"المناصفة" بين المرأة والرجل تفخّخ الدستور!

السبت, 07 يونيو 2014

مختصّون يعتبرونها مبدأ علمانيا لا يليق بدولة مسلمة
الجزائريون في انتظار خامس دستور للبلاد

ينتظر الجزائريون بفارغ الصبر للاطّلاع على الدستور الجديد الذي ستسير الدولة وفق أحكامه مستقبلا، والذي تخضع مسوَّدته للمناقشة الشهر الجاري بعد أن تمّ نشرها من ظرف رئاسة الجمهورية بتاريخ 16 ماي الفارط، وقد لقي مشروع التعديل الدستوري انتقادات حادّة من جانب المعارضة التي فضّل بعضها مقاطعة المشاورات، في حين طالب آخرون بإلغاء بعض التعديلات، لا سيّما تلك المتعلّقة بمبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة، وهو المبدأ الذي يمكن القول إنه (فخّخ) مسوَّدة الدستور المرتقب باعتباره مبدأ علمانيا وفق ما يراه مختصّون ويبدو بحاجة إلى مراجعة واستدراك، شأنه شأن قضايا أخرى يتقدّمها السماح لأبناء الحركى بالترشّح لمنصب رئيس الجمهورية، وهي القضية التي سبق لها إسالة كثير من الحبر·
يؤمن الجزائريون بمبدأ العدالة بين الرجل والمرأة، وفق ما تنصّ عليه نصوص الشريعة الإسلامية، بينما تلحّ جهات تغريبية علمانية على ضرورة إدراج ما تسمّيه مبدأ المناصفة بين المرأة والرجل بدعوى أنه مبدأ يضمن المساواة بين الجنسين، والمساواة بين الرجل والمرأة بدعة غربية غير سوية في نظر كثير من علماء الدين الإسلامي الذين يرون أن الرجل والمرأة يتكاملان ولكلّ منها خصوصياته التي تفرض عليه واجبات معيّنة، وبالتالي لا يمكن الدعوة إلى المساواة المطلقة بين الجنسين والمنطقي هو المطالبة بالعدالة بينهما، وهي العدالة التي تضمن لكلّ منهما حقوقه بعيدا عمّا يسمّى بالمناصفة··

4 دساتير و5 تعديلات جزئية منذ الاستقلال
تأتي التعديلات المرتقبة لتكوّن الدستور الجديد للجزائر ليكون خامس دستور تسنّه الدولة منذ الاستقلال بعد أن مرّت البلاد بأربعة دساتير رافقتها بعض التعديلات الجزئية في عهد الرئيس الرّاحل الشاذلي بن جديد وعهد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة·
عرفت البلاد منذ الاستقلال أربعة دساتير وخمسة تعديلات جزئية، فيما تجري المشاورات هذا الشهر من أجل صياغة دستور خامس قد يكون توافقيا كما تسعى إليه النخبة السياسية· وكان دستور 1963 أوّل دستور للجزائر المستقلّة، حيث وضع بعد نيل الاستقلال بعام واحد فقط وأهمّ ما مميّزه أنه كرّس نظام الحكم الرئاسي وحكم الحزب الواحد وهو حزب جبهة التحرير الوطني في عهد رئيس الجمهورية أحمد بن بلّة 1963 - 1965، تلاه دستور 1976 المنبثق عن الميثاق الوطني، حيث تمّ الوفاق على الميثاق في جوان 1976 عن طريق استفتاء عام كمصدر سياسي إيديولوجي للدولة الجزائرية وتمّ فيه التأكيد على النّظام الاشتراكي كنظام اقتصادي في عهد رئيس الجمهورية هوّاري بومدين 1965 ــ 1979، ليكون بعد ذلك دستور 1989 الذي أسّس ولأوّل مرّة للانفتاح السياسي والإعلامي وحرّية التجارة والصناعة في الجزائر وذلك بعد ثورة شعبية نهاية 1988 طالبت بإنهاء حكم الحزب الواحد في عهد رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد 1979  - 1991، أمّا رابع دستور فقد كان دستور 1996 تمّ بموجبه استحداث مجلس الأمّة كغرفة ثانية للبرلمان وإضافة شروط إقصائية لتأسيس الأحزاب وعدم تجديد العهدة الرئاسية أكثر من مرّة ليكون للرئيس حقّ الترشّح لفترة إضافية واحدة وجاء بعد أزمة أمنية نتجت عن صدام بين النّظام وحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المعارض مطلع تسعينيات القرن الماضي بعد إلغاء الانتخابات البرلمانية لعام 1991 التي فاز بها الحزب في عهد رئيس الجمهورية اليامين زروال 1995 - 1999·
هذا، وقد عرفت الجزائر أيضا خمسة تعديلات جزئية في الدستور، حيث كان التعديل الأوّل عن طريق المجلس الشعبي الوطني وصدر في 7 جويلية 1979· واحتوى التعديل على أربعة عشر مادة تختصّ برئيس الجمهورية وصلاحياته في عهد رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد 1979 - 1991، تلاه تعديل آخر عن طريق المجلس الشعبي الوطني أيضا صدر في 12 جانفي 1980 واحتوى على مادتين، وقد استحدث بموجب هذا التعديل مجلس للمحاسبة المالية يختصّ برقابة التسيير المالي لمصالح الدولة والهيئات الحكومية، وجاء تعديل ثالث في 3 نوفمبر 1988عن طريق استفتاء شعبي خاصّ باستحداث منصب رئيس الحكومة وصلاحياته· وكان رابع تعديل في الدستور الجزائري عن طريق البرلمان في 2001 تمّ فيه ترسيم الأمازيغية كلغة وطنية بعد مظاهرات شعبية لسكان منطقة القبائل للمطالبة باعتماد لغتهم رسميا خلال أوّل عهدة لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، أمّا التعديل الرّابع فقد جاء عام 2008 عن طريق البرلمان أيضا، حيث تمّ خلاله فتح الولاية الرئاسية للسّماح للرئيس بوتفليقة بالترشّح لولاية ثالثة، كما استبدل منصب رئيس الحكومة بمنصب الوزير الأوّل والإتاحة لرئيس الجمهورية تفويض بعض صلاحياته للوزير الأوّل· وفي أفريل 2013 تمّ تنصيب لجنة من خبراء قانونيين لصياغة دستور جديد للبلاد بعد حزمة إصلاحات أطلقها الرئيس بوتفليقة مطلع العام 2011 لمواجهة أثار الثورات التي سادت بعض البلدان العربية، والتي عرفت باسم ثورات الربيع العربي·

تحديد العُهدات الرئاسية والمناصفة تثير الجدل
لعلّ أهمّ ما يلفت الانتباه لدى مطالعة مسوَّدة التعديل الدستوري هو العودة إلى نظام تحديد العُهدة الرئاسية والسّماح بتجديدها مرّة واحدة فقط، إلى جانب مبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة، والذي أثار جدلا كبيرا في الأوساط السياسية، لا سيّما وأن وثيقة التعديل لم تبيّن حقّا مواطن المناصفة بين الجنسين، بل أبقت الباب مفتوحا على مصرعيه· فهل سيكون مبدأ المناصفة بمثابة القنبلة التي ستنسف قانون الأسرة والكثير من الأحكام الشرعية؟ وقد ركّزت وثيقة التعديل الدستوري أيضا على سبل مكافحة الفساد وضمان بعض الحقوق المشروعة للمواطن كحرّية التظاهر وحرّية التعبير وممارسة الشعائر الدينية وحرّية الصحافة·

محاربة الفساد في مقدّمة المقترحات
يبدو أن محاربة الفساد في البلاد قد أخذ حيّزا كبيرا ضمن اقتراحات التعديل الدستوري لسنة 2014، حيث شمل مشروع تعديل الدستور المطروح للمناقشة عددا لا بأس به من التعديلات التي تعلّقت في مجملها بأحكام ردعية ضد شتى أنواع الفساد التي صارت متفشّية في المجتمع· إذ تشير المادة 3 التي تعدل المادة 8 من الدستور إلى (حماية الاقتصاد الوطني من أيّ شكل من أشكال التلاعب، أو الاختلاس، أو الرشوة، أو التجارة غير المشروعة والتعسّف، أو الاستحواذ، أو المصادرة غير المشروعة)، حيث تمّ الإشارة إلى بعض أشكال الفساد الذي غفل عنه الدستور الحالي وهي الرشوة والتجارة غير المشروعة والتعسّف· كما نصّت المادة 4 التي تعدّل المادة 21 من الدستور إلى بعض الأحكام الرّدعية المتمثّلة في مصادرة (كلّ ملك يكتسب عن طريق الرشوة مهما كانت طبيعته طبقا للقانون) إلى جانب إلزام (كلّ شخص يعيّن لشغل وظيفة سامية في الدولة أو ينتخب في مجلس محلّي أو ينتخب أو يعيّن في مجلس أو مؤسّسة وطنيين) بالتصريح (بممتلكاته في بداية ونهاية وظيفته أو عهدته)، هذا بالإضافة إلى معاقبة القانون لأيّ (مساس بعدم تحيّز الإدارة) في وقت يكتفي فيه الدستور الحالي بضمان القانون لعدم تحيّز الإدارة، وهو التعديل الذي تشير إليه المادة 5 التي تعدّل المادة 23 من الدستور· إلى جانب ذلك أشارت المادة 18 التي تعدّل المادة 64 من الدستور إلى أن (كلّ فعل مسعاه التحايل على مساواة المواطنين أمام الضريبة يعدّ مساسا بمصالح المجموعة الوطنية، ويعاقب عليه القانون)·

حرّية التعبير والتظاهر حقّ مضمون
إلى جانب ذلك اهتمّت التعديلات الدستورية المقترحة أيضا بجانب الحرّيات، حيث تطرّقت إلى حرّية ممارسة الشعائر الدينية التي يضمنها التعديل الوارد في المادة 7 التي تنصّ على تعديل المادة 36 من الدستور، وينصّ هذه التعديل على ضمان (حرّية ممارسة الشعائر الدينية في نطاق احترام القانون)· كما تطرّقت وثيقة التعديلات إلى حرّية التعبير وحرّية التجمّع والتظاهر سلميا من خلال المادة 8 التي تعدّل المادة 41 من الدستور، وإضافة مادة 14 مكرّر تنصّ على ضمان حرّية الصحافة، حيث جاء نصّ المادة كما يلي: (حرّية الصحافة مضمونة، وغيـر مقيّدة بأيّ شكل من أشكال الرقابة الرّدعية المسبقة، لا يمكن استغلال هذه الحرّية للمساس بكرامة الغير وحرّياتهم وحقوقهم، يحدّد قانون عضوي كيفيات ممارسة هذه الحرّيات)، وهو ما نصّت عليه المادة 9 من وثيقة التعديلات المقترحة·

المرأة في صميم التعديلات ومبدأ المناصفة يثير الجدل
هذا، وقد أولت وثيقة مشروع التعديل الدستوري أيضا المجتمع والمرأة على وجه الخصوص اهتماما كبيرا، حيث نصّت المادة 6 التي تعدّل المادة 31 مكرّر على عمل الدولة من أجل (تجسيد المناصفة بين الرجل والمرأة كغاية قصوى وكعامل لتحقيق ترقية المرأة وازدهار الأسرة وتلاحم المجتمع وتطوّره)، وهو ما أثار جدلا كبيرا في الأوساط السياسية، لا سيّما وأن تطبيق مبدأ المناصفة دون تقييده بالمجالس المنتخبة قد يعصف بقانون الأسرة وينسف الكثير من الأحكام الشرعية كالأحكام المتعلّقة بالإرث ـ مثلا ـ وهو ما سيخلق مشكلا عويصا في الأوساط الاجتماعية· كما تمّت إضافة مادة جديدة 45 مكرّر نصّت على ضمان (الحقّ في محاكمة منصفة)، هذا إلى جانب بعص الأحكام القانونية التي تكفل حقّ المواطن في المعاملة المحترمة من طرف أجهزة الأمن، حيث تنصّ المادة 13 المعدّلة للمادة 47 من الدستور على ألا (يحجز أو يحبس أحد في أماكن لا ينصّ عليها القانون)، إلى جانب إلزامية (الفحص الطبّي للقصّر) وهو ما تنصّ علية المادة 14 التي تعدّل المادة 48 من الدستور· كما مسّت التعديلات شريحة الطفولة المشرّدة وذوي الاحتياجات الخاصّة والمُسنّين من خلال المادة 6 التي تعدّل المادة 58 من الدستور، حيث جاء نصّ التعديل كالتالي: (تحمي الدولة الأطفال المشرّدين وتسعف المعوّقين والمسنّين بلا دخل، يحدّد القانون شروط وكيفيات تطبيق هذه المادة)·

التعديل الدستوري يلغي الولاية الرئاسية المفتوحة
ما يلاحظ في التعديلات الدستورية المطروحة للنقاش أيضا العودة إلى نظام العهدتين الرئاسيتين ووضع حدّ للولاية الرئاسية المفتوحة التي أقرّها التعديل الدستوري الجزئي الذي أجري عام 2008 عن طريق البرلمان من أجل السّماح للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالترشّح لعهدة رئاسية ثالثة، تلتها ترشّحه لعهدة رئاسية رابعة· وجاء نصّ هذا التعديل في المادة 20 التي تعدّل المادة 74 من الدستور كما يلي: (مدّة العهدة الرئاسية خمس سنوات، يمكن تجديد انتخاب رئيس الجمهورية مـرّة واحدة)· هذا، وقد شمل مشروع التعديل الدستوري من الجانب السياسي مجموعة من الأحكام القانونية الخاصّة بعمل البرلمان والمجلس الدستوري، إلى جانب إضافة بعض الشروط التي يجب أن تتوفّر في المترشّح لمنصب رئاسة الجمهورية وإلغاء إمكانية انسحابه إلاّ في حالات خاصّة حدّدها نصّ التعديل وهو ما نصّت عليه المادة 24 التي تعدّل المادة 89 من الدستور، حيث جاء نصّ التعديل كالآتي: (عندما يودع المترشّح لانتخاب رئيس الجمهورية ملف ترشّحه لدى المجلس الدستوري لا يمكنه أن ينسحب إلاّ في حال وفاته أو حصول مانع قانوني له يثبته المجلس الدستوري قانونا)·
====

في حين فضّل البعض مقاطعة المشاورات
المعارضة تنتقد مشروع التعديل

انتقدت الأحزاب المعارضة مشروع التعديل الدستوري، موضّحة أنه غير جادّ ويحمل بعض الأحكام المنافية للشريعة الإسلامية، حيث رأى حزب التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية أن مشروع التعديل لم يطرح مسائل جادّة·
أكّد رئيس الحزب محسن بلعباس في كلمة له خلال أشغال الدورة السابعة للمجلس الوطني للحزب أن مسوَّدة الدستور الموجّهة للأحزاب تؤكّد (عدم جدّية النهج المتّبع وهشاشة التعديلات المقترحة)، وأن المشروع (لم يعالج المشاكل الأساسية المعلّقة ولم يتطرّق بتاتا إلى صلب الموضوع)· كما ذكر بلعباس في كلمته التي نشرها على الموقع التلكتروني للحزب أن قرار إجراء مشاورات على تعديل الدستور وفق المسوَّدة المطروحة (لاقى رفضا صارخا من قِبل المعارضة والقوى الحيّة من المجتمع الجزائري)، معيبا على مهندسي المسوَّدة (تجاهل العديد من المسائل المهمّة، منها التقسيم الإداري وترسيم اللّغة الأمازيغية، وكذا تنظيم المؤسسات والحكم على أساس الفصل بين السلطات، بالإضافة إلى الإصلاح المؤسساتي)·
من جانبه، أكّد عبد المجيد مناصرة رئيس جبهة التغيير أن (الجزائريين في حاجة إلى دستور يخضع للحوار دون وصاية ولا إقصاء)، وجدّد رفضه لمبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة، مفرّقا بين مبدأ المناصفة في المجال السياسي وفي الأسرة، (فالأوّل مقبول أمّا الثاني [قانون الأسرة] فهو مخالف للشريعة الإسلامية ويرفضه الشعب، لهذا وجب التنصيص على مبدأ المناصفة في المجالس المنتخبة وإلاّ لن يحصل توافق في مثل هذه النقاط لأنها تهزّ التوافق من أركانه وتنقضه)· هذا، وقد أعربت جبهة العدالة والتنمية عن رفضها للمشاركة في مناقشة مسوَّدة التعديل الدستوري، حيث صرّح لخضر بن خلاف عضو المكتب الوطني والنائب البرلماني لجبهة العدالة والتنمية بأن الحزب قرّر مقاطعة الدعوة الموجّهة إليه لمناقشة مسوَّدة التعديل الدستوري، وقال في تصريح لأجهزة الإعلام إن حزبه لا يمكنه المشاركة في مناقشة مسوَّدة الدستور الجديد إلاّ بشروط، أوّلها فتح حوار جادّ وشفّاف مع الطبقة السياسية وبخاصّة المعارضة· كما أوضح النائب البرلماني أن وثيقة التعديل الدستوري تتكلّم عن تعديل جزئي وليس تعديلا شاملا وعميقا وجوهريا ويمسّ كلّ الأبواب ليصحّح الخلل الذي أوقعته التعديلات الجزئية السابقة التي جرت في 2002 و2008، واصفا التعديل الذي سيحدث على الدستور وفق المشروع المطروح بدستور مرحلة يساعد في حلّ بعض المشاكل الجزئية مثل ملف العُهدة الرّابعة الذي طرح للنقاش في 2008، كما أكّد أن مسوَّدة الدستور الجديد لم تحدّد طبيعة النّظام إذا كان رئاسيا أو شبه رئاسي أو برلمانيا، وإذا ما كان رئيس الجمهورية قد يتخلّى عن بعض الصلاحيات للوزير الأوّل، موضّحا أن واضعي هذه المسوَّدة يريدون إصلاح ما أفسدوه في 2008 بغلق العُهدة الرئاسية، وأشار بن خلاف إلى أن المسوَّدة أوّلية ويمكن إجراء تعديلات عليها، لأن الأحزاب ـ كما قال ـ سئمت من التجارب الفاشلة·

إعداد: آسية مجوري