وباء مسكوت عنه !!

  • PDF

بقلم: خيري منصور *
استوقفني ما قاله مؤخرا واحد من أبرز أساتذة علم النفس في الوطن العربي والعالم هو د . أحمد عكاشة عن حاجة العرب في هذه الفترة لمن يشخصون لهم الأمراض النفسية التي أصبحت وبائية كي يدركوا ما هم عليه فقد يكون المريض نفسيا آخر من يعلم بما أصابه.
ومن يتأمل أنماط السلوك التي أصبحت سائدة في المجتمعات العربية ولا تواجه بأي استنكار يشعر بأن القادم سيكون الأسوأ حتما لأن الأجيال التي تولد في مثل هذه الحاضنات الله وحده يعلم ما الذي ستنتهي إليه فالكوابح والروادع سواء كانت أخلاقية أو قانونية تراجعت إلى حدّ ينذر بالخطر وما قاله ديستويفسكي عن إباحة كل شيء في غياب القيم لم يعد بعيدا عن واقعنا الملغوم بكل هذه الشرور. ولا أدري لماذا يشعر العربي بالتحديد بالحرج من مراجعة طبيب نفسي؟
قد يكون السبب الجهل المزمن بهذا العلم لهذا أتذكر ونحن أطفال أن الناس كانوا يصفون من يتداوى عصبيا بالمجنون ويمتنعون عن تزويجه بناتهم وقد ينتهي إلى مصير مأساوي بسبب هذا النبذ الاجتماعي.
ولا أبالغ إذا قلت إن حاجتنا كعرب في هذه المرحلة إلى أطباء نفسيين هي إضعاف حاجتنا إلى أطباء الجسد لأن أمراضنا المسكوت عنها تتراكم وتتفاقم في الظلام وإذا كنا لا نفاجأ بما نسمعه ونراه فذلك دليل على أن المرض تحول إلى وباء وأن الجميع شربوا من النهّر ذاته فصارت تصرفاتهم مألوفة وتستمد شرعيتها من التعميم والتكرار !
لقد تحولت حياتنا اليومية ولقاءاتنا وحواراتنا إلى شكوى بلا نهاية وكأن ما نشكو منه ينسب إلى مجهول أو إلى نائب فاعل وحين يشتد الوباء النفسي يشعر كل فرد بأنه الاستثناء وأنه محور هذا الكون وحين يصدر أحكامه وفتاواه على الناس يستثني نفسه باعتباره معصوما !
الأرجح أن ما نعانيه نفسيا هو بيت الداء لكننا نكابر !!