إسرائيل وسرقة الآثار العربية

  • PDF

بقلم: عميرة أيسر*

منذ الغزو الأمريكي الأنجلوسكسوني للعراق سنة2003 بهدف تدميره وإخراجه نهائيا من دائرة الصراع العربي الصهيوني واستخدمت لذلك ذرائع شتى وحججًا واهية ومتعددة ليس أولها القضاء علي البرنامج النووي المزعوم وذهبت أمريكا للغزو مع مجموعة من الدول والقوى الدولية والإقليمية التي تدور في فلكها بعيدًا عن أي تفويض جديد من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة وخالفت بذلك كل الشرائع والقوانين الدولية ولكن الشيء الذي لم يذكره الإعلام وظهرت خيوطه جليًا بعد الغزو وامتدت تفرعاته لتطال دولا عربية أخرى بعدهَا كمصر وسوريا التي هي مهد الحضارات الكبرى في العالم القديم أن فرقًا من الموساد وعلماء الآثار الإسرائيليين كانوا من ضمن الفرق العسكرية والبحثية التي رافقت الغزو من أجل التَّنقيب على الآثار العربية في هذه الدول فالعراق التي كتب فيها التوراة العبري بعد السبي البابلي لليهود سنة655ق م وتقرر بعد مؤتمر بال بسويسرا 1897م تشكيل فرق متخصصة من مافيا الآثار لسرقتهَا  من الدول العربية وتهريبهَا إلى إسرائيل والتي تدعي أنها تمتلك آثارًا مهمة في أراضي هذه الدول تأكِّد أحقيتها في أراضيها من أجل توطيد أركان الحلم الصهيوني من أجل ترسيخ فكرة أرض (يهوذا والسامرة) التي تمتد من النهر إلى البحر ومثلما يقول عالم الآثار والمؤرخ  العراقي (الدكتور ثابت النمشي) فإن حجم الآثار المهربة من الدول العربية تجد من يشتريها في الأسواق الدولية والأوروبية منها إذ تبلغ قيمة الآثار المصرية المهربة  فقط  حوالي 20 مليار دولار سنوياَ وتقوم فرق إسرائيلية بشرائها وتختار ما يخص التاريخ العبري منها وتقوم بإعادة بيع ما تبقى منها في سوق الآثار السوداء وبمبالغ مالية خيالية.
- ويضيف بأنَ العراق بعد الغزو العسكري الأمريكي كان فيه حوالي 200 ألف تل أثري أي ما يعادل 1مليون مدينة أثرية كانت فرق البحث الاستكشافية العراقية تعمل جاهدة على إماطة اللثام عنها وإخراجها للعالم كتراث حضاري عالمي منبعه بلاد الرافدين العريقة وهذا ما سعى تجار الآثار والمهربين إلى سرقته بشتى الطرق والوسائل وقاموا بتدمير العديد من هذه المواقع الأثرية وطمس معالمها وذلك نتيجة جهلهم بالتنقيب العلمي المدروس إذ أن كل1سنتم من الآثار يشكل 300 سنة من عمر الحضارة فهي مليئة بالمواقع الحفرية على عكس سوريا أو مصر التي لا يتعدى عدد التلال الأثرية فيها 4أو5 آلاف تل في أفضل الأحوال وساعدت التنظيمات الإرهابية التي تكاثرت كالفطريات بعد انسحاب القوات الأمريكية وبكميات كبيرة جدًا في نهب آثار العراق النادرة ومنها تلك التي نهبت من المتحف العراق الرسمي وتتحمَّل الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية الأخلاقية والحضارية والتاريخية عن ضياعها.
-وهي من تواطأت من إسرائيل وتجار الآثار من أجل نهب آثاره وسرقة هويته وتزييفهَا فالتنظيمات المسلحة والإرهابية التي زاد خطرهَا ونشاطهَا بعد ثورات الربيع العبري وما أنجرَ عنها من تدمير ممنهج للدول العربية فتنظيم داعش المدعوم صهيونيًا وأمريكيًا والذي بات يسيطر على مناطق واسعة من سوريا وبلاد الرافدين ويتواجد في سيناء المصرية وليبيا قام بتدمير آثار قيمة جدًا في مدينة الموصل الأثرية ونينوى وكذلك تحطيم آثار مدينة تدمر السورية واغتيال العلامة خالد الأسعد المتخصص في حضارات تدمر القديمة والوحيد المتبقي الذي كان يستطيع فك شفرات وأسرار اللغة التدمرية القديمة وقراءتها ومعرفة دلالاتها اللفظية والمعنوية وذلك لأنه رفض أن يدلهم على مخابئ كنوز المدينة أو أين مستودعات آثارها القيمة جدًا هناك داعش التنظيم الإرهابي الذي خسر ملايين بل مليارات الدولارات من جراء انخفاض أسرار النفط أو من جراء الضربات الجوية السورية الروسية لقوافل النفط المهرب نحو تركيَا يحاول إيجاد موارد مالية بديلة وأصبح يرى في تجارة الآثار التاريخية الأثرية مورداً مالياً كبيرا جداً إذ أصبح يسمح لكل من يريد التنقيب عن تلك الآثار أو استخراجها ويوفر لهم الحماية والأمن في مقابل نسب ضخمة من الأرباح عند بيعهَا في الأسواق أو المزادات العلنية المخصصة لذلك كما يرى الدكتور مارك الطويل المتخصص في (آثار الشرق الأدنى) في كلية لندن فالآثار التي تسرق من سوريا والعراق تَظهر وتباع في الأسواق الأوروبية وتمر عبر مطارات عمان وتركيَا وتل أبيب التي تشارك في نهب هذه الآثار مقابل عمولات نقدية بالعملة الصعبة وهذا ما أكده باحث الآثار العراقي الدكتور عبد الرزاق الزبيدي الذي كشف بأنَّ داعش هرب الآلاف من القطع الأثرية بالتواطؤ مع هذه الدول التي ترعى نشاطهُ المزدهر وتباركه في العلن.


أسرار ليست للنشر
- وحسب وثيقة لوزارة الخارجية الإسرائيلية سربها عميل الاستخبارات الأمريكية السابق ادوارد سنودن فإنَ مخطوط التوراة العراقي متواجد بإسرائيل بعد أن قام الجيش الأمريكي بسرقته من بغداد  بعد الغزو مباشرة وقد رمِّمت في 7 أشهر وتستعمل حالياً في الصلاة اليومية داخل باحات القدس وكانت الحكومة العراقية قد راسلت مرارًا وتكرًار مركز نارا الأمريكي الذي أشرفَ على ترميم هذه المخطوطة النادرة والتي لا تقدر قيمتهَا الحضارية بثمن من أجل استعادتهَا ولكن كان الردُّ سلبًيا وبحسب الاتفاق الأمريكي العراقي فإنه بحوالي عام 2005 كان يجب على إسرائيل إعادة كل القطع الأثرية المسروقة والمهربة إليهَا ولكن هذا لم يحدث حتى الساعة ويتغاضى الإعلام الرسمي في بغداد عن التحقيق في هذه القضية أو حتى الإشارة العرضية إليهَا لحساسيتهَا وبتوجيهات أمنية وسياسية عراقية علياً.
-ولم يقتصر الأمر على العراق أو سوريا التي تمكنت الأجهزة الأمنية والسيادية فيهَا من استعادة حوالي 6500 قطعة أثرية حسبما ذكره الدكتور وليد الأسعد نجل الشهيد المغدور خالد الأسعد الذي نكست دولة عريقة كايطاليَا أعلام بلادهَا حدادًا عليه فيما وقفت الدُّول العربية كالعادة في موقف المتفرج مما يحدث بل إنَ بعضها جزءٌ من هذا المخطط الرامي لإفراغ الدول العربية الكبرى من تاريخهَا وجعلها بدون هوية خدمة للمشروع الصهيوني ولكنها هذه الأجهزة فشلت في تعقب الآلاف القطع الأثرية الضَّائعة والتي نجحت مافيا الآثار في الاستيلاء عليها وبيعها وبعد ثورة 25 يناير 2011 وكما ذكر الدكتور عبد الرحمن العابدي مدير الإدارة المركزية لآثار المتحف المصري فإنَ فرقًا إسرائيلية مدربة قد استغلت حالة الانفلات الأمني وغياب مؤسسات الدولة وهياكلهَا وقامت بعمليات سطو منظم على المتحف المصري القومي وسرقت آثارًا قيمة وهامة للغاية تخص فترة حكم الملك اخناتون - وتوت عنخ أمون كما سرقت برديات عبرية بالإضافة إلى إنجيل يهوذا ولم تكتف بذلك بل سرقت آثارًا من سيناء ومتاحف الأقصر ومناطق عدة من مصر وبذلت الحكومة المصرية بعدها جهودًا مضنية من أجل استعادتها ولكن لم تنجح إلا في إعادة النزر السير منها فقط.


مخططات تاريخية
-أمَا البقية فتمَّ بيعها في مزادات علنية أهمهَا مزاد نبتز المتخصص في بيع الآثار في أمريكا والأمر لا يختلف كثيرًا  في لبنان الذي  قام الجيش الإسرائيلي بغزو أراضيه سنة1982 ولم يخرج منها إلا تحت ضربات المقاومة سنة2000 ولكن الشيء الذي لم ينتبه ولم يلاحظه اللبنانيون وقتها أنَ إسرائيل قد قامت بنقل كميات هامَّة من مواقع الآثار اللبنانية إليها وجعلتها جزءًا من تاريخ الدولة العبرية المزيف فحسب ما قاله الدكتور أسعد سيف مسئول دائرة الآثار في المديرية العامة للآثار في لبنان فإنَ إسرائيل سرقت أثارًا لبنانية هامة في تلك الفترة من تاريخ بلد الأرز وذكر بأنَ أيقونات معلولة السورية قامت بحجزها الجمارك اللُّبنانية في مطار بيروت وعبر مخارجها الحدودية وأعادتها إلى سوريا بالإضافة لآثار عدة تخصٌّها محجوزة في لبنان حاليًا ورغم هذه الجهود المضنية التي  قامت بها إسرائيل من أجل جلب هذه الآثار والحصول عليها إلا أنَّ هناك من العلماء اليهود كالدكتور إسرائيل فرانكشتاين صاحب كتاب التوراة والأرض الذي يشكِّك في صحة الروايات الإسرائيلية التراثية وينفي قطعياً أنْ يكون  داوود وسليمان عليها السلام قد عاشا في أرض فلسطين أو أنهم قد تواجدوا بها يومًا وهذا ما يثير حنقَ وغضب صناع التاريخ اليهودي فهو ينسف كل هذه الجهود ويدحضهَا وإلى جانب العلماء الإسرائيليين فإنَ هناك علماء أمريكان كالدكتور مارك ماقواين غيبسون عالم الآثار وعضو المجلس الأمريكي للسياسة الثقافية وكذلك الرابطة الأمريكية للأبحاث في بغداد. والذي رغم علمه المُسبق بأنَ هذه المنظمات مُخترقة وتخدم الأجندات الصهيونية إلا أنهُ يتواجد بها لفضح ممارساتهم وعدم ترك الساحة لهم يفعلون فيها ما يحلو لهم فالدكتور مارك في كتاباته ومحاضراته يُؤكد على أنَ التُّراث العبري فيه الكثير من المغالطات التاريخية والَّتزييف ورغم التهديدات الإسرائيلية له بالتصفية الجسدية من أجل إسكاته مثلما فعلوا مع مواطنه الدكتور ألبرت قروك الذي اغتالته إسرائيل في مدينة بير زيت الفلسطينية سنة 1992لأنهُ رفض سرقة وتزوير إسرائيل للآثار الفلسطينية الكنعانية ونسبها إليهَا.
- فهذه الدَّولة الخارجة عن القانون الدولي والتي تتاجر بالآثار المهربة وهذا ما يمنعهُ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2199 والقاضي بمنع تهريب الآثار السورية والعراقية أو المتاجرة بها وهذا ما تضرب به إسرائيل وأمريكا ودول غربية عرض الحائط ورغم الجهود الدولية المبذولة ومنها المبادرة التي قامت بها اليونسكو بتاريخ 28 ديسمبر2015 واعتباره يوماً عالمياً للتضامن مع آثار العراق تحت شعار متحدون مع التراث العراقي بهدف إعادة آثاره المسروقة إليه وقدمت دولٌ كاليابان هبة تقدر بـ1.5مليون دولار من أجل هذا الغرض فيما امتعنت دول عربية عن المساعدة وكان الأمر لا يعنيهَا ورغم كل الجهود الدولية من أجل تقفي أثر هذه المسروقات بغرض إعادتها إلى الدول التي هربت منهَا إلا أن كل هذه المحاولات قد باءت للفشل لحدِّ الساعة وذلك لأنَ هناك مافياً كبيرة تنشط في هذه التجارة التي تدر عليها مبالغ خيالية وتحميها بل وتشرف عليها دولٌ كبرى تستفيد بشكل أو بأخر من سرقة التراث والهوية الحضارية لدول أخرى وتقف إسرائيل على رأس القائمة طبعاً خدمة لمشروعها العبري التوسعي الاستيطاني في قلب العالم العربي.