المستقبل للإسلام

  • PDF

********** بقلم: سميرة بيطام**********

لقد كان لتأثير القرآن في حمل المسلمين على النظر والبحث لفهم الأرض والسماء والنجوم وسيرورة الكواكب وتحليق الطيور قي السماء دافعا لحل ألغاز الطبيعة وكيفية تفاعل نواميس الكون بدقة متناهية.

و الكل يعرف أن النهضة الثقافية الحديثة في العالم برمته كانت بمصدر من الإسلام وقواعده على مدى قرون عديدة وقبل ذلك حيث اختار الله سيدنا محمد صلى الله عليه لتبليغ الرسالة السماوية والتي طافت وجالت أقطار المعمورة حتى أصبح المستشرقون يسكتون أمام أعجوبة الظاهرة الإسلامية في دين يتدفق من قلوب المسلمين أفواجا أفواجا وبات الخطر الداهم للغرب ولأوروبا لأن الحضارة برمتها وبأنواعها كامنة في هذا الدين.

و اذا كنا في حاجة الى شاهد ،فلنرجع للوراء تاريخيا حيث كان اهتمام الأوروبيين بكتب "المسالك والممالك" وبالجغرافيا العربية مثل ما ورد ذكره في كتاب  "دور المسلمين في تقدم الجغرافيا الوصفية والفلكية" للدكتور اسماعيل العربي حيث كتب أن صادف أن بدا هذا الاهتمام بصفة جدية وهادفة في منتصف القرن التاسع عشر ولو أن بعض الكتب العربية كانت قد ترجمت الى اللاتينية وغيرها من اللغات الأوروبية منذ القرن السابع عشر ،و كان أهم معالم هذا الطريق هو ترجمة رينو لكتاب "تقويم البلدان" لأبي الفداء وكتاب تقويم البلدان نشر في المغرب ، ليطرح التساؤل حول اهتمام أوروبا بالجغرافيا العربية ؟، والعقل البشري الى اجهاد الذهن لكي يعيد الى  ذاكرته بعض الأحداث التاريخية الأساسية التي وقعت في افريقيا وآسيا في تلك الحقبة التي تلت الثورة الصناعية والتي تكالبت فيها الدول الأوروبية على مصادر المواد الخام وعملت لإخضاع الشعوب التي تملك المواد وغيرها من مصادر الثروة ، وفي هذه الحقبة احتلت فرنسا الجزائر بينما استولت هولندا على أندونيسيا ، وكانت البرتغال تحتل مساحات شاسعة من شواطىء الهند وجزيرة سيلان وكثيرا من جزر المحيط الهندي وقد عرفت الصين ما يسمى حرب الأفيون "1939-1842" التي انتهت بمعاهدة "تانكان" التي فتحت بموجبها للملاحة البريطانية خمس موانىء من أرض الصين وحصلت بها على جزيرة هونكونج وفي هذه الفترة أيضا اتسعت رقعة الامبراطورية باستيلاء بريطانيا على الهند "1891" واحتلالها لاجوس عاصمة نيجيريا فيما بعد "1851".

هي بلدان مستعمرة ولكي تتقن فن الاستعمار عليها أن تتقن لغة البلد وتعرف  من دينه ما يشبع حاجتها للاستعمار سعيا منها للغزو الثقافي والفكري والاقتصادي  ولذلك  سعت الى البحث والترجمة والتقصي من التراث العربي الإسلامي ليوفروا بذلك الوسيلة المناسبة لنجاح استعمارها.

و قبل هذه الحقبة التاريخية وفي عصر النبي صلى الله عليه وسلم كانت قريش تعتقد أنها ستضيق الخناق على النبي وصحبه لكي لا ينتشر الإسلام فأعدوا له عدة الحروب وطوقوه من كل صوب وألحقوا به الأذى وأدموا قدميه الشريفتين وكل هذا ليسكتوا صوت الإسلام لكنه انتشر رغم جحودهم وحقدهم عليه لأن الرسالة مؤيدة من الله سبحانه وتعالى ، بعدها جاءت جيوش المسلمين وقاداتهم وفتحوا بلاد الشام وجاء عمر بن الخطاب وتسلم بيديه مفاتيح القدس ،و الدليل على أن هذا الدين ستكون له الغلبة مهما كاد له الأعداء هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم عن ثوبان أنه قال صلى الله عليه وسلم  "

إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا - أَوْ قَالَ: مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا - حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

هذا ديننا

فملك الأمة سيبلغ ما زوي للنبي من الأرض ، لكنها بشارة من الرسول أن ملكها أي عدلها كما وصل في العهد السابق الى عقبة بن نافع وحسان بن النعمان وزياد بن نصير وطارق بن زياد وكما وصل الى قتيبة بن مسلم وغيره الى مشارف الصين سيصل حتما ملك الإسلام مرة أخرى وكما بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم وكما أقرت به آيات الرحمان حينما يقول الله عز وجل" هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" ، والدين كله يعني كل ما من شأنه أن يكون دين بمعنى  الأنظمة والأديان التي ظهرت ،الدين ليس فقط الدين الكتابي ، فالمجوسية دين والديموقراطية والليبرالية أيضا أديان والرأسمالية دين لأنها تدين بنظام معين  والناس تخضع لها والعلمانية دين والاشتراكية دين لأنها دينونة بمعنى تدين لنظام معين وتوافقه بالتشريع والقانون .

هي أديان ظهرت في العصر الحديث ، لكنه وعد الله ومبشرات رسوله من أن الدين الإسلامي سيظهر على كل الأديان وله الغلبة مهما تقدمت وتطورت باقي الأديان ،و هناك الكثير من المبشرات والتي هي بمثابة حقائق حدثت في فتوحات أشار اليها الرسول قبل أن تقع ،حينما بشر أن الراكب سيسير من صنعاء الى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على نفسه وعلى غنمه ، وفي غزوة الخندق حينما ضرب الرسول بيده الشريفة على الصخرة وقال فتحت لكم فارس ، هذه نار كسرى تنطفأ أمامي ، وقد حصلت كل ذلك فعلا ، كما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أي المدينتين ستفتح أولا  رومية أم القسطنطينية ،فقال مدينة هرقل أي  الشام والقسطنطينية تابعة لها وقد فتحت  ، ولا تزال الجيوش ترسل منذ عهد الخلفاء الراشدين حتى من الله عز وجل على محمد الفاتح بالفتح ،فهم آمنوا ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم وهو من لا ينطق عن الهوى.

هي حقائق عقدية تتعلق بأن نظام الإسلام حتى وان حدثت له كبوة في غفلة من الزمن حيث زال الإسلام وضعفت الدولة وتعثرت الأمة الإسلامية بسبب أطماع الدول الأخرى على ثرواتها وما حققته ثورات الربيع العربي من خسائر إلا دليل على محاولة طمس معالم هذا الدين بكل الأساليب  ، لكن وعد الله سيتحقق وسيصبح الإسلام هو النظام القادم والقائم بقوة .

و بالعودة الى زوال الدولة العثمانية في آخر مرحلة هنا العالم بدأ يتغير وبدأ يزول تأثير الإسلام كنظام في العلاقات الدولية فاستعمرت بلاد المسلمين ،و قسمت دون أن يكون للأمة الإسلامية رأي في ذلك ، فجاءت الحرب العالمية الأولى التي أظهرت بريطانيا وألمانيا وأوروبا بدلا من الدولة العثمانية وبقي الأمر على ذلك الى أن جاءت الحرب العالمية الثانية ،ليظهر القطبين القويين أمريكا والاتحاد السوفياتي ، لكن بعد حرب أفغانستان انهار الاتحاد السوفياتي حيث ظن العالم أن هذه القوة لا تضعف.

فقد ظن المفكرون من نظام الرأسمالية والاشتراكية أن هذه الأنظمة متغولة ولا تنهار أمثال فرنسيس فوكوياما اقتصادي بارز وهو مستشار الرئيس بوشو قبلها كان مستشارا للرئيس كارتر ،حيث سنة 1990 حينما انهار الاتحاد السوفياتي قام يكتب على أن التاريخ انتهى الى نهايته ،حيث أن الحتمية التاريخية انقلبت على ماركس وأصبحت الرأسمالية متربعة على العالم بدون منافس وهو بذلك يتحدى الإسلام ،حتى يعود نفس الشخص على قول الدكتور محمد الملكاوي عام 2008 أي بعد مرور 18 سنة من كتابته لمقالته تلك ليقول حينما أصاب الرأسمالية ما أصابها من هزات مالية : الآن أمام عيني أشاهد انهيار صرح الرأسمالية ، والكثير من المفكرين والخبراء يقولون أن الرأسمالية ان لم تنهار اليوم ستنهار يوما ما ،و لو أن بذور نهايتها بدأت تنمو من ذاتها وما مسألة الديون ورفعها إلا شكل من أشكال الانهيار .

فالنظام العالمي يتبدل ويتغير من فترة لأخرى وما مسألة القومية لدينا نحن العرب إلا طابعا تحلت به دول والتي ترى أنها رابط يمكن من النهوض بالدول العربية ، لكنها انهارت أمام أعيننا،و بالتالي لن يكون البقاء إلا لهذ ا الدين كنظام راق جدا نشره اطهر الخلق محمد صلى الله عليه وسلم .. فابشروا لآن المستقبل للإسلام بدليل من كتاب الله تعالى ومن أحاديث السنة النبوية لأنهما لا يزولان ولا ينتهيان فهما ثابتان  ودائمان الى أن يرث الله وما عليها .

فطوبى للأمة الإسلامية قاطبة وطوبى لكل من يحمل اسم مسلم ومسلمة.