الغاية تبرر الوسيلة ولكن عن أي غاية كان ميكيافيلي يتحدثُ؟

  • PDF


بقلم: فوزي حساينية*
الغاية تبرر الوسيلة من منا لم يسمع يوما بهذه العبارة ومن منا لا يعرف أن قائلها هو المفكر السياسي الإيطالي ميكيافيلي ! الذي توفي سنة 1527 لكن في أية ظروف قال ميكيافيلي حكمته الأثيرة هذه؟ من المهم أن نعرف أن ميكيافيلي عاش في زمن كانت فيه بلده إيطاليا مجزأة ومقسمة إلى ممالك وإمارات متخاصمة متنابذة لا تقصر في الاستعانة بالقوى الأجنبية ضد بعضها بعض مما جعل إيطاليا فريسة سهلة وهدفا مباحا لاعتداءات الدول الأجنبية وغزواتها المتكررة وسط لا مبالاة من الأمراء والحكام الذين كانوا يحكمون مختلف الممالك والمدن عبر إيطاليا المجزأة المقسمة كان ميكيافيلي الذي خَبِرَ دخائل السياسات الإيطالية عن قرب يتألمُ لهذه الوضعية التي تعيشها إيطاليا وتزداد ألامه مع استحضاره الدائم للإمبراطورية الرومانية وأمجادها الغابرة وسط واقع مؤلم يجعل من أي حديث عن استرجاع الماضي المجيد مصدرا إضافيا للألم والكدر الروحي.
كان ميكيافلي قد أيقن من خلال تعاملاته وتجاربه ومعايشته للأحداث أن هؤلاء الأمراء وحكام المدن لا يترددون في أن يفعلوا أي شئ للاحتفاظ بمراكزهم ونفوذهم ولو على حساب الحلم الإيطالي في تحقيق الوحدة والقوة واستعادة الأمجاد الذي كان هو حلم ميكيافلي وحلم العديد من الإيطاليين آنذاك.
ولذلك خلص ميكيافلي إزاء أوضاع مستعصية كهذه أنه إذا ما وجد أمير إيطالي يستطيع أن يقضي على هؤلاء الحكام والأمراء ويوحِّد إيطاليا تحت سلطته فإن أية وسيلة يستخدمها هذا الأمير في سبيل تجسيد الوحدة الإيطالية ستكون مشروعة ولا غبار عليها بغض النظر عن لا أخلاقيتها في ذاتها كوسيلة مجردة كالرشوة والغدر والقتل والتآمر وإخلاف الوعد فهي تصرفات مدانة أخلاقيا غير أن الأمير المأمول وجوده إذا وظفها في سبيل القضاء على أحد خصوم الوحدة فالوسيلة اللا أخلاقية في هذه الحالة تستمد أخلاقيتها أو تبريرها الوجودي من عظمة الهدف ونُبلِ المقصد وجسامة التحديات. وعليه فميكيافلي لم يتحدث أو بالأحرى لم يكن تركيزه منصبا على الغاية التي تبرر الوسيلة فيما يخص الأغراض الصغيرة أو الغايات التافهة وإنما كان مشغولا بغاية عظيمة وكبيرة مما يجعل من الوسيلة أو الوسائل المستخدمة مبررة ومقبولة وفق رؤيته للأمور الوحدة الإيطالية هي الغاية أما الوسيلة المشروعة فهي كل ما يساعد على تحقيق هذه الغاية الكبيرة.
ونحن نتحدث عن ميكيافلي لا بد من توضيح أمر من الأهمية بمكان فقد ذكر الكاتب الراحل عباس محمود العقاد أن ميكيافيلي وفي رسالة إلى أحد أصدقائه قال: إن كتاب الأمير هو نزعة هوى يُشير بذلك إلى أن تأليفه لهذا الكتاب لم ينطلق من تركيز وقناعات فكرية موثوقة لكن الآراء السياسية الحقيقية لمكيافيلي موجودة في كتاب آخر له يحمل عنوان المطارحات فكتاب الأمير الذي تُلخِصه مقولة الغاية تبرر الوسيلة هو الأكثر شهرة لكن كتاب المطارحات هو الأكثر تعبيرا عن الهواجس والرؤى الفكرية التي لازمت هذا المفكر والسياسي الإيطالي عبر مساره الشخصي والسياسي.. 
*إطار بمديرية الثقافة لولاية قالمة