عندما تتحوّل المدارس إلى بؤر فساد!

  • PDF

ـ ميوعة وانحلال غير مسبوق في تاريخ المدرسة الجزائرية
تشهد المدرسة الجزائرية منذ سنوات مستوى من الميوعة والانحلال غير مسبوق في تاريخ المنظومة التربوية الجزائرية منذ الاستقلال، مع تدنّي ملحوظ في المستوى الأخلاقي للتلميذ وللأستاذ أيضا في بعض الأحيان، مع انتشار ملفت لظاهرة العنف وارتفاع كبير لمعدلات الجريمة، إضافة إلى انتشار ظاهرة ترويج وتعاطي المخدّرات داخل مراحيض وساحات بعض المدارس التي يفترض أن تكون مؤسسات للتربية لا لتخريج المنحرفين والمجرمين وترويج المخدّرات والأفكار الشاذّة·
يبدو أن المدرسة الجزائرية تحوّلت إلى أوكار للفساد والمفسدين، بكلّ المقاييس، وساحات للجريمة بمختلف أنواعها، في وقت عجز فيه 16 وزيرا تداولوا على الوزارة منذ الاستقلال عن إنقاذ القطاع التربوي وتقوية مستوى التعليم فيه· وإذا كان الوزراء الأوائل الذين تسلّموا القطاع في الأوضاع الصعبة غداة الاستقلال معذورين، حيث تحدّوا الواقع فاجتهدوا في خلق منظومة تربوية جزائرية بالإمكانيات المتاحة، إلاّ أنهم ومع ذلك يتحمّلون جزءا من المسؤولية في إنشاء جيل بلا هوية يفتخر بفرنسا وبلغتها الفرنسية أكثر من افتخاره بأبويه· ونظرا لما تعيشه المدرسة الجزائرية من مظاهر فساد وضعف في الأداء ارتأت (أخبار اليوم) تقديم ملف مفصّل حول المنظومة التربوية في الجزائر انطلاقا من تأسيسها غداة الاستقلال، مرورا بالمشاكل التي تتخبّط فيها، لا سيّما في السنوات الأخيرة وانتهاء برأي المتتبّعين والمختصّين في المجال التربوي، وقد اخترنا أن يكون الملف من جزءين سنحاول من خلال جزئه الأوّل عرض تاريخ المدرسة الجزائرية بصفة موجزة وبعض مظاهر الانحراف التي باتت تميّز المدرسة بكافّة أطوارها، أمّا عن الجزء الثاني فسيكون عبارة عن حوار مطوّل مع أحد أعمدة المدرسة الجزائرية وهو الأستاذ عبد القادر فوضيل أحد مؤسسي المدرسة الأساسية، حيث يتحدّث إلينا فيه الأستاذ عن المدرسة الجزائرية بنظرة تقييمية، مبرزا إنجازاتها وسلبيات منهاجها وطرق تسييرها·

ولادة عسيرة من رحم التحدّي
تسلّمت الجزائر منذ سبتمبر 1962 نظاما تعليميا مهيكلا حسب الغايات والأهداف التي رسمها له النّظام الاستعماري الفرنسي في ظروف صعبة جدّا، لا سيّما وأن نسبة الأمِّيّة في المجتمع كانت يومها تقدّر بـ 85 بالمائة وعدد التلاميذ الذين يزاولون الدراسة في السنة الدراسية 1961 - 1962 بلغ 353358 تلميذا، من بينهم عدد ضئيل من الإناث، ليقفز عدد التلاميذ المسجّلين مطلع العام الدراسي 1962 - 1963 إلى حوالي 777636، من بينهم عدد لا بأس به من الإناث، وهو ما يمثّل أكثر من ضعف عدد المتمدرسين قبل سنة من الاستقلال·
لذلك واجهت الجزائر -الدولة الفتية- آنذاك صعوبات جمّة في استيعاب هذه الزيادة الكبيرة في عدد التلاميذ، خاصّة وأن عدد المعلمين آنذاك لم يفق 2206 معلّم جزائري يضاف إليهم حوالي 1000 معلّم من أصل فرنسي، في حين احتاج ذلك الدخول المدرسي الاستثنائي حسب التقديرات إلى ما يعادل 20 ألف أستاذ على أقل تقدير، الأمر الذي دفع الجزائر إلى الاستعانة بكلّ من يملك مستوى مقبولا في التعليم باللّغة العربية والفرنسية من خلال التوظيف المباشر إلى جانب اللّجوء إلى بعض الدول المجاورة والشقيقة لإمدادها بمعلّمين لتغطية النقص الفادح الذي واجهته واستطاعت بذلك تجنيد 6695 معلّم جزائري أغلبهم بمستويات متوسّطة إلى جانب 7691 معلّم فرنسي وما بين 2000 إلى 2500 معلّم من مختلف الدول العربية، فكان بذلك انطلاق أوّل موسم دراسي في الجزائر المستقلّة· وتعدّ أمرية 76 التي أنشئت بإصدار الأمر رقم 35-76 المؤرّخ في 16 أفريل 1976، نقطة محورية في تحوّل المنظومة التربوية الجزائرية من الفوضى الاستعمارية المقصودة الموروثة عن الاستعمار إلى محاولة التأسيس لمدرسة جزائرية، حيث أدخل نظام جديد للتعليم والتكوين قيد التنفيذ ارتكز على مجّانية التعليم وإجباريته وقام على أصالة المنظومة التربوية في مضامينها وإطاراتها وبرامجها مع أعلى العلوم والتكنولوجيا· ومنح هذا الأمر الذي يعدّ بمثابة أوّل مرجعية تشريعية للسياسة التربوية الجزائرية الحقّ في التعليم والتكوين لكلّ جزائري وجزائرية، كما رافق صدوره تنصيب المدرسة الأساسية سنة بعد سنة إلى غاية تعميم تطبيقها في السنة الدراسية 1988 - 1989· وقد عرفت الجزائر بعد ذلك المرحلة الممتدّة ما بين 1990 إلى غاية 2002 تجارب جديدة كان لها الأثر البالغ على مسار المنظومة التربوية الجزائرية، حيث تمّ تنصيب لأوّل مرّة جذوع مشتركة في السنة الأولى ثانوي وإدراج اللّغة الإنجليزية كلغة أجنبية أولى في مرحلة التعليم الأساسي واللّغة الفرنسية كلغة أجنبية ثانية، كما صاحب هذه المرحلة تخفيف محتويات برامج التعليم الأساسي والتعليم الثانوي·
أمّا في سنة 2003 فقد عمدت الوزارة الوصية إلى تطبيق الإصلاح البيداغوجي على أساس مناهج مبنية على الكفاءات عوض المضامين واعتمادا على كتب مدرسية ملائمة لبيداغوجيا الكفاءات، وأصبح القطاع يولي أهمّية بالغة لتكوين المعلّمين والأساتذة أثناء الخدمة والوصول بهم إلى المستوى الجامعي، غير أن هذه الإصلاحات الأخيرة التي عرفها القطاع على مستوى كافّة المراحل التعليمية خاصّة الابتدائية منها طرحت جدلا واسعا في أوساط المختصّين والمثقّفين، ليعلّق البعض بالقول إن المدرسة الجزائرية تحوّلت إلى حقل تجارب مفتوح وتلاميذها فئران يختبر فيهم ما بات يسمّى بالإصلاح· هذا الإصلاح الذي كلّما طُرح اقتصر على جدلية اللّغة والصراع بين العربية والفرنسية: أيُّهما أهمّ؟ وأيّهما أولى؟ وما مكانة الفرنسية؟ ولماذا تأخّرت العربية؟ غير أنه وفي الواقع لم تعد مشكلة المدرسة الجزائرية مقتصرة على البرامج أو المناهج التعليمية، بل تعدّت ذلك بكثير لتطرح مشاكل أكثر عمقا أهمّها تخريج جيل من الشباب لا لون له ولا خصوصية نتيجة إهمالها لجانب الهوية في المقرّرات الدراسية ما عدا بعض الإشارات التي يتمّ التطرّق إليها كمادة تاريخية، هذا إلى جانب الانتشار الملفت لظاهرة العنف المدرسي التي يكون ضحيته التلميذ حينا والأستاذ أحيانا، بالإضافة إلى الارتفاع الكبير في معدلات الجريمة داخل المؤسسات التربوية وتفشّي ظواهر لم نألفها حقيقة في المدارس الجزائرية قبل بضع سنوات·

العنف ظاهرة تغزو المدارس الجزائرية
ظاهرة العنف هي الأخرى عرفت تغلغلا كبيرا وانتشارا واسعا في الوسط المدرسي، وهو ما أرجعه مختصّون إلى أسباب نفسية لدى التلميذ نتجت عن عوامل اجتماعية تعود إلى التنشئة الاجتماعية والمشاكل الأسرية والمؤثّرات التي يتعرّض لها الطفل خلال حياته، سواء داخل المجتمع الضيّق الذي تمثّله الأسرة أو في الوسط الاجتماعي الذي يحتكّ به خلال مراحل نشأته·
تعرف ظاهرة العنف المدرسي، لا سيّما في السنوات الأخيرة تناميا رهيبا، وهو ما أكّدته الكثير من الإحصائيات حول الظاهرة، حيث بلغت حوادث العنف المدرسي حوالي 25 ألف حالة خلال سنة 2011· وأفادت دراسة قامت بها وزارة التربية الوطنية في نفس السنة بتعدّد أشكال العنف المدرسي وتأثّر المؤسسات التربوية بالمحيط الاجتماعي وبالظواهر الإجرامية التي انتشرت بشكل غير مسبوق في الجزائر· وقد كشفت نتائج دراسة حول ظاهرة العنف في الوسط المدرسي أن فئة التلاميذ خاصّة البنات هم أكثر عرضة للعنف في المجتمع المدرسي، يليها الذكور ثمّ فئة الأساتذة، وقد تمّ تسجيل أكثر من 1448 حالة عنف جسدي ولفظي خلال السنة الماضية ضد المتمدرسين· واعتبرت الدراسة أن العنف يرجع إلى أسباب عدّة أهمّها النفسية، ثمّ إلى جانب تدنّي الدخل والأسباب الأسرية وانعدام الصرامة الأبوية وتأثّر المتمدرسين بوسائل الإعلام والأنترنت· وأوضحت الدراسة التي أعدّتها مديرية التعليم الثانوي بوزارة التربية الوطنية خلال العام الدراسي 2012 - 2013 أن فئة التلاميذ هم الأكثر عرضة للعنف في الوسط المدرسي بنسبة 52.18 بالمائة، تليها فئة الأساتذة بنسبة 23.58 بالمائة·
أمّا فيما يتعلّق بأنواع العنف فتشير الدراسة إلى أن العنف اللفظي هو السائد عند أغلبية المعنيين، إذ يبلغ عند التلاميذ الذين تعرّضوا لهذا النّوع من العنف 16.72 بالمائة، وهو ما يمثّل حوالي 1048 حالة· أمّا العنف الجسدي فتشير الدراسة إلى أنه يمثّل عند التلاميذ 2.67 بالمائة، وهو ما يوازي قرابة 400 حالة· كما تشير ذات الدراسة إلى أن فئة التلاميذ الأكثر تعرّضا للعنف هم الإناث، إذ بلغت نسبتهم 58.19 بالمائة، تليها فئة التلاميذ الذكور بنسبة 41.81 بالمائة، وأكّدت النتائج أن حالات العنف في ارتفاع مستمرّ، إذ بلغت 1448 حالة في السنة الماضية· أمّا بالنّسبة للطاقم التربوي والإداري فقد كشفت الدراسة أن حالات العنف في هذه الفئة كثيرة جدّا، حيث أن 54.39 بالمائة من الأساتذة والمعلّمين يمارسون العنف ضد بعضهم البعض، يليهم الإداريون الذين بلغت نسبتهم 10,5 بالمائة·
من جانب آخر، أشارت تقارير أمنية نشرت في الكثير من الصحف والمواقع الالكترونية إلى أنه تمّ خلال السنة الماضية معالجة أكثر من 100 حالة عنف في الوسط المدرسي، حيث أوضح تقرير أمني أن مصالح الشرطة عالجت 159 حالة عنف في الوسط المدرسي على المستوى الوطني خلال سنة 2013، وأضاف ذات التقرير أن التلاميذ هم أوّل ضحايا العنف المدرسي بعد تسجيل حوالي 146 حالة عنف ضد هذه الشريحة خلال نفس السنة· كما سجّلت مصالح الشرطة 8 ضحايا لظاهرة العنف المدرسي بين الأساتذة و3 ضحايا مدراء المؤسسات، بالإضافة إلى مراقبين في المؤسسات التعليمية· وكشف ذات التقرير أن عدد المتورّطين في قضايا العنف المدرسي خلال نفس الفترة بلغ 183 متورّط، منهم 58 تلميذا و58 أستاذا إلى جانب 15 مدير مؤسسة تربوية، وتراوحت هذه الاعتداءات بين اعتداءات لفظية وجسدية وحالات منعزلة ومحدودة، والتي تتمثّل في اعتداءات أخرى ارتكبت ما بين التلاميذ أو ما بينهم وبين الأساتذة·
هذا، وكانت وزارة التربية الوطنية قد قدّمت في وقت سابق بعض الإحصائيات التي تخص ظاهرة العنف المدرسي خلال الموسم الدراسي 2010 ـ 2011، حيث شهد الموسم 3543 حالة عنف بين تلاميذ الابتدائي وأكثر من 13 ألف حالة عنف في الطور المتوسّط وأكثر من ثلاثة آلاف حالة في التعليم الثانوي· وكشفت الإحصائيات خلال نفس السنة الدراسية عن وجود 201 حالة عنف من قِبل تلاميذ الابتدائي ضد المعلّمين والفريق التربوي و2899 حالة عنف في المتوسّط ضد الأساتذة، فيما تعرّض 1455 أستاذ للعنف من قِبل طلبة الثانوي· ولاحظت الدراسة أن العنف في الاتجاه المعاكس، أي من قِبل الأساتذة ضد التلاميذ محدود، إذ تمّ تسجيل 1942 حالة عنف ضد التلاميذ في الأطوار الثلاثة، وكشفت عن تسجيل 521 حالة عنف بين الأساتذة أنفسهم· وبالرغم من أن الجزائر أصدرت قانونا يمنع العنف المدرسي بكافّة أشكاله وهو قانون 2008 الذي نصّ على احترام التلاميذ لمدرّسهم ومنع العقاب الجسدي من أيّ طرف كان بهدف الحفاظ على مصالح كلّ عضو في المدرسة وعمل التربية على المواطنة وترقية الحسّ المدني من خلال البرامج المقدّمة كبرامج التربية الخلقية، التربية الإسلامية، الاجتماعية وحقوق الطفل، المرأة، التسامح وتنظيم مسابقات ذات صلة بالموضوع، إلاّ أن ظاهرة العنف لم تغب عن المؤسسات التربوية، بل تزداد معدلاتها ارتفاعا سنة بعد سنة·

مدارس تتحوّل إلى ساحات جريمة
تشهد المدارس الجزائرية من جهة أخرى انتشارا واسعا لشتى أنواع الجريمة، حيث لم تسلم المدارس والمؤسسات التربوية، لا سيّما في السنوات الأخيرة من مظاهر الفساد الأخلاقي التي طغت عليها وانحرفت بها عن أهدافها الأساسية التي أُنشئت من أجلها، لتتحوّل هذه المؤسسات إلى منابع لإنتاج الفساد ومواقع جيّدة لممارسته، بل ومعاهد لتخريج المنحرفين·
حيث تحوّلت المؤسسات التربوية من فضاء تربوي وتعليمي إلى مكان للسرقة والمتاجرة بمختلف أنواع السموم، وفيها يتحوّ المراهقون بعد فترة إلى أرقام إضافية في معادلة الجريمة المنظّمة· وقد أظهرت نتائج دراسة تحليلية حول أكثر الجرائم اقترافا أن الفئة التي تركت المدرسة في سنّ مبكّرة أكثر عرضة للمتابعات القضائية وارتكاب الجرائم بمختلف أنواعها، وأكّدت ذات الدراسة أن 59.6 بالمائة من المتورّطين في الجرائم بمختلف أنواعها مثل السرقة، العنف، المخدّرات وحتى القتل ذوو مستوى دراسي متوسّط، أي في الطور الثاني، تليهم فئة ذوي المستوى الابتدائي ثمّ الجامعي، وهو ما يثبت أن المستوى التعليمي للفرد يساعده في تجنّب ارتكاب مختلف الجرائم· فالأشخاص الذين يتركون الدراسة في سنّ مبكّرة يجدون فراغا في محيطهم قبل وصولهم إلى سنّ الرشد، وفي ظلّ غياب الرقابة الأسرية وبيئة اجتماعية غير ملائمة يتحوّلون إلى محترفي إجرام· ومن بين مظاهر الانحراف التي عرفت انتشارا واسعا في الوسط المدرسي، لا سيّما في المستوى المتوسّط والثانوي ظاهرة تعاطي وترويج المخدّرات في الأوساط الطلاّبية، وقد أثبتت إحصائيات نشرت في وقت سابق في هذا الصدد أن عدد التلامذة المدمنين على المخدّرات في الجزائر العاصمة فقط بلغ 2073 طفل خلال السنة الماضية·
كما أثبتت بعض التقارير أن ظاهرة ترويج المخدّرات في المؤسسات التربوية استفحلت خلال السنوات الأخيرة، حيث يتمّ توزيعها على شكل حلويات وسط غفلة المسؤولين والأولياء· حيث يؤكّد متتبّعون أن مروّجي المخدّرات اعتمدوا في البداية على حلويات (تيك تاك) وهي عبارة عن علبة صغيرة تحتوي على أقراص حلويات تباع بثمن عشرين دينارا، حيث عمدت عصابات المتاجرة بالمخدّرات إلى استغلال هذه العلب وتعويضها بحبوب مخدّرة حلوة المذاق توزّعها على التلاميذ عن طريق زملاء لهم· فيما أفادت تقارير أمنية بوجود فتيات قصّر لا يتعدّى سنّهنّ 15 سنة يتمّ استغلالهنّ مع بداية الموسم الدراسي الجديد في ترويج المخدّرات داخل المؤسسات التعليمية من طرف مدمنين من خارج المؤسسات التربوية، سواء مقابل حصولهنّ على مبالغ مالية بسيطة أو عن طريق التهديد بفضحهنّ أمام أهاليهنّ باستغلال الأخطاء التي استدرجن سابقا لارتكابها، لتكون هذه الفئة فيما بعد الطعم الذي يحقّق في النّهاية صيدا ثمينا بين تلاميذ المدارس، طبعا لتستأنف أخريات ممّن خبرن التجربة وألفن هذا الميدان عملية الترويج بين طالبات ساذجات يتمّ إقناعهنّ بأن هذه الحبوب تساعد على التركيز وتنشيط المشاعر العاطفية·
هذا، ويعدّ الإدمان على المخدّرات داخل المؤسسات التربوية من أكثر أسباب الرسوب المدرسي، حيث يتحوّل اهتمام التلميذ المدمن بالكامل ليصبح همّه الوحيد ربح المال مهما كانت الوسيلة لشراء المواد المخدّرة· وظاهرة ترويج المخدّرات وتعاطيها في الحقيقة ليست الظاهرة الوحيدة التي اقتحمت المؤسسات التربوية وعرفت معدلاتها ارتفاعا ملفتا خلال سنوات قليلة، حيث يلاحظ وبشكل جلي انتشار ظاهرة السرقة وحمل السلاح الأبيض وتكوين جماعات أشرار بين فئات المراهقين والقصّر وخاصّة فئة التلاميذ المتمدرسين في الابتدائي والمتوسّط والثانوي بشكل محترف ظنّا منهم أنها ميزة للرّجولة أو الشجاعة، حيث أصبحت هذه الأخيرة موضة غايتها الدفاع عن النّفس·

التسرّب المدرسي خطر يهدّد المجتمع
ظاهرة التسرّب المدرسي هي الأخرى باتت تشهد معدلات قياسية مع كلّ موسم دراسي، إذ أن نسبة التسرّب المدرسي لتلاميذ المرحلة النّهائية في الطور الابتدائي بلغت سنويا حوالي 7.33 بالمائة من مجموع التلاميذ الجزائريين المتمدرسين، وتصل النّسبة إلى حدود 8 بالمائة عند تلاميذ مختلف أقسام الطور المتوسّط، فيما تبلغ حدود 23 بالمائة في نهاية الطور، وهو ما دفع مختصّين إلى دقّ ناقوس الخطر لمواجهة الارتفاع المستمرّ لظاهرة التسرّب المدرسي لما تسبّبه من مشاكل اجتماعية خطيرة كعمالة الأطفال واستغلالهم وظاهرة الزّواج المبكّر إلى غير ذلك، هذا إلى جانب ارتفاع معدلات الجريمة جرّاء تفشّي مظاهر الفساد بأنواعه كانحراف الأحداث وانتشار السرقات والاعتداء على الممتلكات وغيرها مقابل ضعف المستوى الدراسي والثقافي لشريحة كبيرة من المجتمع، ما يؤدّي إلى ضعف البنية الاجتماعية والأخلاقية في البلاد· ويقترح مختصّون من أجل تدارك الوضع وتجنّب استمرار ارتفاع معدلات التسرّب المدرسي سنويا وتبعاته السلبية خلق فضاء للحوار بين مختلف شرائح المجتمع وإيلاء المؤسسات التربوية اهتماما أكبر وتمكينها من تأطير التلميذ تربويا، علميا وثقافيا، إلى جانب العناية بالصحّة النّفسية للتلميذ داخل المؤسسات والاهتمام أكثر بتعميم التعليم، لا سيّما وأن الإحصائيات تشير إلى أن نسبة الأطفال المتمدرسين في القسم التحضيري لا تتعدّى 4 بالمائة من نسبة الأطفال الذين وصلوا إلى سنّ 5 سنوات·

عندما يصبح العلم سلعة للتجارة
لا يختلف اثنان في أن الدروس الخصوصية أصبحت مؤخّرا تنافس المدارس بكافّة أطوارها، بل وتأخذ الأولوية عند التلاميذ وأوليائهم أحيانا، لا سيّما فيما يتعلّق بتلاميذ الأقسام النّهائية الذين أصبحنا نلاحظ مغادرتهم المبكّرة للأقسام والركض وراء الدروس الخصوصية للمراجعة والتحضير·
يرى متتبّعون لشأن المنظومة التربوية في الجزائر أن الدروس الخصوصية أو ما يعرف بدروس الدعم دخلت مرحلة الظاهرة خلال السنوات الأخيرة نظرا للانتشار الملفت لهذا النّوع من الدروس رغم منعها من طرف الوزارة نظرا لتأثيرها الكبير على سير المنظومة التربوية عموما وعلى تحصيل التلميذ بوجه خاص· وبالرغم من الغلاء الذي تشهده سوق الدروس الخصوصية إلاّ أنها أصبحت شبه فرض لا يمكن الاستغناء عنه، فحتى الأسر ذات الدخل المتوسّط والمحدود صارت توفّر لأبنائها فرص الحصول على دروس الدعم في جميع المواد تقريبا، وهو ما يثبت وبشكل قاطع أن الأمر تعدّى مجرّد حالة عابرة إلى ظاهرة غير صحّية تستدعي دقّ ناقوس الخطر، لا سيّما وأن هذه الدروس لم تعد متعلّقة بتلاميذ الشهادات فحسب، بل أصبح بإمكان تلميذ الابتدائي ومنذ سنته الأولى الحصول على دروس الدعم وفي كافّة المواد بما فيها مواد الحفظ· وقد كانت الدروس الخصوصية في الجزائر في السابق وإلى وقت غير بعيد حِكرا على فئة معيّنة من التلاميذ عادة هم الملزمون باجتياز امتحان نهاية السنة للانتقال من طور تعليمي إلى آخر، كما كانت مرتبطة بالمواد الأساسية، والتي تعتمد على الفهم بشكل أكبر كالرياضيات والفيزياء والعلوم بالنّسبة للأقسام العلمية، غير أن هذا النّوع من الدروس عرف تحوّلا جذريا ليظهر بشكل آخر هذه الأيّام· ويرى متتبّعون أن هذا التحوّل كان بعد عدّة مراحل، ففي المرحلة الأولى كانت الدروس الخصوصية محدودة الانتشار، سواء من ناحية التلاميذ المعنيين بها أو المواد التي يتمّ تدريسها، ثمّ انتقلت بعد ذلك إلى مرحلة تجارية إن صحّ التعبير، حيث باتت مهنة رائجة للأساتذة ومصدرا إضافيا للدخل· في هذه المرحلة بالذات عرفت دائرة المعنيين بمثل هذا النّوع من الدروس اتّساعا كبيرا·
إذ أن الدروس الخصوصية في هذه المرحلة لم تعد مقتصرة على التلاميذ الذين يحضّرون لامتحانات نهائية فحسب، بل أصبح بإمكان كلّ تلميذ الحصول على دروس الدعم بمقابل مادي، إلى جانب تنوّع المواد المدرسة التي لم تعد مقتصرة على مواد الفهم كالرياضيات والفيزياء كالسابق، بل أصبحت هناك دروس تدعيمية في المواد الأدبية أيضا كالأدب العربي واللّغات وإن كانت نسبة التلاميذ الذين يلجأون إلى الدروس الخصوصية في مثل هذه المواد أقلّ من أولئك المستفيدين من دروس الدعم في المواد العلمية· وقد أخذت الدروس الخصوصية منحى خطيرا في السنوات الأخيرة لتنحرف عن أهدافها الرئيسية التي جعلت من أجلها، فبعد أن كان الهدف من تلقّي الدروس الخصوصية تمكين التلميذ من فهم ما عجز عن استيعابه داخل القسم وتقويته في المواد التي يعاني من ضعف فيها خاصّة العلمية منها، امتدّت العملية إلى الاستعانة بالدروس التدعيمية حتى في المواد الأدبية كالتاريخ والجغرافيا وغيرها من مواد الحفظ بغرض الحصول على أسئلة الامتحانات من أستاذ المادة في المتوسّط والثانوي، ومن معلّم العربية أو الفرنسية في الابتدائي، ولا يتعلّق الأمر بتلاميذ المتوسّط أو الثانوي أو الابتدائي فحسب، بل إن تلاميذ الأقسام النّهائية هم أيضا أصبحوا يلجأون إلى هذه الدروس من أجل الحصول على نماذج لأسئلة الامتحانات الرسمية من مفتشين وأساتذة تعتمد عليهم وزارة التربية في إعداد أسئلة امتحانات نهاية السنة·
وأمام الربح الوفير الذي تحقّقه الدروس الخصوصية تحوّلت منازل الأساتذة إلى أقسام تختصّ في تقديم مثل هذا النّوع من الدروس، ليصبح منزل الأستاذ سوقا يتهافت عليه أولياء التلاميذ من أجل إنجاح أبنائهم، والأغرب من كلّ هذا هي تلك المنافسة الكبيرة التي تقوم بين هؤلاء الأساتذة من أجل جلب أكبر عدد ممكن من التلاميذ· لكن بالرغم من انتهازية بعض الأساتذة وتهاون الأولياء، والذي ساعد في انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، إلاّ أن كثيرا من المتتبّعين يرون هذا الانتشار الملفت لظاهرة الدروس الخصوصية أمرا طبيعيا ويعيب بعضهم على وزارة التربية الوطنية عدم توفيرها للظروف الملائمة التي يعمل فيها أساتذة الأقسام النّهائية، حيث يتجاوز عدد التلاميذ 50 تلميذا في القسم الواحد، وهو ما يعيق عملية الاستيعاب الجيّد بالنّسبة للتلاميذ كما هو الحال في قسم السنة الرابعة متوسّط· لذلك دقّ متتبّعون ناقوس الخطر أمام انتشار هذه الظاهرة، مطالبين بإيجاد حلول لظاهرة الاكتظاظ والاهتمام بالناحية الاجتماعية للمعلّمين والأساتذة، كإجراءات من شأنها القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية، وتقديم الدروس في المرافق التربوية مجّانا ليس حلاّ لكون الذين سيقدّمونها يحتاجون إلى تحفيز مادي أكثر منه ردعيا·

الجزائر في المرتبة 100 من حيث جودة التعليم
أفاد التقرير المفصّل حول جودة التعليم لعام 2013 -2014، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي تمّ نشره في وقت سابق بأن الجزائر حلّت في المرتبة الـ 100 بين الدول في جودة النّظام التعليمي، ووضع التقرير قبل إعداده أسئلة تتعلّق بالتعليم، ومن بين هذه الأسئلة: هل أنت راض عن التعليم في الجزائر؟ وهل أنت راض عن مخرجات التعليم في الجزائر؟ كما أن الجميع أشاروا إلى أن الدروس الخصوصية حوّلت التعليم من المجّاني إلى مجرّد ديكور لأنه صار بالمقابل وكأنه تعليم خاص· وبناء على ذلك، صنّف التقرير الجزائر في مرتبة متدنّية بالنّسبة لجودة النّظام التعليمي من بين 148 دولة· وفيما يخص جودة منهجي الرياضيات والعلوم وضع التقرير الجزائر في المركز الـ 100 أيضا، فيما وضعها في المركز الـ 103 فيما يتعلّق بجودة إدارة مدارسها· وجاءت قطر والإمارات العربية من بين أعلى 20 دولة أكثر قدرة على المنافسة، كما احتلّت المغرب المرتبة الـ 77 وتونس الـ 83، واحتلّت مصر المرتبة الـ 118، في حين جاءت اليمن في المرتبة الـ 145·

وزراء التربية في الجزائر منذ الاستقلال
عبد الرحمن بن حميدة وزيرا للتربية الوطنية في أوّل حكومة للجمهورية الجزائرية برئاسة أحمد بن بلّة 27 سبتمبر 1962·
الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي وزيرا للتربية في حكومة هواري بومدين طبقا للأمر الرئاسي رقم 65 - 172 في 10 جويلية 1965·
عبد الكريم بن محمود وزير التعليم الابتدائي والثانوي في حكومة هواري بومدين طبقا للمرسوم رقم 70- 53 في 21جويلية 1970·
مصطفى الأشرف وزيرا للتربية في حكومة هواري بومدين طبقا للمرسوم رقم 113 - 114 المؤرخ في1977·
محمد الشريف خروبي وزير التربية الوطنية في حكومة محمد بن أحمد عبد الغني طبقا للمرسوم رقم 79-57 لـ 8 مارس 1979·
محمد الشريف خروبي وزيرا للتربية والمدرسة الأساسية في حكومة الشاذلي بن جديد طبقا للمرسوم 80-175 المؤرخ في 15 جويلية 1980م·
الشريف خروبي وزيرا للتربية والتعليم الأساسي في حكومة الشاذلي بن جديد طبقا للمرسوم الرئاسي رقم 82 - 17المؤرخ في 12 جانفي 1982·
محمد الشريف خروبي وزيرا للتربية الوطنية طبقا للمرسوم الرئاسي رقم 84 - 12 المؤرّخ في 22 جانفي 1984·
زهور ونيسي وزيرة التربية الوطنية في حكومة عبد الحميد براهيمي طبقا للمرسوم الرئاسي 86 - 33 المؤرخ في 18 فيفري 1986·
سليمان الشيخ وزيرا للتربية والتكوين في حكومة قاصدي مرباح طبقا للمرسوم الرئاسي 88 - 235 المؤرخ في 9 نوفمبر 1989·
محمد الميلي براهيمي وزيرا للتربية في حكومة مولود حمروش طبقا للمرسوم الرئاسي رقم 89 - 171 المؤرّخ في 09 سبتمبر1989·
علي بن محمد وزيرا للتربية في حكومة سيد أحمد غزالي طبقا للمرسوم الرئاسي رقم 91 - 199 المؤرّخ في 18 جوان1991·
أحمد جبّار وزيرا للتربية الوطنية في حكومة رضا مالك الحكومة المعيّنة من 01 أوت 1993 إلى 11 أفريل 1994·
عمار صخري وزيرا للتربية الوطنية في حكومة مقداد سيفي المعينة في 11 أفريل 1994·
أبو بكر بن بوزيد وزيرا للتربية الوطنية في حكومة أحمد أويحيى طبقا للمرسوم الرئاسي رقم 95 - 450 المؤرّخ في 31 ديسمبر 1995 إلى 2012 - 2013·
عبد اللطيف بابا أحمد خلف أبو بكر بن بوزيد بعد أكثر من 12 سنة·
نورية بن غبريط رمعون عيّنت خلال السنة الجارية خلفا لبابا أحمد في إطار الحكومة الجديدة·