الشيخ بلحاج شريفي:الإعلام أكبر مسؤول عن أزمة الأخلاق

  • PDF

* (الإسلام في الجزائر بخير)
* (أعضاء جمعية العلماء يجاهدون في سبيل إصلاح المجتمع)
* (التعليم في الجزائر يسير نحو الهاوية)

اِعتبر العلاّمة الجزائري الشيخ بلحاج شريفي عضو اللّجنة المركزية في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أن وسائل الإعلام هي المسؤول الأوّل عن المشكل الأخلاقي الكبير الواقع في بلادنا اليوم بسبب ما تبثّه من مادة إعلامية فاضحة وعبّر عن مخاوفه بشأن مستقبل التعليم الذي أصبح ينحدر نحو الهاوية سنة بعد أخرى لكن لم يمنعه هذا الوضع من التعبير عن تفاؤله خيرا بخصوص مستقبل الجزائر بفضل الرّجال الذين ما زالوا ساهرين على سلامتها

حاورته: عتيقة مغوفل

* بداية كيف يقدّم الشيخ بلحاج شريفي نفسه للقرّاء؟
*** أنا إباضي نشأت في منطقة الفرارة بولاية غرداية ثمّ ذهبت إلى تونس للحصول على تعليم حرّ لم نكن نطلب الشهادة في حدّ ذاتها وإنما عندنا روح لطلب العلم. أوّلا أستاذي الذي ربّاني هو والدي وهو من أبناء منطقة الفرارة وشيخنا جميعا الذي ربّانا هو شيخ بيّوض هو أستاذي من جهة وصهري فقد تزوّجت ربيبته ثمّ عشت معه مدّة 40 سنة أو تزيد ومن حيث التلمذة كنت كاتبه الخاص وفي السرّ في فرنسا وفي رحلاته فقد كان عضوا فاعلا حتى انتخب عضوا في المجلس الجزائري حيث رافقته حتى في مفاوضات إيفيان وعندما رحلنا إلى باريس كنت معه هناك وبقيت معه كلّ تلك الفترة قبيل الاستقلال من هنا كان فيه تجربة مع جمعية العلماء. والشيخ بيّوض كانت صورته دائما بجانب الشيخ عبد الحميد ابن باديس الشيخ الطيّب العقبي خاصّة علاقته بالشيخ الإبراهيمي فقد كانت علاقته وطيدة جدّا كانت لنا مواعيد دائما كلّ خميس في (البصائر) وكانت مادته تدرّس دائما في مادة الأدب وبما أنّي كنت مرافق الشيخ فقد صلّيت وراء الشيخ البشير الإبراهيمي في 4 جانفي 1944 أي أثناء الحرب العالمية الثانية وهي أوّل مرّة أرى فيها الشيخ البشير الإبراهيمي بعدما كنت أقرأ له في جريدة (البصائر) التي كانت على موعد مع سكّان الفرارة كلّ يوم خميس من نهاية الأسبوع فمقالات الشيخ البشير الإبراهيمي تصلح أن تكون مادة أدبية وليس مقالا فقط
* بعد الجزائر توجّهتم إلى تونس فماذا درستم هناك؟
*** لم نكن نذهب إلى تونس لنيل الشهادة كنت أذهب إلى هناك وأختار أساتذتنا مثلا في جامع الزيتونة أنا ذهبت كنت ضعيفا في اللّغة الفرنسية وكنت آخذ دروسا خاصّة فيها عند أحد الشباب إلى جانب العربية فنحن الإباضية الذين كنّا مقيمين في تونس آنذاك لم نكن نتقيّد بالبرنامج قبل أن نذهب يقال لك إذا أردت أن تعرف مادة أصول الفقه مثلا اذهب عند الشيخ ابن الزليقية فجامع الزيتونة عبارة عن سواري والشيخ يقابل السارية وحوله مجلس وهو يعمل مناداة بالنّسبة للرسميين وأنا لم أكن رسميا أجلس بجانبه في مجالس من 12 إلى 15 فردا وكنت بجانبه وعندي كرّاسي وكذلك كتاب أصول الفقه للخضري لكي أتتبّع معه لكن عندما يقوم بالمناداة أنا لم أكن مسجّلا رسميا بل حرّا. كذلك في درس البلاغة اخترت أستاذ درس التفسير كما اخترت أستاذ الشيخ الفاضل ابن عاشور ابن الشيخ الطاهر بن عاشور في عام 48 في حرب فلسطين كان يعمل سلسلة محاضرات في تونس وكنّا نحضرها بما أنني كنت تلميذا حرّا أختار من الأساتذة ما شئت
* هل مُنحت لك شهادات في تونس؟
*** بعد 5 سنوات لم تمنح لي شهادات في تونس بل تحصّلت على شهادة واحدة هي الشهادة العليا في اللّغة العربية نفعتني هنا في الجزائر لمّا جئت أخذت الكفاءة في الحقوق سنة أولى وقدّمتها بعد عامين في المعهد الإسلامي وكلّ ذلك كان سنة 1951 الذي كان بمحاذاة مسجد (كتشاوة) بالجزائر العاصمة بعد سنتين من الدراسة على اليد الشيخ ابن زكري آنذاك الذي كان أوّل من وضع نظام المدرسة أين أخذت شهادة لها نفس قيمة شهادة البكالوريا والتي تسمح لي بالدخول إلى الجامعة لكن حتى ألتحق بكُلّية الشريعة كان لابد عليَّ أن ألتحق بكُلّية الآداب فقط وكلّ شيء آنداك كان بالمسابقة لم يكن توظيف بالشهادة أوّل شهادة كي أكون أستاذا في الثانوية بشهادة الكفاءة للدراسات الإسلامية وقد كانت آنذاك 3 ثانويات في كلّ من الجزائر العاصمة قسنطينة ومعسكر يتخرّج منها أساتذة التعليم والقضاة وموظّفون أي يكون الشخص موظّفا لدى الحكومة الفرنسية. بعدها اِلتحقت بالجامعة في قسم الترجمة وعملت فيه 14 عاما وأنا كنت أدرس في قسم التعريب أي أعرب الذين يجب أن يدرسوا تخصّص علم النّفس في الجامعة لمّا جاءت العلوم الإسلامية كنت من أوائل من أنشأ على عهدي بفضل الدكتور عمّار طالبي الذي طلب منّي المساعدة كي ننشئ لأول مرّة العلوم الإسلامية في جامعة الجزائر أوّلا بدأنا في الجامعة المركزية ثمّ انتقلنا إلى الخروبة مقرّ الكُلّية الحالية في عهد الشيخ فسوم وكنت أدرس اللّسان العربي
* متى كان اِلتحاقكم بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين؟ وعلى يد من؟
*** دُعيت بعد التسعينيات وطُلب منّي أن أكون في الجمعية وكان دوري عضوا إداريا في اللّجنة المركزية أحضر في الدورات الاستثنائية فقط بحكم سنّي حيث أن الدكتور فسوم ألحّ على أن أكون معهم في جمعية العلماء المسلمين ومبادئ جمعية العلماء هي خدمة الإسلام ونشر المبادئ التي نلقى بها ربّنا لرضا اللّه ثمّ حملنا هذه الرسالة لنبلّغها لأبنائنا اليوم وحسن ظنّ الشيخ فسوم بي جعلني عضوا إداريا فيها
* بعد انقطاع لسنوات عديدة عادت الجمعية إلى النشاط بقوّة على الساحة من جديد فما تقييمكم لما تقوم به اليوم؟
*** أعترف وأشهد شهادة للّه أن الإخوان القائمين الآن على إدارة الجمعية هم مجاهدون في سبيل اللّه بحقّ وبصدق بفضل إخلاصهم لأنهم أرادوا أن يجعلوا الجزائر أمّة إسلامية بواسطة مبادئ الجمعية والجمعية عادت لخدمة الإسلام لأن الجزائر أمّة مسلمة قبل كلّ شيء
* هل تعتقدون فعلا أن جمعية علماء المسلمين اليوم قادرة فعلا على مواجهة الانحراف الأخلاقي التي باتت الجزائر تعرفه اليوم؟
*** الجمعية تجاهد في سبيل اللّه وسيبارك اللّه عملها وهذا راجع إلى إخلاص القائمين على التربية بصفة عامّة وخاصّة المدارس الخاصّة وجمعية العلماء بدأت تسترجع مكانتها لأنها كانت تحارب بجانب التعليم الفرنسي فقد أرادت لبعض المدارس الخاصّة أن تستعيد القِيَّم الإسلامية الحقيقية فنحن نقول إن الجزائر أمّة مسلمة لابد من نشر الدين الإسلامي والخلق الإسلامي في المجتمع. نحن لا نحارب التعليم العصري لكن الدين الإسلامي لابد أن يبقى مادام هناك من يقوم بالجانب الآخر هذا الجانب الديني التربوي تقوم به جمعية العلماء المسلمين وهي مهمّة شريفة وأنا أعتبرها جهادا في سبيل اللّه وأنا أقول للشباب إن فاتكم جهاد الثورة لا تتركوا جهاد الدين يفوتكم في سبيل نشر القِيَّم الإسلامية
* لو نتكلّم عن أسباب المشكل الأخلاقي في الجزائر كيف يمكن تشخيصها؟
*** الإعلام هو سبب المشكل الأخلاقي في الجزائر أقصد الإعلام الفاسد الفاسق الذي ساهم إلى حدّ كبير في شيوعه. مثلا قيسي البرامج الدينية بجانب الأفلام خاصّة الفاضحة وتصوّري أن يشاهد طفل ذلك ماذا سوف يتعلّم منها؟ وزاد من حدّة المشكل قضية الاختلاط بالخصوص والمصيبة اليوم إن لم تتربّ البنت على المبادئ الإسلامية ستنهار جميع قِيَّم المجتمع مستقبلا ومن بين أكبر المشاكل اليوم قضية العزوبة والعنوسة التي دفعت المجتمع إلى شيوع الفاحشة اليوم في مجتمعنا. ومن أخطر الظواهر اليوم تلك التي تحدث في الأحياء الجامعية فالبنت التي تأتي من ولاية بعيدة بمفردها ولا تزور أهلها مرّة في كلّ 3 أو 4 أشهر فهذا خطير وإن لم تكن البنت محصّنة دينيا فيزيد من خطورة الوضع تصل أخبار عمّا تقوم به إلى الفتيات في هذه الإقامات تقشعرّ لها أبداننا
* ما هو تعليقكم على تدنّي المستوى التعليمي وكذا فضائح بكالوريا 2015؟
*** امتحانات البكالوريا لهذه السنة كانت مهزلة ومصيبة أنا عندي حفيد اجتاز الامتحان هذه السنة ونحن فعلا متخوّفون عليه نظرا لكثرة الأخطاء والصعوبة التي كانت في بعض المواد خصوصا امتحان الرياضيات الخاص بشعبة العلوم الطبيعية والذي خرج منه الكثير من التلاميذ يبكون مذعورين بسبب صعوبته. فالمستوى أصبح ضعيفا جدّا ومتأكّد من أن النتائج ستكون هزيلة جدّا وإن أردنا الإصلاح يجب أن يبدأ أوّلا من الأساتذة هناك البعض منهم من لا يصلح أن يكون في القطاع نهائيا لننتقل فيما بعد إلى القيام بإصلاح جذري على مستوى باقي قطاع التربية والتعليم
* المشكل لا يكمن فقط في التعليم فحتى الأكل الذي يتناوله الجزائريون وخصوصا المستورد أصبح مشكوكا فيه إن كان حلالا أم لا مثل اللّحوم المجمّدة المستوردة مثلا ما تعليقكم؟
*** هذا راجع إلى مسؤولية الدولة التي أذنت لتجّار اللّحوم بأن يستوردوا مثل هذه البضائع من دول غير مسلمة لا نعرف حتى كيف تتمّ عملية الذبح فيها لذلك فالدولة هي المسؤولة عن عملية المراقبة وإن كان هناك شكّ في صحّة حلال اللّحوم أو حرامها فهي المسؤول الأوّل أمام اللّه. واللّه بلادنا تعرف الكثير من الانحرافات في الكثير من القطاعات أنا أطالع الصحف يوميا وقد تابعت محاكمة الخليفة وحتى الحكم الصادر في حقّه لكن السؤال المطروح من يقف وراء الخليفة ومن سانده في بناء إمبراطوريته الخرافية؟ فقضايا الفساد في المجتمع تزيد خطورة يوما بعد يوم ومع ذلك أنا أتفاءل خيرا وأتمنّى أن يغيّر اللّه حالنا إلى الأحسن لأنه مازال هناك رجال مخلصون ويحبّون هذا الوطن فعندما أرى المساجد مملوءة بالنّاس خلال صلاة التراويح يطمئن قلبي
* على ذكر المساجد يا شيخ أشيع أن وزير الشؤون الدينية أعطى تعليمة لخفض مكبّرات الصوت أثناء صلاة التراويح وقد كذّب الوزير هذا ما تعليقكم؟
*** صحيح وقع هذا في بعض المساجد وسمعنا عنه لكن في مسجدي هذا الذي أصلّي فيه في باب الزوّار لم يتمّ خفض مكبّرات الصوت فنحن نسمع القراءة التي تنبعث من مكبّرات صوته من أبعد الأماكن وإمامنا والحمد اللّه إنسان مثقّف يتّقي اللّه ويعرف جيّدا حجم مسؤولية الإمام والإقبال على صلاة التراويح كبير جدّا إلى درجة أن المسجد يضيق والنّاس يضطرّون إلى الصلاة خارجه وعلى رصيف الشارع والإقبال كبير من الجنسين معا ومن المظاهر الرّوحانية التي يقشعرّ لها بدني يوميا عندما أشاهد زوجا يحضران إلى المسجد ويصطحبان معهما ابنتهما الصغيرة حتى تتربىّ تربية إسلامية صحيحة
* بالحديث عن المسجد دائما هناك من أصبح يعتبر أن الخطاب المسجدي لا يؤدّي دوره ولا يساهم في إصلاح المشكل الأخلاقي الواقع في المجتمع فما ردّكم؟
*** هذا صحيح فالأئمة اليوم لا يعيشون مع قضية العصر الحديث فالدين النصيحة ولابد للأئمة أن يعالجوا كلّ المشاكل الاجتماعية. ويظهر أثر الخطاب المسجدي في سلوك النّاس وتعاملاتهم مع بعضهم فإخلاص النّاس لإمامهم واقتدائهم به يكون في سلوكاتهم اليومية التي أصبح يغيب عنها الكثير من الأدب اليوم للأسف فإن كان الخطاب مؤثّرا يجعل الإنسان يلتزم بالصلاة والأخلاق حتى بعد رمضان فمن كان يدخل قبله يقلع عن ذلك إن عرف الإمام كيف يقنع النّاس بأضرار التدخين وخطورته عليهم من الجانب الصحّي والديني أيضا كما أن الخطاب المسجدي يؤثّر في النّاس كثيرا في شهر رمضان لذلك هي فرصة للأئمة حتى يعالجوا قضايا الساعة خلال هذه الأيّام المباركة
* ذكرتم في بداية الحديث أنكم إباضيون من ولاية غرداية فهل يمكن أن تعطينا تفسيرا للأحداث التي شهدتها المنطقة خلال الفترة الأخيرة؟
*** صراحة أنا لم أعش المشكل عن قرب بحكم تواجدي في العاصمة لكن هناك أخبار وصلتنا مفادها أن هناك أيادي أجنبية خفية تريد زعزعة المنطقة وزرع الفُرقة بين أبناء المنطقة الواحدة. فنحن الإباضيون لنا علاقات مميّزة مع المالكيين في الولاية والدليل على ذلك أننا نتعايش بطريقة رائعة مع عرب طريق مسعد ومنطقة أولاد نايل وإنما هي فتنة وقانا اللّه شرّها. بالإضافة إلى ذلك قد تكون القضية قضية حسد فبنو ميزاب تجّار أغنياء وهناك من لم يحتمل ذلك من شياطين الإنس
* في الأخير ما هي كلمتكم الختامية؟
*** أريد أن أقول إن الإسلام في الجزائر بخير رغم كل المشاكل الموجودة في مجتمعنا إذا ما قارنّا حالنا مع ما يجري في تونس وفي ليبيا وفي بلدان أخرى وأنا مؤمن بما أقول فنحن اليوم في مأمن في الفتنة والربيع العربي الذي هزّ الكثير من الأقطار العربية ربّي يحفظ الجزائر من مشاكل جيرانها ومع ذلك وحتى نحافظ على قِيَّمنا واستقرارنا يجب أن نربّي النشء تربية دينية صحيحة ولا نستورد القِيَّم الغربية التي من شأنها أن تمحي قيمنا وتقضي عليها وعلى القائمين على وزارة التربية الوطنية أن يدركوا قيمة الدين الإسلامي ويجب عدم حصر ديننا الحنيف في مادة التربية الإسلامية فالإسلام يجب أن يكون في كلّ مكان فالطبيب الذي لا يكتسب تربية دينية صحيحة لا يستطيع أن يكون طبيبا مسلما عموما الجزائر رغم كلّ مشاكلها بخير وأنا مؤمن بأن مستقبلنا بخير بسبب الرّجال المخلصين الموجودين في الأمّة