الطيب الثعالبي سيرة بطل جزائري مظلوم

  • PDF

بقلم: محمد بوتبان بسمة *
ان الاهتمام بحياة النخبة الفاعلة في تاريخ الجزائر تحتاج إلى جمع كل الحقائق التاريخية حولها وهذا من خلال المصادر الشفوية والأرشيفية لنفض الغبار عنها وكشف حقائق تاريخية اخرى مجهولة عنهم الملاحظ أن معظم الرجال الذي قاموا بمجهود جبّار لتغيير واقع بلادهم وشعبهم في ظل الاستدمار الفرنسي لقت التهميش والتغييب بعد الاحتلال لهذا أتساءل دائماً عن الأسباب التي جعلت التاريخ يختصر في ذكرهم عل حساب أشخاص بارزين كتبت لهم المجلدات من السير في حين نرى البعض قد لعبوا أدوار مهمة في تاريخ الثورة المجيدة لم نجد أي جملة تمجد سيرهم ولأنني أرفض أن أكون جزءاً من منظمومة تعمل على تهميش شخصيات مميزة ارتأيت أن اتطرق في هذا المقال لشخصية الطيب الثعالبي هذا الرجل الفذ الذي قضى طول حياته في الكفاح من أجل الجزائر على المستوى المغاربي في تونس والمغرب .
الطيب الثعالبي المدعو سي علال )1923 - مازال على قيد الحياة )
الطيب الثعالبي  المدعو (سي علال) شخصية نضالية عريقة تولى مسؤولية فدرالية جبهة التحرير الوطني بالمغرب وتونس.   
ولد سنة 1923 بأولاد أحبابه بقرية الخرفان بالحروش ولاية سكيكدة انتقلت أسرته إلى قرية السمندو التي تبعد حوالي 20 كلم عن عرشه والده كان يعلم الفقه والقرآن بمسجد قد أنشأه بعد أن أقنع الحاكم ببنائه فأخد الطيب تعاليم القرآن واللغة العربية في هذه المدرسة هذا بالاضافة الى مزاولته في المدرسة النظامية باللغة الفرنسية فضلا عن ذلك اعتمد على نفسه في تكوين شخصيته العلمية ولما بلغ العشرين من عمره بدأ يهتم بالكفاح التحرري القائم عند الشعوب العربية التي تكافح من أجل استقلالها حيث كان يطالع باستمرار سير العظماء و نضال الأمم مما بث في نفسه روح الكفاح والنضال .
وما حفز في نفسه روح الوطنية هي حادثة الاعتداء على مسجد قسنطينة سنة 1934 التي قام بها اليهود مما أثار نقمة المسلمين فوقعت مشادات بين اليهود والمسلمين  وخلفت أزمة كبيرة بينهما. 
كانت بدايات الطيب الثعالبي في الحركة الوطينة حين انخرط في صفوف حزب الشعب رفقة زيغود يوسف فتكونت ونضجت فيه الروح الوطينة ألف عندها قصيدة وطنية بالفرنسية كانت أبياتها تحث الشباب المسلم على القيام بواجبه تجاه وطنه الرافض للاستعمار الفرنسي وعلى إثر انتقاضه 8 ماي 1945 التي قادها الثعالبي في شغلوم العيد ألقي عليه القبض وسجن بقسنطينة ثم نقل إلى معتقل بوراق جنوب عين الصفراء وبعد إطلاق سراحه واصل النضال في صفوف جمعية العلماء كونه معلم بشغلوم العيد تعرف هناك على عبان رمضان الذي كان موظفا بالبلدية و على حسين بن يعلى مدرسا في المدرسة فقاموا ببعث نشاط حزب الشعب في المنطقة ما نتج عنه الفصل من جمعية العلماء المسلمين بحجة الإنتماء إلى حزب الشعب فانتقل بعد ذلك إلى مدرسة الرشاد.
شارك الثعالبي في انتخابات البلدية لسنة 1947 فنجح فيها بجدارة بعدها خير بين العمل السياسي أو التعليم ليختار هذا الأخير وخلال الحملة الانتخابية لشهر أفريل 1948 كلف الثعالبي بالحملة على مستوى الغرب الجزائري فتم القبض عليه خلال هذه الحملة وسجن لمدة سنتين (1948-1950) وتم نفيه لمنطقة القبائل (سيدي عيش) وبعد خروجه من السجن عين بمدرسة تابعة لحزب الشعب بالبليدة إلى غاية 1953 حيث انتقل إلى مدرسة أخرى بمغنية مختفيا عن أنظار البوليس.
الرجل البطل
عشية اندلاع الثورة كلف الثعالبي بعدة مهام منها محاربة المصالية بمغنية وتلمسان والتنسيق بين قيادة المنطقة الخامسة رفقه بيطاط الذي اتصل به في مطلع 1955 فوجده في غاية القلق من نشاط العناصر المصالية في العاصمة خاصة فأقترح بن مهيدي لمواجهة هذا الموقف وكان يبدو قلقا كذلك لانقطاع اتصالاته بديدوش مراد ولم يكن على علم باستشهاده بعد .
خلال إلتحاقه بقيادة المنطقة الخامسة كلف بالعمــــل السياسي والدعائـــــي واللوجيـــستي بالتنســــيق مع بوضــــياف وبن مهدي وبوصوف الى غاية 1955 وهذا للتنسيق بين قيادتها في الداخل والخارج (المغرب) ثم رشحه الشهيد بن مهيدي أواخر 1955 للعمل في إذاعة صوت العرب بالقاهرة لكن الطيب الثعالبي آثر العمل بالداخل و عند إلقاء القبض على بيطاط كلف الثعالبي باستقبال السفينة المحملة بالأسلحة التي كان ضمنها هواري بومدين عمل بعد ذلك مساعدا لبوضياف ثم عين مسؤولا عن فدرالية جبهة التحرير بالمغرب فشرع في تنصيب (ج.ت.و) فاقترح الثعالبي دون أن يفرض رأيه في تعيين أعضاء المنظمة للإتصال بكبار مسؤولي (ج.ت.و) لتحديد الصلاحيات وتحديد وضعية خلايا الجبهة في المغرب فتم اقتراح دمرجي وعلي هارون للذهاب إلى الخارج فألتقى الرجال الثلاثة في شهر أفريل بمدريد مع بن بلة وبوضياف والدكتور لمين دباغين وقرروا  خلال الاجتماع إنشاء فدرالية (ج.ت.و) في المغرب وعلى رأسها الثعالبي .
انتقل سي علال إلى المغرب مع الطلائع الأولى للاجئين الجزائريين إلى المغرب فترأس التنظيم المدني المستحدث سنة 1956 إلى غاية 1957 بعدها انتقل إلى تونس للإشراف على نفس التنظيم هناك فخلفه على رأس التنظيم المدني بالمغرب عبد القادر معاش تمكن الثعالبي من خلال هذا التنظيم ضمان اشتراكات مئات الآلاف من الجزائريين في المغرب وتونس وهذا ما ساعد في تمويل الثورة ماديا إضافة إلى تجنيد الآلاف من الجزائريين وإقناعهم بضرورة الإلتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني.
بعد ان بدل جهودا معتبرة في تأطير الجزائريين المتواجدين في المغرب وتقديم المساعدات المادية والمعنوية عين كعضو إضافي بالمجلس الوطني للثورة الجزائرية ثم عضو أساسي إلى غاية سبتمبر 1957 عين أيضا في نفس السنة مشرفا على مكتب الصحافة والإعلام بالقاهرة وتولى بعدها ما بين الفترة 1958-1962 مسؤولية فيدرالية الجبهة بتونس مواصلا مهامه النضالية بكل إتقان وإخلاص.
غداة الاستقلال دفع سي علال ثمن وقوفه مع الحكومة المؤقتة في السجون يعاني من الإقصاء والتهميش ولهذا إلتحق بعد خروجه من السجن بأول مهنة مارسها في الحركة الوطنية وهي التعليم في ثانوية حسيبة بن بوعلي بالقبة ثم مسؤولا عن المعهد التربوي 1972-1977 ثم عمل مستشارا في وزارة العمل.
أمام كل هذا النضال العظيم لأحد أبناء ولاية سكيكدة في سبيل القضية الجزائرية يبقى من غير المقبول أن يوضع علم من أعلام القضية الجزائرية على الهامش .
* استاذ بجامعة سكيكدة