قطاع الصحّة·· يحتضر!

  • PDF

تدهور خطير ومعدل الأخطاء الطبّّية في ارتفاع
الأعشاب وِجهة الزوالي وتونس ملجأ الميسورين!

يعيش القطاع الصحّي في الجزائر ومنذ سنوات تدهورا خطيرا مع مظاهر الإهمال واللاّ مبالاة التي أضحت تميّز أغلب مستشفيات بلادنا، فبعد أن كنّا نشكو من انعدام النظافة وقلّة الهياكل القاعدية تحوّل الحديث في السنوات الأخيرة إلى ما هو أخطر وهو غياب العناية والتكفّل الطبّي في مؤسسات وجدت من أجل ذلك، هذا زيادة عن الأخطاء الطبّية التي صارت تعدّ بالعشرات إن لم نقل بالآلاف وحرمان العديد من المرضى من حقّهم في العلاج المتخصّص، ما دفع بالكثير من المواطنين إلى التوجّه للتداوي بالأعشاب أو السفر إلى تونس لتلقّي العناية الصحّية اللاّزمة، وهو أمر بات منتشرا، لا سيّما في الولايات الحدودية·
لن نبالغ إن اعتبرنا أن قطاع الصحّة (يحتضر) في الجزائر، فتراكم (أمراض) هذا القطاع وتعدّد (كوارثه) ونكباته يجعله ضمن أسوأ القطاعات في البلاد رغم توفّره على إمكانيات كبيرة وكثير من الكفاءات، لكن الواضح أن سوء التسيير السبب الأساسي في (المأساة) رغم حرص السلطات على ضمان استمرارية مجّانية العلاج، ولكن أيّ علاج؟!

بداية صعبة وتطوّر تدريجي
عرفت الصحّة العمومية في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية وضعية مأساوية وجدّ متردّية، حيث كان الشعب الجزائري يعاني من الفقر والحرمان ومختلف الأمراض الوبائية والمعدية العديدة، منها الملاريا، السل، الكوليرا، التيفوئيد والإسهال إلى غير ذلك من الأمراض التي كانت نتيجة طبيعية للظروف المعيشية المزرية التي كان يعيشها أغلبية الجزائريين، والتي فرضت من طرف الاستعمار الفرنسي الغاشم الذي حرم الشعب الجزائري من أبسط ضروريات الحياة، لتسجّل الجزائر بذلك نسبة وفيات لدى الأطفال تعدّ من أعلى نسب الوفيات عند هذه الفئة على الصعيد العالمي· وتشير معلومات المؤرّخين إلى أن الشعب الجزائري حرم قبل الاستقلال أيضا من حقّه في العلاج وتلقّي العناية الصحّية، إذ أن القليل من المواطنين فقط لهم الحقّ في العلاج العام والمتخصّص بسبب تمركز المستشفيات والأطبّاء في المدن الكبرى أين يتواجد المستعمر بكثافة، أمّا المناطق الريفية فهي تسيّر أمور مرضاها بالاعتماد على الطبّ التقليدي والأعشاب الطبّية بسبب خلوها من المراكز الصحّية وأبسط التجهيزات الطبّية· وتشير الإحصائيات إلى أن الجزائر كانت تعتمد خلال الفترة الاستعمارية على حوالي 300 طبيب فقط لكلّ عشرة ملايين نسمة، وهو عدد ضعيف جدّا لا يتكافأ مع عدد السكان، لا سيّما مع الانتشار الكبير للأوبئة والأمراض المعدية·
بعد الاستقلال ورثت الجزائر من الفترة الماضية حالة صحّية متردّية ومتدهورة، حيث كان النّظام الصحّي الموجود متمركزا أساسا في المدن الكبرى فقط كالجزائر، وهران وقسنطينة، ويتمثّل خاصّة في الطبّ العمومي الذي يتمّ داخل المستشفيات وعدد من العيادات التي تشرف عليها البلديات، والتي تقدّم المساعدات الطبّية المجّانية· إلى جانب مراكز الطبّ المدرسي النّفسي التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم، هذا زيادة عن الطبّ الخاص الذي يسهر عليه حوالي 600 طبيب يعملون في عيادات خاصّة، لكن جلّهم كانوا من الأجانب· وقبل سنة 1965م لم تكن البلاد تتوفّر إلاّ على 1319 طبيب، من بينهم 285 طبيب جزائري فقط، وهو ما يعادل طبيبا واحدا لكلّ 8092 مواطن و264 صيدلي، وهو ما يقابل صيدليا واحدا لكلّ 52323 نسمة· وبلغ عدد أطبّاء الأسنان آنذاك حوالي 151 طبيب، أي ما يعادل طبيب أسنان واحد لكلّ 70688، أمّا من حيث الهياكل القاعدية فقد كانت الجزائر تعاني من عجز كبير على مستوى التجهيزات الاستشفائية والمُعدّات الطبّية، حيث أشارت الإحصائيات الخاصّة بفترة ما قبل سنة 1967 إلى أن عدد الأسرة في المستشفيات لم يتجاوز 39000 سريرا، وهو رقم ضعيف جدّا ولا يستجيب للاحتياجات المطروحة، لا سيّما وأن البلاد خرجت لتوِّها من حرب كبّدت أهاليها الكثير من الخسائر بما في ذلك انتشار الأوبئة والأمراض· لذلك فقد كان أوّل تحدّ للجزائر بعد الاستقلال يتمثّل في كيفية التقليل من الإصابات بهذه الأوبئة كأوّل خطوة ثمّ العمل على القضاء عليها نهائيا من خلال مجّانية العلاج وتوفير التلقيحات الضرورية للحدّ من انتشار هذه الأمراض، خاصّة خارج المدن الكبرى ووضعت لذلك استراتيجية عملية تمثّلت في المكافحة المكثّفة للأمراض الوبائية وتعميم العلاج الوقائي كالتلقيح ونظافة المحيط وحماية الأمومة والطفولة والنظافة المدرسية وطبّ العمـل·
وقد عرف قطاع الصحّة في الجزائر خلال الحقبة الممتدّة من ما بعد الاستقلال إلى غاية منتصف السبعينيات وما بعدها، تطوّرات كبيرة من حيث المستخدمين والهياكل القاعدية وإن كان تطوّر القطاع الصحّي كان يتمّ بصفة بطيئة مقارنة مع التطوّر السكاني الذي عرفته البلاد في تلك الفترة، كما عرفت ذات الفترة صدور جملة من النصوص والقوانين التي تهدف إلى توحيد النّظام الموروث عن المستعمر· وواصل القطاع الصحّي تطوّره رغم ما واجهه من انتقادات وشهده من نقائص، وعرف خلال سنوات تقدّما تدريجيا منذ استرجاع الجزائر لسيادتها، حيث قفز عدد الأطبّاء من 500 طبيب خلال سنة 1962 إلى 55 ألف طبيب في سنة 2012· وبعد ما حقّقته السياسة الصحّية المتّبعة خلال السنوات الأولى من الاستقلال من نجاح كبير في مجال القضاء على الأمراض والأوبئة التي كانت سائدة في سنوات الستينيات والسبعينيات، بل وكانت تعدّ من الأمراض الفتّاكة آنذاك بشهادة التقارير التي نشرتها المنظّمة العالمية للصحّة، تواصل الجزائر بعد سنوات من الاستقلال بذل جهود أكبر من أجل التقليل من الإصابة بالأمراض الخطيرة كالسرطان بأنواعه، خاصّة سرطان الثدي الذي يسجّل سنويا أكبر عدد من الوفيات في صفوف النّساء يليه سرطان الرئة· وتعمل الجهات الرسمية اليوم على فتح 50 مركز أشعّة لعلاج المصابين بهذا الداء المميت، بالإضافة إلى تطوير زراعة الأعضاء، وقد خصّصت ميزانية معتبرة لذلك، وهو ما سيسمح بتقليص الفاتورة الباهظة التي يكلّفها العلاج في الخارج· كما خصّصت وزارة الصحّة والسكان وإصلاح المستشفيات أزيد من 20 مليار دولار للمشاريع المتعلّقة بالرعاية الصحّية في آفاق 2025 والموجّهة لتطوير 700 مركز طبّي ولإنشاء عيادات متعدّدة الخدمات في القرى والأرياف، بالإضافة إلى 200 عيادة متنقّلة لفائدة البدو الرُحّل لضمان تغطية صحّية تصل إلى آخر نقطة من التراب الوطني·

الجزائر في المرتبة الـ 81 عالميا من حيث النّظام الصحّي
رغم معدل الإنفاق الهائل على الرعاية الصحّية في الجزائر، إلاّ أن نظامنا الصحّي يصنّف في مرتبة ثالثة بعد كلّ من تونس والمغرب على التوالي، كما يصنّف في المرتبة الـ 81 عالميا، حسب الإحصاء الذي قدّمته منظّمة الصحّة العالمية في سنة 2005، وهو ما يعدّ مرتبة متأخّرة نسبيا مقارنة بالإمكانات المادية والمالية والبشرية المرصودة لهذا القطاع· ويبرز ذلك من خلال بعض المؤشّرات الصحّية السريرية كمعدل شغل الأسرة ومعدل الدوران، إلى جانب عدد المرضى المقيمين أو بالنّظر إلى المؤشّرات الصحّية الوبائية كنسبة انتشار الأمراض المزمنة والأمراض المعدية أو بالنّظر إلى تلك المؤشّرات الدالّة على مدى تحقيق الأهداف من الرعاية الصحّية أيضا كمعدل الأمل في الحياة ودرجة استجابة النّظام الصحّي من حيث التوزيع وعدالة تلقّي الخدمات· ونتيجة للوعي بأهمّية الصحّة فقد كان توجّه السلطة نحو التفكير في تصوّر استراتيجي يبحث في الآليات التنظيمية والإجرائية التي تُعنى بتحسين الإدارة والتسيير الكفء للنّظام الصحّي، وكان ذلك من خلال اعتماد خارطة صحّية جديدة تعمل على الفصل بين الأنشطة الوقائية تتكفّل بها مؤسسات للصحّة الجوارية وبين الأنشطة العلاجية والتكيفية التي تتكفّل بها المؤسسات الاستشفائية المختلفة· لكن بالرغم من هذا التطوّر والتغيير إلاّ أن الواقع لا يحاكي الأهداف المسطّرة، فوفرة الإمكانيات المادية والمالية لم تواكب بتحسّن في الواقع الخدمي، ولعلّ المؤشّر في ذلك هو الإحساس بالشعور العام لدى المواطن عن عدم رضاه عن الخدمات المقدّمة، والتي يعتبر هو غاية وجودها ومحور استراتيجيتها·

1500 شخص حصيلة الأخطاء الطبّية في الجزائر
قدّرت بعض الجهات المختصّة في اعتمادها على مسح شامل أن هناك ما لا يقلّ عن 1500 شخص كانوا عرضة لأخطاء طبّية، أخطرها تلك التي طالت 20 مريضا بمستشفى بني مسوس في صيف 2008 وتسبّبت في فقدانهم البصر بصفة دائمة بعد حقنهم بدواء خاص بمرضى السرطان، كما تسبّب خطأ آخر عام 2001 بمستشفى وادي الأبطال في معسكر في وفاة 13 رضيعا إثر ما اصطلح على تسميتها بـ (فضيحة اللقاحات الفاسدة)، هذا إلى جانب بعض الحالات الفردية التي يكون المريض ضحية لها· وتشير إحصائيات اللّجنة الوطنية لضحايا الأخطاء الطبّية، وهي منظّمة غير رسمية، إلى أن الـ 1500 ضحية هم الأشخاص الذين رفعوا شكاوى لدى المحاكم، مقدّرة أن الرقم الحقيقي قد يكون أكبر بكثير· وتكشف الجمعية ذاتها عن تلقّيها خلال وقت سابق 96 شكوى لأشخاص قدّموا ملفات يثبتون من خلالها وقوعهم ضحايا لأخطاء طبّية، فيما انتهت أخرى إلى أن عدد وفيات وإصابات الأخطاء الطبّية في الجزائر يكاد يقارب عدد وفيات سرطان الثدي وحوادث الطرق، وأن نسبة من هذه الحالات يتكرّر حدوثها ويمكن تفاديها ومنعها· ويرى متتبّعون أن الأخطاء المرتكبة مسّت بشكل خاص مرضى العيون وطبّ النّساء والتوليد، هذا الأخير شهد لوحده ما يربو عن 200 خطأ، فضلا عن أخطاء أخرى حدثت في مصالح طبّ الأطفال، كما لم تسلم أقسام المسالك البولية والعظام والأذن والأنف والحنجرة من هذه الأخطاء الحسّاسة التي يرى مراقبون أنها تعود إلى عدم توخّي الحذر اللاّزم والجنوح إلى الإهمال واللاّ مبالاة، على حدّ تعبيرهم، يحدث هذا في غياب أيّ بيانات رسمية دقيقة تثبت أو تنفي ما يتداول حول مسألة الأخطاء الطبّية وما ينشر من إحصائيات في هذا المجال، حيث تتحدّث الأرقام عن أن ثلاثة أرباع الأخطاء حدثت في المشافي الحكومية، بينما وقع الجزء المتبقّي في مؤسسات صحّية خاصّة·

فراغ قانوني يعرقل التكفّل بضحايا الأخطاء الطبّية
أمام حجم الأخطاء التي يرتكبها بعض أصحاب المآزر البيضاء في حقّ المرضى، والتي قد تودي بحياة بعضهم يبقى القانون الجزائري عاجزا عن التكفّل بضحايا هذه الأخطاء مهما بلغ حجم الضرر الذي يتعرّض له الضحية· حيث تثبت تقارير لبعض الهيئات والجمعيات المهتمّة بهذه المسائل أن قيمة التعويضات التي يقرّها القضاة للمتضرّرين في قضايا الأخطاء الطبّية لا تتوافق في الغالب مع حجم الضرر الحاصل، ناهيك عن الوقت الطويل الذي تستغرقه القضايا في المحاكم، والتي قد يصل بعضها إلى 13 سنة·
وتشير تقديرات المتتبّعين إلى أن 99 بالمائة من قضايا الأخطاء الطبّية في المحاكم تكون لصالح الأطبّاء، حيث لا يكلّف القاضي نفسه عناء استدعاء المتّهمين ولا الشهود، وهذا ما جعل القضاء يتستّر على الكثير من الجرائم الطبّية التي لازالت عالقة في المحاكم منذ أزيد من 13 سنة· ويرجع متتبّعون سبب هذه الأحكام القضائية التي تكون غير معقولة في بعض الأحيان، لا سيّما عندما يتعلّق الأمر بوفاة أو تشوّه أو إعاقة دائمة إلى وجود فراغ قانوني صارخ، فيما يخص التكفّل بالأخطاء الجزائية الطبّية، ممّا يجعل القاضي يجد صعوبة في تحديد الخطأ ومعرفته ومن ثَمّ التمييز بين الخطأ الطّي وحجم الضرر الذي يتعرّض له المريض· وأجمع الكثير من المتخصّصين في هذا المجال من أساتذة جامعيين في الطبّ وأطبّاء متخصّصين وعامين ورجال قانون وقضاة بأن النصوص القانونية الحالية وغياب الخبرة الطبّية اللاّزمة على مستوى المؤسسات القضائية لا تساعد القاضي على معالجة قضية مطروحة أمامه متعلّقة بالخطأ الطبّي، ممّا طرح إشكالية الغموض في تحديد الخطأ الطبّي والتمييز بينه وبين الضرر، بالإضافة إلى التمييز بين الضرر الحاصل بسبب خطأ ارتكبه الطبيب والضرر الذي يحدث رغم قيام الطبيب بالدور المنوط به على أكمل وجه، ومع ذلك حصل ضرر للمريض لا دخل للطبيب المعالج فيه، وهو ما جعل بعض المختصّين يدعون إلى ضرورة استعانة القضاء بأطبّاء أكِفّاء بإمكانهم تحديد حجم الضرر ومعرفة إذا ما كان للطبيب المعالج يد فيه، هذا إلى جانب تكوين القضاة في بعض الاختصاصات التي تساعدهم على معالجة مثل هذه القضايا، زيادة عن العمل من أجل الاستفادة من تجارب بعض الدول في هذا المجال للتكفّل بملف الأخطاء الطبّية بهدف ضمان حقّ ضحايا هذه الأخطاء وحماية الطبيب من تبعيات لم تكن له يد فيها·

تونس والطبّ البديل وِجهة المرضى في الجزائر
أمام الوضع المتردّي الذي يعيشه القطاع الصحّي في الجزائر وما يلاقيه المواطن من سوء استقبال وإهمال، بل ورفض لمعاينته حتى، لا سيّما فيما يتعلّق بالعلاج المتخصّص يلجأ الكثير من المواطنين إلى ما يعرف بالطبّ البديل أو التداوي بالأعشاب الذي أصبحت له شعبية كبيرة ويحقّق نتائج أفضل، حسب ما يفيد به الكثير من المرضى الذي يلجأون إلى مثل هذا النّوع من التداوي الذي صار يدرّ على ممتهنيه المال الوفير نتيجة للطلب المتزايد عليه· وقد قدّرت إحصائيات أن باعة الأعشاب الذين يمارس معظمهم الطبّ البديل في محلاّتهم قد بلغ نهاية سنة 2009 حوالي 1926 تاجر ما بين ملاّك محلاّت وباعة متجوّلين في الأسواق· وبالرغم من خطورة التداوي ببعض الأعشاب على صحّة المواطن إلاّ أنها تبقى بديلا مقنعا للكثير من المرضى الذين لم يجدوا سبيلا إلى الطبّ المتخصّص في المستشفيات الحكومية، لتكون الأعشاب بذلك أقلّ تكلفة وإن كانت نتائجها غير مضمونة· وإلى جانب التداوي بالأعشاب برزت ظاهرة جديدة في الجزائر تمثّلت في التوجّه إلى الجارة تونس من أجل العلاج، لا سيّما من سكان الولايات الحدودية أو القريبة من الحدود الجزائرية التونسية كولاية وادي سوف التي يتوجّه سكانها بالآلاف إلى تونس من أجل العلاج ولأبسط الأمراض أحيانا كالجراحة من أجل استئصال الزائدة الدودية أو تضخّم الغدّة الدرقية، كل هذا نتيجة الوضع الكارثي الذي تعرفه المستشفيات العمومية في الولاية وغياب أبسط التخصّصات في القطاعين الخاص والعام، ما دفع ببعض الأطبّاء العامّين إلى امتهان بعض التخصّصات كطبّ النّساء والطبّ الداخلي علانية وبختم طبيب عام·

مختصّون يدعون إلى رقمنة القطاع الصحّي
دعا مختصّون طبّيون إلى ضرورة تطوير النّظام المعلوماتي في القطاع الصحّي من خلال رقمنة تسيير كلّ المؤسسات الاستشفائية الوطنية والملفات الطبّية للمرضى قصد تطوير ودعم القطاع الصحّي، وكانت مبادرة تعميم النّظام المعلوماتي على قطاع الصحّة الشرط المسبق لمشروع شراكة بين وزارة الصحّة والاتحاد الأوروبي المطبق في 2009· وقد اختير المستشفى الجامعي لوهران كمؤسسة نموذجية للشروع في العملية، ومن المنتظر أن تنتهي نتائج هذه التجربة خلال نهاية السنة الجارية، حيث ستعرض على وزارة الصحّة لتعميم هذا النّظام على مؤسسات استشفائية أخرى في مختلف مناطق التراب الوطني، وسيتمّ في هذا الإطار توحيد المعطيات على جميع الأصعدة كالمعلومات الخاصّة بالمرضى وعدد المرضى المعالجين حسب الفترات والأمراض التي تمّ إحصاؤها والموارد البشرية في المؤسسات والتراث الطبّي، كما سيتمّ جمع المعلومات الخاصّة بالمرضى على شكل قواعد معلومات ضمن ملف طبّي إلكتروني· أمّا فيما يتعلّق بالمعلومات الخاصّة بالموارد البشرية فستدرج في قاعدة معلومات أخرى، حيث سيكون هناك جمع منظّم لكلّ هذه المعلومات عبر مختلف الهياكل الاستشفائية للبلاد وسيتمّ وضعها في نظام معلومات فريد وإرسالها إلى المعهد الوطني للصحّة العمومية ووزارة الصحّة، وهو ما سيسمح بوضع جهاز إنذار صحّي على مستوى الوصاية ومخطّط تسيير مكلّف بالكشف عن النقائص المسجّلة في قطاع الصحّة واقتراح حلول لها، وهو ما من شأنه أن يطوّر قطاع الصحّة عامّة ليكون في مستوى التطلّعات، لا سيّما وأن السلطة ترصد لهذا القطاع غلافا ماليا يجعله من أفضل النظم الصحّية في العالم، غير أن النتائج لم تكرّس بعد على أرض الواقع·

ثلاثة مخطّطات لتطوير قطاع الصحّة
خلال السنوات الأخيرة بدأت السلطة تبدي اهتماما كبيرا بتطوير قطاع الصحّة وتحسين الخدمات، حيث أعلن وزير الصحّة والسكان وإصلاح المستشفيات عبد المالك بوضياف مؤخّرا عن الشروع في تنفيذ ثلاثة مخطّطات بهدف تطوير آداء قطاع الصحّة في الجزائر·
ذكر الوزير لدى إشرافه على لقاء حضره مديرو الصحّة والسكان لولايات الوطن ومسؤولي المراكز الاستشفائية للوقوف على مدى تطبيق التوجيهات الرّامية إلى تحسين الآداء أن القطاع سيدخل مرحلة تجسيد ثلاثة مخطّطات من المنتظر أن تعطي ثمارا كبيرة في تطوير القطاع وتحسين آدائه من جانب الخدمة العمومية· كما ينتظر أن تحقّق المخطّطات التي سطّرتها الدولة بهدف تحسين قطاع الصحّة العمومية نتائج جيّدة، لا سيّما وأنها تضع يدها على الكثير من المسائل الحسّاسة التي طالما كانت سببا في المشكلات الكثيرة التي يتخبّط فيها القطاع، ما أدّى إلى حالة التسيّب والإهمال التي تسجّل اليوم في أغلب المؤسسات الاستشفائية· ومن بين أهداف المخطّطات التي ينتظر أن يتمّ تحقيقها قبل نهاية السنة الجارية تسوية أوضاع الحياة المهنية لمستخدمي القطاع وتطهير المالية وتصفية ديون المستشفيات، إلى جانب تسهيل حصول المواطنين على الفحوص الطبّية المتخصّصة· ومن المنتظر في هذا الإطار أن يتمّ التكفّل بنحو 95 بالمائة من الحالات المطروحة بالنّسبة للمنازعات المتعلّقة بالترقية المهنية في مختلف الأسلاك التابعة لقطاع الصحّة، فيما سيتمّ العمل على دفع 80 بالمائة من ديون الصيدلية المركزية للمستشفيات ومعهد (باستور) التي هي على عاتق المؤسسات التابعة للقطاع· وإلى جانب ذلك سيسمح المخطّط الثالث بتسهيل الحصول على الفحوص الطبّية بنسبة 95 بالمائة من حجم الطلب المحلّي، خاصّة تلك المتعلّقة بطبّ أمراض النّساء والتوليد والجراحة العامّة وغيرها، كما سيتمّ تعزيز إمكانيات القطاع للتكفّل بالحوامل خلال المراحل التي تسبق الولادة· وستكون هذه الأهداف إن تحقّقت على أرض الواقع بمثابة حلقة الوصل التي سترمّم علاقة المواطن بقطاع الصحّة العمومية بعد الشرخ الذي حصل والنظرة السيّئة التي يكوّنها المواطن الجزائري على المؤسسات الاستشفائية العمومية نتيجة الإهمال وسوء الاستقبال والأخطاء الطبّية التي أودت بحياة الكثيرين، إلى جانب نقص في الخدمات والأدوية والإمكانيات· وتبقى معاناة المواطن مستمرّة باستمرار هذه الظروف في انتظار توفير التكفّل الصحّي الجيّد الذي يطمح إليه الجميع·

تطوّر القطاع الصحّي منذ الاستقلال
غداة الاستقلال كانت الجزائر تعدّ حوالي 500 طبيب لتغطية احتياجات السكان الذين قدّر عددهم آنداك بحوالي 10،5 مليون نسمة، أمّا الوضعية الصحّية في هذه الفترة فقد كانت تتميّز بوفيات الأطفال، خاصّة الرُضّع، والتي كانت بنسبة مرتفعة تجاوز معدلها 180 في الألف وأمل حياة لم يصل إلى 50 سنة، وكان انتشار الأمراض المعدية المرتبطة بالحالة البيئية والمعيشية السبب الرئيسي للوفيات· كما تميّزت هذه الفترة بذهاب الأطبّاء الفرنسيين، ليتقلّص عدد الأطبّاء من 2500 طبيب إلى 630 طبيب، مع نقص فادح في الهياكل الصحّية·
شهدت سنة 1966 استمرار العجز الدائم في الهياكل القاعدية، حيث قدّر عدد الصيادلة بـ 3 لكلّ 100.000 ساكن، 163 مستشفى بسعة 39418 سرير و256 مركز صحّي، بعدد 364 طبيب و20.000 شبه طبّي وحوالي 19000 مستخدم إداري·
شهدت 1974 زيادة في عدد السكان، حيث وصل إلى 15.6 مليون نسمة وزيادة في عدد الأسِرّة الذي بلغ 41728 سرير، وبلغ عدد المراكز الصحّية 558 مركز وزيادة في عدد الأطبّاء بلغ 1425 طبيب، وإنشاء ما يسمّى بالقطاع الصحّي، وما ميّز هذه المرحلة هو الزيادة النّسبية لقاعات العلاج مقارنة بسنة 1962·
في سنة 1979 بلغ عدد السكان 18.3 مليون نسمة وعدد المستشفيات 162 مستشفى، إلى جانب 157 عيادة متعدّدة الخدمات و157 مركز صحّي بعدد أطبّاء بلغ 4561، وتوفّرت المستشفيات آنذاك على 44885 سريرا·
في سنة 1984 بلغ عدد السكان 21 مليون نسمة، وشهدت السنة تحسّنا في الهياكل القاعدية، حيث بلغ عدد المستشفيات 215 مستشفى، إلى جانب 285 عيادة متعدّدة الخدمات و914 مركز صحّي بعدد أطبّاء بلغ 9106، وتوفّرت المستشفيات آنذاك على 50210 سريرا·
في سنة 1986 واصل القطاع الصحّي مسيرته نحو التطوّر وتمّ تسجيل 261 مستشفى و370 عيادة متعدّدة الخدمات، إلى جانب 1147 مركز طبّي و13395 طبيب وتوفّرت المستشفيات آنذاك على 60040 سريرا·
في سنة 1989 تمّ تسجيل 261 مستشفى و428 عيادة متعدّدة الخدمات و1500 و25000 طبيب و65000 سريرا·
في سنة 1998 تمّ تسجيل سريرين لكلّ 1000 نسمة وعيادة لكلّ 69731 نسمة، إلى جانب مركز صحّي لكلّ 25454 نسمة وقاعة علاج لكلّ 6667 نسمة، كما بلغ عدد الأطبّاء الجزائريين 28274 طبيبا وعدد المستشفيات 223 مستشفى وعدد المراكز الصحّية 1144 مركز·
في سنة 2009 وصل عدد العيادات إلى 286 وعدد الأخصّائيين الخواص إلى 5095 والطبّ العام إلى 6205 طبيب· أمّا عن الاعتمادات الموجّهة إلى القطاع الصحّي لتحقيق أهداف الألفية المحدّدة من طرف منظّمة الأمم المتّحدة فقد شهدت تطوّرا، حيث بلغت نسبة 76،70 بالمائة في مشروع قانون المالية لسنة 2008 مقابل 58 بالمائة خلال سنة 1999·
إعداد: آسية مجوري