عائلات انتظرت الترحيل لسنوات·· مأواها الشارع

  • PDF

عملية الإسكان الأخيرة فجرت أزمات أخرى للسكن
عائلات انتظرت الترحيل لسنوات·· مأواها الشارع
تشرد ··· مآسٍ وأثاث مبعثر عبر الأقواس والساحات
مواطنون مقصيون يقبعون بالشارع يستغيثون لإنصافهم

لقي عدد كبير من المواطنين بعد أكبر عملية ترحيل بمراحلها الخمسة منذ أن باشرتها ولاية الجزائر في جوان الفارط، نصيبهم في سكنات تليق بكرامتهم، ليكون أغلبهم أصحاب البيوت الهشة والقصديرية، في حين لقي البعض الآخر الإقصاء والطرد من شققهم التي صنفت في الخانة الحمراء لاسيما في عملية الترحيل الأخيرة التي شابتها بعض العيوب والتلاعبات تحت طائلة (المعريفة والشيبة)، ويجد البعض الآخر نفسه تحت ظلال أسوار شاليهات مهترئة، بل من العائلات من كان مأواها الشارع بعد أن طردت شر طردة من منازلها وتزداد مخاوفها مع مقربة فصل الشتاء·

تحقيق: حسيبة موزاوي

إن الكثير من الملفات التي أوفدت لدى الجهات الوصية تحتوي عائلات بها مسنون ومرضى تستدعي حالتهم الرعاية الصحية المكثفة، يحصل هذا رغم وجود المرسوم التنفيذي، والذي ينص على عدم طرد الأشخاص البالغين 60 سنة من مساكنهم إلى غاية وفاتهم، ولكن الواقع يؤكد على أن هذا المرسوم هو مجرد حبر على ورق، ومع اقتراب الفترة الشتوية تزداد حالة العائلات المطرودة تأزما، ليرفعوا نداءهم للسلطة العليا للبلاد بعد صرخات وطعون لم تجد آذانا صاغية، ليكون من بينها ما نسرده من حقائق لعينات لم تجد سوى منبرنا لتقول (نحن جزائريون، فهل نحن متساوون؟)·

عائلات تطرد من منازلها إلى الشارع

تأخذنا (القصبة) بمجرد ذكر اسمها، إلى تاريخ عظيم وثقافة عريقة، ولكن وضعها اليوم لا يجسد ذلك، فسكان القصبة منذ زمن طويل وهم في نفس المطالب التي لا تتعدى ضرورة ترحيلهم وفسح المجال لأشغال الترميم، فالسيد أحمد الذي بلغ عقده الثامن من العمر، لم يفن أمله بنيل أبسط حقوقه كمواطن، بعد أن نفذ ضده قرار الطرد التعسفي بالقوة العمومية من طرف السلطات المحلية بحضور رئيس أمن دائرة باب الواد، رغم أنه مجاهد ومن عائلة ثورية، وهو لا يطالب بأي شيء من الدولة سوى مسكن يأويه مع أولاده ويحفظ كرامته، ليضيف عمي أحمد  في قوله (أن الكثير من الدخلاء استفادوا من سكنات بطرق ملتوية، بعد سبعة أشهر من تأسيسهم لبنايات فوضوية على مستوى بلدية القصبة، ليظل السكان الذين عمروا طويلا ينتظرون مآسٍ بسبب اهتراء الجدران، التي تسببت في حالات وفيات وأمراض لسكانها) ولقد أجمعت العائلات على كلمة واحدة، وهي أن مطالبها ترفعها إلى فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة تحديدا بغية إيجاد حل لها، بعد نفاد ريقها من الشكاوي، وسط التلاعبات التي جعلت المواطن يغرق في دوامة أزمة السكن، من خلال اللاعدل القائم في توزيع السكنات رغم كل المشاريع التي تم إنجازها في هذا الإطار·


إقصاء تعسفي للعائلات من عمليات الترحيل

وبعيدا عن القصبة تفاجأ السيد موسلي هاشمي بتنفيذ قرار ترحيل شاليهات عميروش بالرغاية ماعدا الشالي 411 الذي يقطنه رفقة أمه المسنة والمصابة بداء السكري وأولاده الخمسة  بعدما تم ترحيلهم من شقتهم المتواجدة بـ 23 شارع بوعلام الاوشيش ببلوزداد في الجزائر العاصمة من قبل مصالح البلدية بحجة أن العمارة مصنفة ضمن الخانة الحمراء، ومن الضروري إخلاء المكان أمام أشغال الهدم، أين تم ترحيلهم إلى شاليهات عميروش بالرغاية على أمل الاستفادة من سكنات لائقة، غير أنه تم إقصاء عائلته من قائمة المستفيدين، هذه الأخيرة التي أثبتت من خلال وثائق أن لها كامل الأحقية في الاستفادة من مسكن، ولكن بسبب الطرق الملتوية التي اعتمدها بعض الجيران - على حد قول المعني بالأمر - فقد استفادوا من مسكنين لتبقى العائلة الوحيدة بالشاليهات بدون كهرباء ولا قطرة ماء ومصير مجهول، ليقدم السيد موسلي هاشمي الطعون اللازمة إلى الجهات الوصية بهدف إنصافه ورفع الظلم عن عائلة تسببت مأساتها في مرض والدته وضياع أولاده·
أما سمير هو واحد من عائلة صوفلي الذي وصف لنا واقعهم الذي يذوقون فيه الويلات، كونهم عائلة طردت وكانت تقطن في واحد من الشاليهات التي وزعت على المتضررين من زلزال 2003 ببلدية (برج الكيفان)، ليتفاجؤوا بقرار هدم الشاليهات دون توزيع سكنات لهم، لتتخذ كل عائلة سبيلها بعد ذلك حسب الإمكانيات المتوفرة لديها، ولم تجد عائلة (صوفلي) سوى الخيمة كمأوى لها ببلدية الرويبة في عين الكحلة تحديدا، ليؤكد لنا السيد سمير أنهم توجهوا إلى السلطات المعنية، وأمرتهم بإيداع طعون، في حين اعتبر الأمر مجرد تلاعبات لأن لا جديد يذكر حول حالتهم، وتتساءل العائلة عن الأيام السوداوية التي ستعيشها في فصل الشتاء إذا لم تحرك الجهات المعنية ساكنا·


نتائج الطعون بصيص أمل تنتظره العائلات

أجمع الكل أن عملية الترحيل الأخيرة لم تكن مثل سابقاتها بالنظر إلى الآفة التي تتخبط فيها العشرات من العائلات التي انتظرت السكن لسنوات لتجد نفسها مرمية في الشوارع مع أبنائها وأثاثها مبعثر، والأمر الغريب أنها طردت طردا تعسفيا  لحجج واهية لا تعدو إلى مصاف ارتكاب تلك الجرائم ضد العائلات، بحيث تتشرد العشرات من العائلات عبر الشوارع في نواحٍ متعددة من العاصمة على غرار القصبة، ساحة الشهداء، لابوانت، برج البحري وغيرها فيما مازالت بعضها تنتظر نتائج الطعون مثلما هو الحال في حي ديار الشمس بالمدنية بالعاصمة الذي يبدو أ ملفه لازال شائكا ولم يطو إلى حد الآن، إذ وجدت بعض العائلات التي تقطنه نفسها مهددة بالتشرد في سابقة أولى من نوعها لم يعهدها الحي في المرات الأولى للترحيل بحكم أن الحي مسته ثلاث عمليات للترحيل وتفاجأ قاطنوه الذين حزموا أمتعتهم منذ أكثر من ثلاث سنوات باحتمال إقصائهم من عمليات الترحيل على الرغم من ملكيتهم لتلك البيوت منذ أكثر من خمسين سنة بل حتى العائلات المستأجرة قد امتلكت الشقق  بالتقادم بعد مرور ثلاثين سنة، بحيث احتار الكل من ذلك النهج الذي لا يتقبله المنطق ولا العقل الأمر الذي زاد من مأساتهم التي بدأت خيوطها قبل عيد الأضحى المبارك، ومازالت تلك العائلات تقبع بذلك الحي الذي تآكلت جدرانه مما يجلب اليأس والشفقة على حالهم حتى أنهم هددوا بالتصعيد في حال عدم إيجاد الحلول لمأساتهم خصوصا وأنهم رأوا أن تلك القرارات هي تعسفية في حقهم بل حتى أن أصحاب المعارف أخذوا بدل الشقة شقتين وهم كملاك أصليون حرموا لحجج واهية لا يتقبلها عاقل·
وبذلك يعيش المواطنون الذين حلموا بسكن يحفظ كرامتهم على الأعصاب بعد أن انتظروه لسنوات عانوا فيها من الضيق ومن مخاطر انهيار السكنات فوق رؤوسهم وحاذوا فيها الجرذان والقوارض عبر الشاليهات التي لا تضمن الحياة الكريمة والهادئة مما يؤكد أن عمليات الترحيل الأخيرة عوض أن تمتص الأزمة فجرت  غضب العشرات من العائلات التي تقبع الشوارع في أسوأ مشهد·  
ليتساءل هؤلاء لماذا هذا التصرفات المجحفة في حقهم رغم أنهم أبناء الجزائر الحرة المستقلة، وتبقى مثل هذه التصرفات إهانة ضد مواطنين أبرياء مغلوبين على أمرهم ، تشردوا في الشوارع مع عائلاتهم رغم ملكيتهم  لكل الدلائل التي تقر أحقيتهم في السكن بدون منازع·