع ارتداء الخمار من طرف العاملات داخل هذه الهيئة، وهو الأمر الذي أحدث جدلا كبيرا فما حكم الدين في ذلك؟
اشتراط بعض المؤسسات العمومية أو حتى الخاصة نزع الخمار والحجاب للموظفات المحجبات هو أمر محرم شرعا وقانونا في بلاد تنص ثاني مواد ديباجتها على أنَ الإسلام دين الدولة، فالحجاب ليس واجبا شرعيا مؤقتا، لذلك فإن المرأة مضطرة للعمل وذلك بسبب العديد من الضغوط الاجتماعية كأن يكون زوجها متوفيا وهي تعمل لتعيل أبناءها لأنه لا معيل لهم سواها، فلا حرج إن بقيت تعمل في هذه المؤسسة شريطة أن لا تنزع خمارها بل تكتفي بارتداء سروال وتنورة طويلة بالإضافة إلى الخمار طبعا، أما إن كان باستطاعة هذه المرأة أن تجد منصب عمل في مؤسسة أخرى يمكن لها من خلاله الاحتفاظ بحجابها كاملا ولكنها رفضته مفضلة العمل في المؤسسة الأولى فهي بهذا آثمة·

** عرف سوق العمل في الجزائر غزوا كبيرا من طرف العنصر النسوي، وهو الأمر الذي يؤرق الكثير من الدعاة وحجتهم في ذلك الاختلاط، فما ردكم على هذا الموضوع؟
فعلا، يعتبر الكثير من الناس أن خروج المرأة إلى العمل يثير فتنة في الأوساط الاجتماعية بسبب الاختلاط الذي يكون بين الجنس الرجالي والنسوي في مكاتب المؤسسات، ولكن قبل التحدث عن ظاهرة الاختلاط الجنسين بين في المؤسسات الاقتصادية والإدارات، يجب محاربته أولا في المؤسسة التربوية حتى يفهم أبناؤنا منذ صغر سنهم أن الاختلاط بين الجنسين محرم شرعا، وهذا حتى تتم تنشأتهم منذ صغر سنهم على هذه الفكرة ليتم فيما بعد محاربة الظاهرة في المؤسسات والإدارات، وقد أمرنا الله عزوجل بعدم الاختلاط وضرورة مكوث المرأة في البيت حفظا لكرامتها، مصداقا لقوله تعالى وقرنَ في بيوتكنَ ، ولكن اجتهادات العلماء في السنوات الأخيرة خصوصا بعد أن تفوقت المرأة في الدراسة ووصلت إلى أعلى درجات العلم، أفضت إلى السماح لها بالخروج للعمل في ميادين محددة كالتطبيب والتدريس، لأن المرأة لا تجد راحتها إلا مع المرأة مثلها، كما أن العديد من الرجال اليوم يرفضون أن يفحص الأطباء الرجال نساءهم، نفس الشيء بالنسبة إلى التدريس فالمعلمة قد تكون أكثر رحمة وحنية على التلميذ من المعلم بسبب شعور الأمومة الفياض لديها، لهذا وحتى نتقي الشبهات وجب على كل النساء العاملات أن يخترنَ وظائف لا تعطل أنوثتهنَ·

**ظهرت خلال الأيام الماضية حملة فايسبوكية تناشد الزوجات السماح لأزواجهن بتعداد الزوجات وهو الأمر الذي أحدث جدلا اجتماعيا· ما تعليقكم؟
طبعا إن هذا الموضوع سيحدث جدلا اجتماعيا كبيرا مع أنه أمر جائز ومحلل شرعا، فلا توجد امرأة تقبل بهذه الفكرة، لأن الأنثى أنانية وترفض التحدث في مثل هذه المواضيع حتى وإن كانت عاقرا ولا تنجب الأولاد تطلب من زوجها أن يطلقها ثم يعيد الزواج مرة أخرى، رافضة أن تشاركها في زوجها امرأة أخرى، وأنا بدوري أثمن هذه الحملة واعتبرها تفكيرا في المجتمع، وهو شكل من أشكال محاربة ظاهرة الانحلال الأخلاقي في المجتمع الجزائري·

**وما رأيكم في التشريع القانوني القاضي بتجريم ضرب المرأة؟
في الواقع أنا أجد هذا القرار صائب للغاية لأنه يؤدي إلى محاربة كل أشكال العنف ضد النساء الذي أصبح متفشيا وبشكل كبير، ولكن أتمنى أن يتم استعمال هذا القانون بضوابط حتى لا يكون تعسفا للمرأة على زوجها أو على الرجل بشكل عام، لأننا نعلم جميعا أن دموع المرأة هي سلاحها في الكثير من الأحيان فقد تكون هي من تعسفت على الرجل ثم تلجأ للقضاء مستعملة دموع التماسيح حتى تظلمه ويقف القضاء في صفها· من جهة أخرى، لماذا لا يتم سن قوانين تمنع أن تضرب المرأة زوجها؟ لأنه وللأسف الشديد هناك العديد من الأزواج الذين يتعرضون للتعسف من قبل زوجاتهم وهو موضوع يظل واحدا من طابوهات المجتمع الجزائري الذي يرفض الرجال الكلام فيه، وبهذه الطريقة يكون المشرع الجزائري قد وضع قيدا لتعسف كلا الطرفين·

**أشاد وزير الشؤون الدينية بالمرجعية الدينية في الجزائر، فما المقصود بها وعلى أي أساس تقوم؟
حتى نستطيع أن نتكلم على المرجعية الدينية السائدة في البلاد ونستطيع تثمينها أو لا، يجب أن نعرف أولا إن كان السياسيون الذين يختارهم الشعب يسيرون وفق مبادئ الشريعة الإسلامية، وهو أمر لا يتجلى في تعاملاتنا تماما، فمازالت بنوكنا اليوم تعمل بالنظام الربوي مع أن ديننا الحنيف قد حرم ذلك، بالإضافة إلى شيوع مظاهر الاختلاط في مؤسساتنا التربوية والاقتصادية وإداراتنا العمومية وهو ما سبق أن تحدثنا فيه في إحدى النقاط السابقة، فالمؤسف أن مؤسساتنا التعليمية تستورد اليوم مقررات تعليمية غربية بعيدة عن النظام الإسلامي تماما، كما أن وسائل الاتصال الحديثة قد ساهمت وإلى حد بعيد في الغزو الثقافي الغربي الذي أصبحنا نلمسه جليا في حياتنا اليومية، بالإضافة إلى هذا فإن الشعب الجزائري مغلوب على أمره يستهلك كلما يقدمه له النظام السياسي المهيمن في البلاد الذي يتحدث بغير لغة الإسلام ويسير بغير أخلاق الدين، فالنظام السياسي يستورد لنا حتى الكتب التي نقرأها من أجل غرس ثقافة معينة في عقلية الشعب الجزائري، لذلك وحتى نتكلم أو نثمن المرجعية الدينية الموجودة في بلادنا يجب علينا أولا أن نلمسها في تعاملاتنا اليومية سواء فردية كانت أو جماعية·

** وحتى نتمكن من غرس قيم دينية صحيحة في نفوس الجيل الصاعد، هل يجب أن تكون مقررات التربية الإسلامية في المدرسة الجزائرية من اختصاص وزارة الشؤون الدينية؟
قبل أن نتكلم لمن ترجع مسؤولية وضع مقررات التربية الإسلامية في المدرسة الجزائرية، يجب أن يلمس التلميذ أولا التعاملات الإسلامية في حياته اليومية قبل أن يدخل إلى قسمه، التي يجدها أولا في بيته عند والديه، اللذين هما المدرسة الأولى للطفل قبل أن يخرج للشارع فإن كان الوالد سكيرا والأم غير صالحة كيف يمكن لهذا الطفل أن ينشأ نشأة إسلامية صحيحة، وكيف يمكن للمقررات الدراسية أن تؤثر فيه وتربيه فيما بعد، لذلك وجب على القائمين على الوضع في البلاد إيلاء عناية كبيرة للفروض الكفائية التي من شأنها أن تصلح المجتمع كمحاربة ظاهرة المخدرات فللأسف نصف شبابنا اليوم يتعاطى الأقراص المهلوسة، كما أن أبناء الزنى في تزايد مستمر، كما أن الخطاب الديني الذي يتلقاه الشاب في المسجد له دور كبير في تنشئته الدينية، على غرار المقررات الدراسية التي يتلقاها في قسمه، لهذا يجب أن يكون الخطاب الديني ناقدا وناقما على الوضع الأخلاقي المزري الذي وصلنا إليه، كما يجب أن يكون قويا مؤثرا وبعيدا عن جميع الخطابات السياسية، ولكن ما يلاحظ اليوم أن هناك أطراف يسعون لفصل الدين عن الدولة، ولكن في حقيقة الأمر الدين هو الحياة، والحياة هي السياسة فلا دين دون سياسة·