على من نلقي باللائمة؟

  • PDF

بقلم: محمد خالد الأزعر*

أزمة تدفق اللاجئين عبر البر والبحر إلى رحاب القارة الأوروبية وضعت الأوروبيين قيد إختبارات شديدة الصعوبة. فقد اختبرت القوانين المنظمة للتنقل داخل دولهم وفيما بينها واختبرت مستويات الجهوزية والإستعداد للتعامل مع الطوارئ والمباغتات على الصعيد الإقليمي القاري واختبرت منظومة القيم العاطفة على الحقوق والحريات الأساسية التي يستهدي بها عالم الغرب برمته وفى طليعتها حقوق اللاجئين بشقيها العالمي والأوروبي الإقليمي وحرية الرأي والفكر والمعتقد.
لم يسبق للتجربة الاتحادية الأوروبية على خبرتها القوية الآن أن واجهت مثل هذه الاختبارات بشكل ملح ومتزامن. والظاهر أن محصلة هذه المعمعة تميل بنا إلى الإعتقاد بأن هذه التجربة الرائدة والمشهود لها بصلابة تثير الغيرة ما زالت تعاني من بعض الصدوع والمناطق الرخوة. وهنا تبدو قضية اللاجئين وقد ساهمت في كشف بعض العورات والعلل الغائرة التي يعنينا منها في هذا المقام التعامل معهم على خلفية التمييز والتصنيف الديني.
والملاحظ أنه حتى في إطار هذه المقاربة الفظة لم يكن الأوروبيون على قلب سياسة واحدة فمنهم من مارسها بنعومة ودون كثير من الجهر بالقول ومنهم من تبناها علانية بالقول والفعل. جاء في تقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس أن (كنيسة برلين تشهد تحول اللاجئين المسلمين من إيران وأفغانستان وسوريا والعراق وباكستان إلى المسيحية أفواجاً). ويعترف التقرير بأن معظم اللاجئين يهدفون إلى تحسين فرص بقائهم في ألمانيا وذلك على الرغم من ادعائهم بأنهم قرروا اعتناق المسيحية عن قناعة وإيمان.
في مقابل هذا الدور الذي يضطلع به البعض داخل دولة تعلن حكومتها تعاطفها مع اللاجئين من منطلقات حقوقية وأخلاقية إنسانية هناك عواصم لم يتورع ساستها ومسؤولوها عن التبجح بمواقفهم التمييزية الدينية على الملأ جرى هذا الإفصاح مثلاً في كل من سلوفاكيا وتشيكيا وبولندا التي أعلنت رفض استقبال اللاجئين السوريين المسلمين داخل أراضيها متذرعة (بصعوبة إندماجهم في هذه الدول). وهذا عذر يبدو أقبح من الذنب لأن قضايا اللجوء واللاجئين أمور طارئة ومؤقتة ولا تتعلق أصلاً بعملية إدماجهم في المجتمعات المضيفة.
والحال كذلك على من نلقي باللائمة؟ هل تقع المسؤولية على أمراء الملل والنحل والطوائف والقبائل الذين مزقوا أوطانهم وفرقوا دينهم شيعاً وأحالوا حيوات مجتمعاتهم جحيماً وأحرقوا الأخضر واليابس حتى بات الوطن مثابة للخوف والفقر والجوع والتشرد؟! أم أن الأمر معلق بذمم من جعلوا الهوية الدينية ودلالات الأسماء والسير التاريخية شروطاً للإغاثة والعون والدخول الآمن إلى عتبات جديدة؟!
نطاق هذه الظاهرة آخذ في الاتساع في المكان وما زال قابلاً للاستمرارية الزمنية إلى آجال غير معلومة. وعليه يحق لنا الذهاب إلى أننا ربما كنا بصدد حدوث تغيرات في الخرائط السكانية الدينية الخاصة بأوطان اللاجئين المطرودين منها قسراً وقهراً وكذلك الحال بالنسبة لدول الإستضافة الأوروبية اللئيمة وغير البريئة.
ولعل أحد أهم الأسئلة التي يثيرها هذا المستجد الفارق يتعلق بالتكييف القانوني لسلوك هذه الدول. فالأرجح أن شرط الديانة لإستقبال اللاجئين وإيوائهم من عدمه يمثل إنتهاكاً فادحاً للقوانين المنظمة لقضايا اللجوء بمختلف أجيالها ومستوياتها. الوعى بهذه النقيصة ساق المفوضة الأوروبية للشؤون الخارجية فدريكا موجيرينى إلى التبرؤ منها. ولكن ماذا عن الخطوات التالية لهذا الاستنكار؟ ماذا عن التشهير بسياسات تسفه القيم الحقوقية والأخلاقية للحضارة الغربية برمتها؟ وما العقوبات التي يفترض أن تكون موضع نظر وتفكير ضد الذين يوغل بعضهم في إرتكاب جريمة عنصرية واضحة المعالم؟