اسمعها مني صرخة في حب الجزائر

  • PDF

بقلم: سميرة بيطام
استمعت لبعض فاقدي الأمل ممن عرفت في مهنتي يسخر من حضارة التغيير والتي هي أمل كل جزائري وجزائرية يسري في دمها حب الجزائر قد يكون من استمعت اليه طبيبا أو مهندسا او أستاذا يصرح أن لا فائدة ترجي في بلد شاعت فيه الرداءة بكثرة في المستشفيات والمصحات وقاعات الجراحة وفي الجامعات وقاعات المحاضرات والمدارس والمرافق الأخرى وقد يكون المتحدث فلاحا  ينزوي الى ركن الاحباط ليسمعني انه لا أمل في هذا البلد ولا جدوى من فلاحة الأرض لأن الغيث قليل..أو موظفا اداريا يلوح بقلمه المنكسر  بالفشل أن  نهاية العالم قد قربت....  ما يثير  في عقلي نوعا من الشحنات الزائدة من غضب الوجدان لأني أتفاعل بكل تركيبتي وفكري مع ما أتلقاه من تصريحات خاصة ان ما تعلق الأمر بالجزائر فيتردد على مسامعي عبارة :لا فائدة ترجى هنا فيحدث وأن أشعر برغبة شديدة في ردة فعل قوية تعيد لي توازني النفسي وتحبس حجم العرق المتصبب توترا من مثل هكذا كلام عقيم لا يحمل معه إلا رسالة الجبن والتكاسل وعدم تقييم الجزائر بقيمة الدم والتضحيات لكن أعتقد أن الجواب الكافي والشافي في مثل هكذا أقوال ومع أناس متعلمون ومثقفون أن ماذا تنتظرون لتشدوا حقائبكم وترحلوا عن الجزائر أم  فضلتم  السير على أرضها لأن فيه سلام وتنفستم هوائها لأن فيه أمان ولاعبتم بأزهارها لأن فيه عطر مغاير تماما لعطر أمريكا وفرنسا ودبي..و هلم جرا حينما يحلو التصريح مني أن الجزائر لا تليق أن تحمل على أرضها محبطين أمثالكم ومن لهم مهن متعددة يبحثون من خلالها على لقمة العيش الهنيء..لما تشربون من ماء الجزائر ان كانت الجزائر لا تحمل معنى للحياة  الحقيقي ؟ ولماذا تأكلون من أرضها ان كان الساقي قد يئس من منتوجها..ما هذا المنطق منكم؟ وما هذا التناقض في نفس الوقت هل تحملون جنسية جزائرية وتنتقدون خريطتها ؟..هل تلقبون بالجزائريين ولا تحبون بلدكم؟ ما ذنب الجزائر وأنتم المذنبون في تأخر الرقي فيها ؟ أتمنى أن تعلموا أنكم السبب في جرح الجزائر حينما يتنكر لها أبناؤها نعم هو جرح لأنها الجزائر لا تنسى تضحيات أبنائها الأوائل وتقر بالجميل لكل من مات لأجلها اذا فيه جيل مات لأجل الجزائر وماذا عنك يا جيل الحاضر؟ القمامات حول المنازل بفعل أيديكم وتخريب المنشآت والهواتف العمومية والآلات الالكترونية المصرفية بما كسبت أيديكم واختطاف الأطفال وقتلهم بأيديكم والعنف الممارس ضد الأساتذة بأيديكم وممارسة العنف ضد المرأة بثقافتكم المحدودة وزنى المحارم لجهلكم لحدود دينكم واهمال المرضى بأيديكم ورمي الخبز أمام القمامات بأيديكم فكيف تتهمون الجزائر أنها قصرت في حقكم؟.ثم فيما قصرت والطبيعة الساحرة تلف حدودها فيما التقصير واسمها يلمع في التاريخ بلون الدم والسلام ماذا تريدون من الجزائر وقد أغنتكم بالسلام منها؟.
لست أتجاهل تصريحات لشباب يعلو الكسل محياه وينعم بالنوم ليل نهار ولا يشتكي مللا من الملل لأن الجزائر وفرت له الأكل والهواء والماء ولوازم الحياة لكنه ان حدث لم يجد مالا أو ملبسا غالي الثمن يقول لوالديه : سأترك لكما الجزائر وارحل  وأكون حراقا حيث سأعيش عيش السعداء هذه واجهة أخرى ممن يريد من واقع الجزائر أن يكون مهيأ دائما.أتساءل هنا ان ما كان قد وجد مجاهدو  نوفمبر السلاح والأكل والملبس الكافي لينتصروا على عدوهم ؟ وهل طالب المجاهدون وقتها  الجزائر أن توفر له كل ذلك ليدافع عنها ؟ لم يطلب منها شيء بل أدرك ضرورة تفعيل حب بلده  فراح يتحدى العراقيل وشراسة العدو وأعلنها بالله أكبر جزائر حرة مستقلة.
بصراحة هذا الجيل حري به أن لا يشبع على الاطلاق وحري به أن لا ينام على سرير مريح ما دام لا يشعر بالارتياح في بلده و ما دام لم يحترم الجزائر وجمالها الخلاب وقوة تاريخها والذي هو موسوعة يعجب بها كل من اطلع على تفاصيل الكفاح والجهاد لأناس فاح دمهم مسكا حتى ارتوت منه هذه الجزائر الحبيبة نفسا زاخرا بنسيم الحرية ليأتي اليوم أبناؤها ويملوا من  نسمات هوائها عجبا لجيل ينعم بالحرية بسبب تضحيات شهداء ويتناول اللقمة بيد ويمل البلد  بيد أخرى.
أوجه سؤالي لمن مل العيش في الجزائر : ماذا قدمت للجزائر حتى تحتج بأنها لم تعد تليق بكمالياتك وبالموضة التي تبدو على مظهرك ؟ ألم تفتح عينيك على جزائر مستقلة ؟ ثم الشعوب هي من تبني وترتقي ببلدانها وتصنع قرار التحضر بنفسها ولها ولا تنتظر توجيها من أحد فيما يتعلق بنظافة الشوارع وحماية المساحات الخضراء والتطوع لسقيها في حملة تنشيطية وكذا المحافظة على مرافقها والتي هي ملك للدولة وفرتها لهذا الشعب كحق من حقوقه..فأين حب الجزائر هنا ؟.


و للعلم الشعوب الذكية هي من تحب بلدها لحد أن تتشبع بهذا الفضل من الاعجاب وهي من تصنع قرار التغيير نحو الأفضل دائما بكل ديمقراطية نزيهة وهادئة تحفظ للبلد ميراثها من الموجودات ليس لهذه الشعوب ثقافة الكف عن صناعة القرار حتى الضجر ثم ماذا تنتظرون أن تجدوا البديل لنفحاتكم الكمالية ؟ هبوا أفواجا وسافروا برا وبحرا وفوق التراب وتحت الأنفاق ارحلوا ووفروا الحمل الثقيل على الجزائر بعد أن لم تعد تعجبكم وانعموا بتراب البلد الذي سافرتم اليه لكن تأكدوا أنكم لن تجدوا هواءا صافيا حرا أصيلا مثل هواء الجزائر ثم هذه الجزائر هي رائعة حتى في صبرها على طيش هذه الجيل المخادع لأفكارنا نحن من نعشق البلد لحد لا يوصف لا لشيء سوى لأن هذا الجيل استورد ثقافة العيش بلا تعب واللبس بلا جهد وصنع لنفسه تهديدا بهذه العبارة : وفروا لنا ما نريد وإلا فبالمشاكل نحصل على ما نريد.عجبا والله من أشباه الرجال حينما يطمحون في أن يصبحوا رجالا من غير عدة أخلاق ولا علم ولا وعي ولا ثقافة دينية  وهم لم يتقنوا فن حب الجزائر والحفاظ عليها كأدنى مستلزمات التعبير على المواطنة   ولو ملكت صناعة القرار لجمعتهم واطلقت صراحهم في أرض الجزائر يحصدوا منها الأشواك الشائكة حتى ينتهوا وهي بمثابة عقوبة ليحفظوا عن ظهر قلب أن أرضا ارتوت بالدم يجب أن لا ينبت على أرضها إلا الاخضرار والورد والياسمين وما جاور ذلك من أشواك ونباتات متطفلة  فهو مضرة لجمال بلدي يجب أن تنقى منها وما بالك بالمضرة الأخلاقية والثقافية والاجتماعية.
و لمن لم تعجبه الجزائر سأستشهد ببعض ما كتب الدكتور رمضان بورغدة في كتابه  الثورة الجزائرية والجنرال ديغول وهو موجود على رفوف مكتبة متحف  المجاهد لمن يريد الاطلاع حيث ورد ذكر أنه كان لتزايد قدرات جبهة التحرير الوطني ونشاطاتها العسكرية دورا واضحا في اثارة اهتمام الرأي العام الدولي وفي فرض نفسها كطرف أساسي لا يمكن تجاهله اذا أريد للمشكلة الجزائرية أن يكون لها حلا سياسيا توافقيا خاصة بعد هجمات الشمال القسنطيني يوم 20أوت 1955 التي شنتها قيادة المنطقة الثانية وعلى رأسها زيغود يوسف ضد مختلف المراكز الاستعمارية المنتشرة في هذه المنطقة الواسعة وكان من بين أهدافها الأساسية : اسماع صوت الثورة الجزائرية في المنابر الدولية وهو ما حدث فعلا حيث قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 01/10/1955 تسجيل القضية الجزائرية على جدول أعمالها بعد أن وافقت على ذلك 28 دولة من أعضائها مقابل اعتراض 27 دولة أخرى و امتناع 05 دول عن التصويت وقد اعتبر ميثاق الصومام أن مؤتمر باندونغ والدورة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة يرجع اليهما الفضل في هدم هذه الأسطورة الرسمية القائلة بالجزائر الفرنسية وأضاف البيان  متسائلا ومستنكرا هذه الأسطورة التي تتنافى مع منطق الأشياء ومع جغرافيا الجزائر وتاريخها وتقاليدها وتراثها الثقافي فقال و هل يعقل أو يمكن أن تغير جنسية شعب لمجرد غزو بلاده واحتلالها من طرف جيش أجنبي؟ .
هؤلاء هم الرجال حقا من أحبوا الجزائر ورسموا خطوطا حمراء لتاريخها ولتراثها ولهويتها  وقدموا الغالي والنفيس لتحريرها هؤلاء هم الرجال حقا من أمضوا امضاءة شهيد وفعلوها عن جدارة وأصبح العالم اليوم ينبهر لصنيعهم من تكون أيها الجيل لتعيب على الجزائر في عطائها أو أنها لم تقدم لك ما تريد وعلى نحو ما تريد ؟ ثم ماذا تريد وأنت في حرية وأمن على أرضها ؟ ما هي مقوماتك وصفاتك ومؤهلاتك حتى لم تعجبك الجزائر والأصل أنك  فاقدا للقوامة في بر والديك أولا كنموذج للشخصية القوية والمطيعة فاقدا لمصل الحقيقة التاريخية الجزائرية حينما لم تبحث لفهم تاريخ أجدادك من تكون أنت أيها الجيل  حتى تسمح لنفسك اليوم بأن تصرح بهذا الملل  والأمر يتعلق بالجزائر ؟ ولو كان أمرا شخصيا لما همنا الأمر ولكن أن يصل الأمر لأن تكثر النفايات فوق أرض الجزائر الطاهرة وتمتلأ حواف طرقاتها بزجاجات خمر وعلب السجائر الفاخرة كعنوان للإهمال وانتحار الضمير فبإمكاني  القول لك  أن اجمع معنوياتك وأعد تصفيف شعرك على النحو المؤدب واسمعني جيدا ان  قدمت لك درسا في حب الجزائر سأخاطبك بقول مفدي زكرياء عن زبانا كنموذج للرجل الحر لتتذكر مني دائما أن الجزائر كبيرة جدا وراقية أكثر مما تتصور أيها الشاب وأيتها الشابة الجزائر عملاقة التاريخ لأن زبانا منها والقائمة أمثال زبانا طويلة جدا من ضحوا لأجل الجزائر الغالية:
أنا إن مت فالجزائر تحيا حرة مستقلة لن تبيدا
قولةٌ ردَّد الزمان صداها قدُسِياً فأحسنَ الترديدا
احفظوها زكيةً كالمثاني وانقُلوها للجيل ذكراً مجيدا
وأقيموا من شرعها صلوات طيبات ولقنوها الوليدا
زعموا قتلَهةوما صلبوه ليس في الخالدين عيسى الوحيدا
لفَّه جبرئيلُ تحت جناحي ه إلى المنتهى رضياً شهيدا
وسرى في فم الزمان زَبَانا … مثلاً في فم الزمان شرودا
يا زبانا  أبلغ رفاقَك عنا في السماوات قد حفِظنا العهودا
قد أختم بهذا السؤال لك أيها الجيل الصاعد : هل منكم اليوم من يقبل أن يكون زبانا آخر يضحي من أجل نهضة  الجزائر ورقيها وتحت قسوة المقصلة ؟.