أسرى وأسر شهداء وكهرباء غزة.. ماذا بعد؟

الأحد, 18 يونيو 2017

بقلم: ياسر الزعاترة *

بشّرنا وزير الخارجية الأمريكي قبل أيام بأن الرئيس الفلسطيني قد استجاب لدعوته ورئيسه ترامب، وتوقف عن دفع مخصصات لعائلات من وصفهم بالقتلة، وهم أبطال العمليات الاستشهادية.

ليس هذا كافيا بالطبع، لكنه خطوة أولى كما يشي كلام الوزير، فما طلبه ترامب من رئيس السلطة في لقاء بيت لحم أكبر من ذلك، إذ طالبه بوقف دفع مخصصات لكل الأسرى، على اعتبار أن ذلك يندرج ضمن إطار التحريض.

الصهاينة بدورهم لم ينتظروا لعبة التراجع التدريجي للسلطة؛ أمام ترامب بالطبع، فأخذوا قرارا من جانب واحد يتمثل في مصادقة الكنيست يوم الأربعاء بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون خصم المخصصات المالية التي تدفعها السلطة الفلسطينية للأسرى والشهداء الفلسطينيين من أموال الضرائب التي يجبيها الكيان لصالح السلطة.

قبل ذلك كانت السلطة، قد أوقفت مخصصات الأسرى المحررين في صفقة شاليط، ووصل الحال بقيادي فتحاوي (يحيى رباح) حد القول إنهم “ليسوا أسرى وليسوا فلسطينيين”، وهم أكثر من 270 أسيرا تحرروا في الصفقة!!

وإذا كان الإجراء الأخير يندرج في إطار الضغط على حماس، فإن اللعبة الأكثر خطورة تتمثل في استجابة الصهاينة لطلبه بتخفيض مخصصات الكهرباء لقطاع غزة، الأمر الذي لا يستبعد أن  يتطور إلى ما هو أسوأ، وهي الإجراءات التي توعّد بها القطاع؛ وبالطبع بشعار جذاب هو الضغط على حماس لإنهاء الانقسام الفلسطيني.

من الصعب قراءة هذه الإجراءات جميعا خارج سياق التطورات التي تجري في الإقليم (الحريق الذي أشعله خامنئي وقابلية بعض العرب للتطبيع)، والتي يعتقد الصهاينة أنهم سيجنون ثمارها، وبالطبع في ظل وجود رئيس عاشق في واشنطن، تستجيب له السلطة بقوة، وها إننا نسمع أنه تنازل عن شرط تجميد الاستيطان من أجل استئناف المفاوضات، فيما يبدي بعض العرب قابلية للتطبيع مع انطلاق تلك المفاوضات التي يعلم الجميع أنها لن تصل إلى نتيجة، اللهم سوى تكريس الوضع الراهن، مع بعض التعديلات، وترك القضايا الكبرى لمفاوضات في زمن آخر لن يأتي، وإذا جاء، فسيكون مجرد تفاوض بلا قيمة، لأن الوضع سيكون مجرد نزاع حدودي بلا قيمة.

في الأثناء ينبغي على السلطة أن تشطب مفردات القضية، برمتها، وتغدو العلاقة مع العدو علاقة جوار، لا تحريض فيها ولا شهداء ولا أبطال، ويُعاقب الأسرى والشهداء بدل أن يكرّموا. أما الجانب الآخر، فيتمثل في تركيع قطاع غزة، وضمّه إلى هذا العبث الموجود في الضفة الغربية، وذلك عبر دفع الناس إلى الانفجار في وجه حماس بوصفها المتسبب، وليس السلطة.

وجود دحلان في القطاع، وما يشاع عن وجود اتصالات له مع حماس، ربما فاقم من حنق السلطة على الحركة، وعلى القطاع، ودفعها إلى إجراءات أكثر إيلاما للوصول إلى النتيجة المأمولة، وهنا تحديدا يلتقي البعد الشخصي، مع البعد المتعلق بالاستجابة للضغوط الخارجية، وإن التقتا على نحو ما، على اعتبار أن استجابة السلطة لترامب، ستمنحها الشرعية، فيما سيجري التلويح لها بدحلان أو بآخر، في حال لم تستجب للمطالب الموضوعة على الطاولة، لا سيما أنها مطالب تحظى بدعم دول عربية كبيرة أيضا.

مأساة كبيرة تعيشها هذه القضية المقدسة، ولا يعرف كيف سيتم تجاوزها، فيما يبدو أنها مرتبطة أشد الارتباط بالتطورات العربية والإقليمية. وحدها انتفاضة شاملة في الأرض الفلسطينية هي ما يمكن أن يخرج القضية من هذا التيه، ولهذا بالضبط يجري بذل كل جهد ممكن لمنع ذلك، وكل الإجراءات التي ذكرنا سابقا تندرج في هذا السياق، أي إبعاد الناس عن كل ما يمت إلى المقاومة بصلة.