الشيخ منير صغير :الوضع الأخلاقي للشباب الجزائري يدعو إلى الاستنفار

  • PDF

رئيس شعبة جمعية العلماء المسلمين بوهران الشيخ منير صغير لـ (أخبار اليوم):
(الوضع الأخلاقي للشباب الجزائري يدعو إلى الاستنفار)
* (رغم كلّ الانحرافات·· مازال الأمل قائما في غد أفضل)
* (هناك دوائر داخل الوطن وخارجه تستهدف انتماء وهران إلى الإسلام)

يدقّ الشيخ منير صغير (أبو إسلام)، رئيس شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بوهران، ناقوس الخطر وجرس الإنذار بخصوص الوضع الأخلاقي العام للشباب الجزائري، مشيرا إلى أن حال أكثر الشباب في المتوسّطات والثانويات والجامعات لا يرضي اللّه ورسوله ولا الصالحين من عباده، ومع ذلك يرى أن الأمل ما يزال قائما ورصيد الفطرة سيبقى حيّا في نفوس كلّ عاص من المسلمين والمسلمات· ويتّهم الشيخ منير صغير دوائر داخل الوطن وخارجه باستهداف انتماء وهران إلى الإسلام، مشيرا إلى أن إقبال أبناء وهران وبناتها على مسجد (عبد الحميد ابن باديس) المدشّن مؤخّرا قد (أغاظ كثيرا من الشانئين ومرضى القلوب والمرجفين واللاّئكيين الذين يظنّون ويخيب ظنّهم في كلّ مرّة أنهم نجحوا في سلخ هذا الشعب وشبابه خاصّة عن دينه). ويتطرّق محدّثنا خلال إجاباته إلى مسائل أخرى مثل التقريب بين السُنّة والشيعة والربيع العربي والسبيل إلى إصلاح المنظومة التربوية وإطفاء نار فتنة غرداية وغير ذلك من الأمور الهامّة التي تكتشفونها في هذا الحوار الخاص الذي تطالعونه في حلقتين·

* أجرى الحوار: الشيخ بن خليفة

* كيف يقدّم الشيخ منير صغير نفسه للقرّاء؟
*** أوّلا شكرا لجريدة (أخبار اليوم) على فتح هذه النافذة التي أطلّ من خلالها على قرّائها الكرام، ثمّ شخصيا أصارحك لأنني لا أحب وصف الشيخ لأنه وصف كان عبر التاريخ لا يناله إلاّ من يستحقّه ثمّ صار إلى أن لبسه من يستحقّ ومن لا يستحقّ وابتُذِل حتى لم يعد لكثير من حامليه في نفوس النّاس تعظيم ولا توقير، أقدّم نفسي أنني مسلم جزائري، وُلد ونشأ ودرس ما قبل الجامعة في ولاية تيارت وفي مدينة السوفر بالتحديد، ثمّ درست في الجامعة بين وهران وتيارت، نشأت في عائلة محافظة مثل أكثر الجزائريين وحفظت القرآن في كتاتيب المدينة وعلى يد الشيخ الطيّب حساني رحمه اللّه، ثمّ حبّبت إليَّ العربية وفنونها فتلقّيت من ذلك حظّا جيّدا كان أساسا وقاعدة متينة على يد الشيخ محمد بالسادات رحمه اللّه، وعلى كلّ حال فالمحطات والأحداث كثيرة وليس من المناسب أن يكون هذا الجواب المختصر ترجمة أو سيرة ذاتية·
* بصفتك رئيس شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بولاية وهران كيف تقيّم أداء الجمعية؟ وهل تراها قادرة على القيام بواجبها الإصلاحي على الوجه المطلوب في ظلّ ما هو متاح لها من إمكانيات؟
*** أداء الجمعية في وهران وفي غيرها تتحكّم فيه ظروف داخلية وخارجية، بعضها يتعلّق بالموارد البشرية والمادية للجمعية وبعضها بالهمّة والطموح لدى أعضائها وبعضها بمخلّفات ما عاشته الجزائر في التسعينيات، ورأيي أن أداء الجمعية يسير في منحى متصاعد منذ انطلاقها الحقيقي بعد سنة 99، أمّا دورها الإصلاحي فلا أشكّ إطلاقا أن الجمعية قادرة على القيام به وبأعلى المستويات وعلى أحسن وجه، والإمكانيات المادية لم تكن يوما ما عائقا أمام هِمم الرّجال وطموحات المصلحين، ولا شكّ أن الأمر ليس سهلا ولكن لابد ممّا ليس منه بدّ، والمطلوب هو الإخلاص وفهم رسالة الجمعية وتجديد دمائها بالشباب والطاقات والكفاءات العاملة ووضوح الرؤية لدى العاملين·
* عاشت مدينة وهران قبل أسابيع حدثا رائعا يتمثّل في تدشين مسجد الشيخ (عبد الحميد ابن باديس)، ألا ترون في الإقبال الشديد لأبناء (الباهية) وغيرهم على الصلاة في هذا الصرح ردّا على المشكّكين في تديّن الجزائريين، وكذا ردّا على المسيئين إلى وهران الذين لا ينظرون إلاّ إلى ملاهيها ومغنّييها؟
*** لقد أغاظ إقبال أبناء وهران وبناتها كثيرا من الشانئين ومرضى القلوب والمرجفين واللاّئكيين الذين يظنّون ويخيب ظنّهم في كلّ مرّة أنهم نجحوا في سلخ هذا الشعب وشبابه خاصّة عن دينه: عقيدة وشريعة وأخلاقا وانتماء وهوية، أمّا سمعة وهران فرأيي الشخصي أن هناك دوائر في الإعلام ولدى بعض الجمعيات والتيّارات السياسية داخل الوطن وخارجه تستهدف انتماء وهران إلى الإسلام وتاريخه بتقديمها مدينة متوسّطية ذات أصل إسباني، ثمّ الاشتغال على هذا الأمر وترسيخه وتكريسه ليصبح أمرا واقعا ومن ذلك إغراقها بالمخدّرات ومهرجانات الغناء الساقط وفتح الملاهي واستضافة ما يسمّى بالفنّانين وإعطاء صورة لها غير تلك التي يراها ويعيشها النّاس في واقعهم، والقاعدة عندهم اكذب واكذب واكذب حتى يصدّقك النّاس وقد كادوا يصدّقون·
* تعدّ أحد أقلام صحيفة (البصائر)، لسان حال الجمعية، ألا ترون أن هذه الصحيفة (محفورة) إعلاميا وجماهيريا قياسا إلى صيتها التاريخي والرسالة التي يُفترض أن تؤدّيها؟
*** في الحقيقة لم أنشر في (البصائر) إلاّ مقالا واحدا والمأمول أن يكون المنشور فيها أكثر وأجود، و(البصائر) ليست مجرّد جريدة، بل هي رمز من رموز مقاومة المسخ والسلخ عن الدين والهوية التي كانت تسعى إليها فرنسا، ومن مشكلات البصائر شحّ التمويل وضعف موارد الإشهار وصعوبة التوزيع، غير أنني أؤكّد لك أن الجريدة تشهد في السنة الأخيرة خطّة جديدة كلّها تجديد وإبداع وتغيير إيجابي في الشكل والمضمون، ومثل هذه الإنجازات لا تتمّ بين يوم وليلة، بل تحتاج صبرا ومصابرة ومثابرة، وفي النّهاية المشرفون على (البصائر) أولى بالحديث عنها وعن رؤاها وتحدّياتها من أيّ كان سواهم·
* من المعلوم أن جمعية العلماء كانت على (خصام) مع بعض الزوايا بسبب محاربة الأولى للممارسات الشركية والبدع التي ارتبطت بالثانية وفي المقابل يرى البعض أن الزوايا قامت بدور بارز في تحفيظ عدد كبير من الجزائريين كتاب اللّه، كيف يمكن التوفيق في نظرك بين تحفيظ القرآن والبُعد عن الممارسات البدعية المنبوذة وأخطرها الشرك باللّه تعالى؟ وكيف تنظر إلى راهن أوضاع الزوايا وعلاقتها بالجمعية؟
*** التعميم غير مناسب، والبدع ليست كلّها شركا ومروقا من الدين، ودور الزوايا في المحافظة على القرآن الكريم في الجزائر لا ينكره عاقل أو مؤرّخ منصف، والصراع بين الجمعية والطرقية ممثّلة في بعض الزوايا -وليس كلّها- له أسبابه التاريخية والموضوعية، والجمعية لا تؤسّس لدين جديد، بل شعارها: الإسلام ديننا، فما كان بدعة وانحرافا أو شركا تنكره نصوص القرآن والسُنّة وتوارد على إنكاره العلماء الربّانيون فهو بدعة وانحراف وشرك ولا يمكن للجمعية أن تحكم بصوابه واستقامته، وأن تجعل الشرك توحيدا أو البدعة سُنّة، فقط ما هو مطلوب هو تحرير مواضع النّزاع والسعي إلى تصحيح المفاهيم والتعاون بين المصلحين جميعا على الخير دون إقرار بالباطل أو كتمان للحقّ أو تلبيس على النّاس، والمنكرات ليست مرتبة واحدة والإنكار عليها ليس سَنَنا واحدا كذلك، والعلم والعدل مطلوب في مثل هذه المواقف، ومهمّة الدعاة من جمعية العلماء ومن غيرها هي بيان الحقّ وتصحيح المفاهيم وليس الدخول في صراعات مع هذا أو ذاك إلاّ ما يقتضيه بيان الحقّ والردّ على الباطل بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن الحكمة الحزم والوضوح والشدّة في الردّ في مواضعها·
* تنحدر من منطقة أنجبت عددا من العلماء البارزين يتقدّمهم أستاذك الشيخ بالسادات، ماذا تقول عن هذا الرجل؟ ولماذا لم يستلم مشعله مشايخ بارزون يجمعون بين العلم والتفقّه والدعوة إلى سبيل الرشاد؟
*** الشيخ محمد بالسادات رجل عالم بكلّ ما تحمله كلمة عالم من معنى، وهو خرّيج جامعة القرويين بفاس، وعلاقته بجمعية العلماء متينة قبل الثورة، وكان مرجعية فقهية في تيارت وما حولها من الولايات، وهو متمكّن من علوم الآلة: نحوا وصرفا وبلاغة وفقها وأصولا، وصاحب بديهة حاضرة ونكتة طريفة وكرم فيّاض، كان يدرّس متون الفقه المالكي بتمكّن وتفنّن ومتون النّحو والصرف كذلك، وشاء اللّه أن يعيش في فترة انصراف من النّاس عن العلوم الشرعية، وأقول إن تلاميذه لم يقوموا بعلمه ولا نشروا فضله، وحتى مكتبته العامرة بآلاف الكتب ضاعت وتفرّقت ولا يعلم أحد بمصيرها، وقد استفاد من الشيخ كثيرون ولكنهم آثروا الخمول والعزلة ولم يكونوا استمرارا وامتدادا لما قام به الشيخ رحمه اللّه تعالى، وحبّذا لو تقوم جريدتكم الموقّرة بتحقيق صحفي عن حياته وأعماله ومآثره·
* يعجّ المجتمع الجزائري بمظاهر الانحلال والبعد عن شريعة اللّه وأحكام الدين الحنيف وفي المقابل هناك صور ومشاهد تؤكّد تمسّك الجزائريين بالإسلام وتعلّقهم به، وسط هذه الصورة المعقّدة كيف تشخّص الوضع الأخلاقي للمجتمع الجزائري؟ وما أسباب الكوارث الأخلاقية في البلاد؟ وما مدى اِلتزام الجزائريين بأحكام الدين في تقديركم؟
*** المعاصي من كبائر وصغائر لا يخلو منها مجتمع مسلم، بل قد تجتمع في الرجل نفسه المعصية والطاعة والاستقامة والاعوجاج والسُنّة وبعض مظاهر البدعة، أمّا الوضع الأخلاقي العام للشباب الجزائري خاصّة فالأمر يدعو إلى الاستنفار ودقّ ناقوس الخطر وجرس الإنذار، وحال أكثر الشباب في المتوسّطات والثانويات والجامعات لا يرضي اللّه ورسوله ولا الصالحين من عباده، وهم في النّهاية ضحايا لوضع معقّد كما أشرتَ في سؤالك، ولست من هواة تبسيط النظر والتناول لمثل هذه الظواهر، لكن الأمل ما يزال قائما، ورصيد الفطرة سيبقى حيّا في نفوس كلّ عاص من المسلمين والمسلمات، والخطر ليس في المعاصي في حدّ ذاتها وإن كانت تحتاج إلى التذكير والتنبيه والوعظ والتوبة، وإنما في الاستحلال لما حرّم اللّه وفي تشوّه مفاهيم الإيمان والإسلام والبعد عن النموذج الذي حُرم أكثر المسلمين من رؤيته والعيش في ظلاله، والأسباب كثيرة تشترك فيها الأسرة والمسجد والمدرسة والإعلام وهذه هي أخطر الثغرات التي يتسلّل منها كلّ انحراف عن الحقّ وبعد عن سبيل الرشاد، والجزائريون ليسوا نمطا واحدا لنحكم على مدى اِلتزامهم بأحكام الدين، فمنهم الظالم لنفسه ومنهم المقتصد ومنهم السابق بالخيرات، وفيهم وإن كانوا قلّة ملاحدة ولائكيون يعادون الدين والمتديّنين ويصطفّون إلى كلّ ما هو عدوّ لهما ويمكرون باللّيل والنّهار لصدّ النّاس عن الحقّ ويبغونها عوجا، ومعايير الحكم تحتاج ضبطا وانضباطا فضلا عن أن مثل هذا الحكم ليس ذا فائدة كبيرة في تصحيح الأمور وإصلاح الواقع·
* ما هو علاج الأمراض الأخلاقية لأفراد مجتمعنا؟ وهل يمكن أن نتفاءل بغدٍ (أخلاقي) أفضل؟
*** لا يمكن أن تكون مُصلحا إذا فقدت الأمل في غد أفضل، ولأن أسباب ما نعيشه ونراه مركّبة ومعقّدة فتفكيكها لإصلاح الواقع وتغييره أمر مطلوب، وهو عمل مركّب ومعقّد كذلك تشترك فيه الدعوة والنصيحة وصناعة إعلام مصلح في مقابل الإعلام المفسد وتفعيل دور الأسرة وإحياء وتجديد رسالة المسجد بعيدا عن إكراهات السياسة وتحكّم الإدارة، وأن يكون للمدرسة دورها الحقيقي في التربية لا أن تكون مجرّد فضاءات للحشو والتلقين، ومسؤولية الجمعيات وعلى رأسها جمعية العلماء كبيرة جدّا أمام اللّه والتاريخ في استدراك الوضع وتصحيح الانحراف، وفي النّهاية لابد أن يجتمع السلطان والقرآن بعد أن تمّ فصل الدين عن الحياة بدءا بفصله عن السياسة، وإذا أريد للإسلام أن يعمل فلابد له أن يحكم، فكما أن الفساد والصدّ عن سبيل اللّه وإشاعة الفواحش والشهوات ترعاه دول وأنظمة وحكومات لابد للصلاح والدعوة إلى اللّه والاستقامة على نهجه والثبات عليه أن ترعاه دولة ونظام وحكومات تؤمن به حقّ الإيمان لا مجرّد شعارات أو ديباجات في المواثيق الرسمية، ويبقى الأمر بعد ذلك في حاجة إلى نقاش وتأصيل وعمل كبير جدّا تنوء به الجبال الراسيات واللّه المستعان·