الأوروبيون والشريك البريطاني المخالف

  • PDF

 بقلم: محمد خالد الأزعر*

لم تلتحق بريطانيا بالجماعة الأوروبية فور نشأتها قبل ستين عاما لأنها أبت الالتزام بسلطة فوق قومية لكنها عادت للسعي حثيثا إلى عضوية هذه التجربة الفوارة حتى تحقق لها ذلك عام 1973 بعدما تأكدت من عزلتها أوروبيا.
جاء الإحجام البريطاني عن الركب الأوروبي الجماعي ثم الإقدام عليه عن حسابات قومية صرفة للربح والخسارة وهي الحسابات ذاتها التي حكمت السياسة البريطانية تجاه هذا الركب. قياسا بدول القلب الكبرى في التجربة الأوروبية الاتحادية ألمانيا وفرنسا وإيطاليا كانت بريطانيا الأكثر جدلا حول مسار التجربة وحدود سلطاتها مقابل السيادات القومية.

 لندن خارج اللعبة الأوروبية

وفي هذا السياق كانت لندن الأكثر تداولا لفكرة الخروج على التجربة والنكوص إلى الخندق البريطاني الخالي من دسم التيار الأوروبي. والمثير أن المصنفين إيديولوجيا وسياسيا كقوى يسارية كحزب العمال هم الذين أظهروا انشغالا فائضا بقضية التقوقع بينما فضل المحافظون التروي في هذا الأمر.
وهذه واحدة من غرائب العقل السياسي البريطاني. في إطار هذا التأرجح مارست بريطانيا دور الشريك المناكف وألحت في مشاكساتها حتى ما عادت تمر بضع سنوات دون أن تستثير بقية الأعضاء بشأن قضية أو أخرى.
كحدود تدخل الدول في تحديد الأجور والأسعار وضبط التضخم أو مقدار المساهمة في الميزانية الاتحادية أو تعريف المستفيدين من المساعدات الزراعية والصناعية أو مقدار الجرعة العابرة للحدود في الدستور الأوروبي. وقد بلغ الحرد البريطاني أوجه بعدم الانضمام إلى العملة الموحدة ومنطقة اليورو منذ انطلاقها عام 1999 وحتى الآن.
واليوم بات العزوف عن الانخراط في سياسة مشتركة حيال الهجرة والمهاجرين واللاجئين إلى القارة العجوز والرغبة في تضييق حرية التنقل داخلها ضمن أهم الذرائع لاحتمال الطلاق البريطاني خلعا مع الاتحاد الأوروبي بناء على استفتاء شعبي يفترض إجراؤه عام 2017.
وفقا للحسابات المصلحية البحتة سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا نرجح كفة البقاء البريطاني في الحيز الاتحادي. فهذا الحيز يمنح البريطانيين قوة مضافة قارية الإمكانات تسمح لمملكتهم بادعاء استمرار صفة العظمة التي عاشوا عليها حقبا. والأدعى لهذه الأرجحية أن مصلحة واشنطن تقضي بعدم تشجيع الحليف البريطاني الصدوق على مغادرة الملعب الأوروبي الفسيح كونه يشكل حصان طروادة الأمريكي هناك.
ومن المعروف أن لسان حال السياسة البريطانية يكاد يقول إنها أوروبية الهوية أمريكية الهوى. بصيغة أخرى كانت لندن وماتزال أحد أدوات السياسة الأمريكية الأوروبية وأغلب الظن أن تغريدها خارج السرب الأوروبي سيجعلها كالعنزة الشاردة.
وقد عاش هذا السرب وتعززت أواصر وحدته لنحو عقدين قبل أن يلحق به اليريطانيون وهم شبه صاغرين. حقا ستتضرر صورة المسيرة الاتحادية الأوروبية بخروج بريطانيا لكن هذه الصورة لن تنكسر أو تتشظى بالقدر الذي ستتضعضع بها مكانة بريطانيا قاريا ودوليا.
يبدو أن البريطانيين مازالوا يحنون إلى زمن العظمة القومية وهي مكانة مرت عليها تحولات الزمن ومستجدات محددات القوة والمنعة التي ما عادت تتحقق إلا بالوحدة مع الشركاء القاريين. والمؤكد أن عقود الشراكة هذه أسست لارتباطات وتشبيكات مصلحية يصعب التخلي عنها أو الفكاك منها بسهولة.
رب مجادل هنا بأن حوادث الإرهاب والعنف الزاحفة نحو أوروبا ربما أعادت الزخم لتيار الانكماش القومي البريطاني تحت هواجس الخوف من الآخرين غير أن هذه الهواجس ذاتها قد تكون عاملا مساعدا على ديمومة الانغماس مع بقية الشركاء التاريخيين في موروث الاجتماع الثقافي السياسي الغربي القاري ذلك للاستدفاء والاستقواء بهم في مواجهة هؤلاء الآخرين. الشاهد أن لندن أدمنت على موجات الحرد والتمنع إزاء التيار الاتحادي الأوروبي الجارف..
وأن حراس هذا التيار تعودوا بدورهم على استيعاب هذه الموجات. ولهذا فإن القطيعة الكلية أو الطلاق البائن لن يقع بين هذين الجانبين. لن يحدث ذلك اليوم ولن يحدث بعد عامين. ونقترح أن يبني العرب سياساتهم إزاء هذه الموضوعة تأسيسا على هذه القناعة.