"إسرائيل" التي تستفيد من مصائبنا

  • PDF


************** بقلم: محمد عايش**************

مجلة إسرائيلية مرموقة ومعروفة ومتخصصة بالشؤون العسكرية، أكدت مؤخراً أن أزمة الخليج الراهنة سوف تنتهي بمكاسب إسرائيلية كبيرة، تماما كتلك المكاسب التي حققتها تل أبيب من هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.

كما أن المجلة رأت في تصاعد وتيرة الصراع السياسي في المنطقة العربية مبرراً لمزيد من التقارب بين اسرائيل والدول الغربية التي تريد حليفاً مستقراً في هذه المنطقة يرعى مصالحها. اسرائيل تستفيد بلا شك من أزمة الخليج الراهنة، كما أنها استفادت ولا تزال من الانهيار الكامل للدولة في سوريا، والصراع الملتهب في المنطقة منذ سنوات. وكذلك تستفيد من معارك الاستنزاف التي يخوضها الجيش المصري ضد الارهاب في سيناء، لأن هذه المعارك وحدها تكفل ضرب الارهابيين وإنهاك أكبر جيش عربي في آن، بينما لا تطلق اسرائيل رصاصة واحدة في هذه المعارك والصراعات.

منذ ست سنوات وإسرائيل تتفرج على العالم العربي بصمت مطبق، وتراقب عن بُعد التطورات التي تجري في المنطقة، وتستفيد بصورة غير مسبوقة من هذه الصراعات والتوترات، بدءاً من الاحتقان الطائفي الذي جعل الأمة الاسلامية فريقين يتجاهل كل منهما الآية القرآنية الكريمة: «وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون»، وليس انتهاء بعدد من الدول العربية يجري حالياً تفتيتها وتقسيمها من جديد، ويتصارع كل جزء منها مع الآخر. لا شك في أن إسرائيل هي أكبر المستفيدين من الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية، ولا شك أن العرب في أسوأ أحوالهم بسبب هذه الأزمات، وبسبب الثورات المضادة التي ظهرت على أنقاض ثورات الربيع العربي، وتبين أن القائمين عليها أكثر قدرة على العمل والتنظيم والانفاق، وبالتالي أكثر قدرة على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وهو ما حال دون تحقيق التغيير إلى الأفضل الذي كان العرب يأملونه من ثوراتهم في بداية العقد الحالي.

ثمة العديد من التصريحات والإشارات التي ترد من اسرائيل حول ارتياحها وابتهاجها بما يشهده العالم العربي من صراعات، ولكن المؤكد أن اسرائيل تستفيد من المشهد الراهن في العالم العربي على النحو التالي:

أولاً: أزمة الخليج الجديدة تعني أن الثقل الاقتصادي والمالي العربي في حالة انشغال، وبات لديه نوع جديد من الأعباء، بعد سنوات من تحييد الثقل السياسي المتمثل في مصر، والثقل العسكري المتمثل في سوريا والعراق، ما يعني أن العالم العربي برمته لم يعد موجوداً بالنسبة لإسرائيل، وأصبح مجرد تجمعات سكانية غير قادرة على التأثير عليها ولا بأي شكل من الأشكال.

ثانياً: الأزمات المتلاحقة والصراعات المسلحة في العالم العربي، جعلت القضية الفلسطينية والاهتمام بها يتراجعان الى مستويات غير مسبوقة في الشارع العربي، ولدى الدبلوماسية العربية، وهو ما يعني في النهاية أن الفلسطينيين أصبحوا وحدهم، وهذا ما يُفسر الى حد كبير، كيف ولماذا لم تتحرك العملية السياسية بين الفلسطينيين واسرائيل منذ سنوات.

ثالثاً: في حال نشوب أي نزاع أو خلاف بين العرب واسرائيل لاحقاً، أو في حال شنت اسرائيل حرباً جديدة على الفلسطينيين، فانها ستكون أمام أمة عربية ممزقة غير قادرة على خوض حتى صراع دبلوماسي على الساحة الدولية، كما لن يحصل الفلسطينيون على الدعم الكبير الذي كانوا يتمتعون به في السابق، وكان سبباً مهماً في صمودهم أمام العمليات الاسرائيلية.

رابعاً: تريد اسرائيل ترويج نفسها في العالم على أنها الدولة المستقرة والحليف الأنسب للغرب، وبالتالي فانها ستنجح في التقارب أكثر مع الدول الغربية، خاصة إذا تفاقمت الأزمة في منطقة الخليج، وكانت ذات تأثير أكبر وأعمق من الفترة الماضية.

وخلاصة القول إن العالم العربي يعيش أسوأ أيامه، وقواه التقليدية المهمة على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري، باتت غائبة بسبب أنها تخوض صراعات مختلفة، أما هذا الوضع البائس فلا يفرح له سوى الإسرائيليون، ولا يستفيد منه غيرهم، وهم وحدهم يجدون أنهم يعيشون أفضل أيامهم في هذه المنطقة الملتهبة.

العالم العربي بحاجة الى مصالحة شاملة تجمع الكبير والصغير فيه، وهذه المصالحة تحتاج الى قادة لديهم رغبة على تحقيقها، ومن ثم يجلسون الى مؤتمر قمة عربي غير عادي، يقومون فيه بتصفية خلافاتهم، وإنهاء صراعاتهم وتجنيب شعوبهم ويلات ما يجري.. ما عدا ذلك فإن اسرائيل وحدها تستفيد والشعوب العربية جميعها تخسر وتدفع الثمن.