الحوت الأزرق والجِنس المتوفق!

  • PDF


بقلم: يونس بلخام
لم أهضم بعد حقيقة أنّ الطفل أنيس قد أقدم على الإنتحار بسبب لعبة إلكترونية تدعى الحوت الأزرق ذلك أنني لا أجد أيّة أسباب مقنعة وواقعية قد تدفع به لذلك خاصةً وأنه يعيش وسط حضن أسرة تهتم به ولا تُشعره بأنه وحيدٌ أو منبوذ وسط مجتمعه كما نلاحظه عند أقرانه ممّن عانوا من ويلات اليُتم وحالات الطلاق والنزاعات العائلية وما يؤكد ملاحظتنا هذه ما لاحظناه من علامات تأثر بادية على محيّا والده المفجوع الذي لم يهضم هو الآخر حقيقة أن لعبة إلكترونية أودت بحياة فلذة كبده كما أن الأمر كذلك أو أكثر بكثير عند والدته المفجوعة هي الأخرى كلامنا هذا ينبع من منطلق إجتماعي بحت ليومياتنا الإجتماعية وسأتطرق في باقي المقال إلى مقاربة قد تحمل قارئها والمتمعن فيها على الإستغراب وتولد فيه شيئا من الدهشة إلا أنها مقاربة فيها من المنطق ما يحملنا على تصديقها.
هذا ما دفعني وحملني على البحث وجمع أكبر عدد من المعلومات والتفاصيل حول هذه اللعبة الغريبة من غير إسمها الغريب (الحوت الأزرق) فإن هذه اللعبة قد اخترعت من قبل شاب روسي يبلغ الواحد والعشرين من العمر وهو حسب تقارير إعلامية عالمية رهن الإعتقال والتحقيق وقد أدلى هذا الشاب بإفادته لدى التحقيق معه وسؤاله عن سبب إختراع هذه الآلة الحاصدة للأرواح البريئة خاصة الأطفال والمراهقين فأجاب بقوله أن مثل هؤلاء ممّن تجعلهم اللعبة ينتحرون هم عالة على البشرية أو كما أطلق عليهم عالة بيولوجية لا تستحق أن تمنح لها فرصة تعمير هذه الأرض !
هذه الأفكار والمعتقدات الصادرة من عقل هذا الشاب مخترع اللعبة ليست أفكار وليدة العصر الحديث وليس له السبق في الإتيان بها فلا نستغربنّ ما ذهب إليه لمّا نقرأ رواية الكاتب الروسي الشهير فيودور دويسفسكي المعروفة بعنوان الجريمة والعقاب هذه الرواية التي تضم جزءين تدور كل أحداثهما حول نفس الفكرة التي اعتنقها هذا الشاب مخترع اللعبة ففي الرواية الأدبية يخبرنا دويستويفسكي على شاب روسي مثقف من بيطرسبورغ يدعى راسكولنيكوف هذا الأخير ولتأثره بأمجاد قومه وكذلك تأثره بنابليون وصل إلى نتيجة أو لنقل خلاصة جوهرها أن هناك بعض الأصناف البشرية التي لا تستحق العيش على هذه الأرض ويجب التخلص منها لحياة أرقى وأرفه!
من خلال هذه الرواية الشهيرة وغيرها من الروايات يمكننا أن نستخلص الدافع الذي دفع بهذا الشاب لابتكار هذه اللعبة والتي حصدت مئات الأرواح حول العالم من خلال ما تدسه مراحلها من استفزاز لعقل مستخدمها بطريقة حيّرت علماء النفس والإجتماع لدرجة أن عديد الناجين من الإدمان عليها أكدّوا أنهم لم يستطيعوا أن يتوقفوا عن اللعب بإراداتهم ولولا تفطنُ أقربائهم وعائلاتهم لبلغ بهم الأمر مبلغ من نالت منهم اللعبة .
نجد كذلك هذه الأفكار السادية الباثولوجية كانت قد انتشرت وبكثرة قبل الحرب العالمية الثانية وحتى بعد انتهائها وكانت سببا بارزا ورئيسيا في إندلاعها وحصدِها لأكثر من 60 مليون نفس بشرية وسببت للعالم دمارا شبه شامل حيث بدأت بأعتقاد الزعيم النازي ادولف هتلر أن العرق الآري الجرماني هو الوحيد الذي يستطيع ويجب عليه تعمير الأرض والعيش فيها لوحده ذلك لأن الطبيعة هي من اصطفته وأكدّت قدرته على التأقلم واختارته دون باقي الأعراق إلا أنّ هذه الإعتقادات تلاشت وتبين أنها مجرد أفكار لا أساس لها من الصحة والإقتياد وراءها ما هو إلا صورة من صور السادية المرضية التي تتملك الأشخاص في حالات من الوحدة والعزلة والتراكمات السايكولوجية المتولدة أساسا من إضطهادات إجتماعية أو عرقية .
نجد كذلك نظرية الإصطفاء الطبيعي لداروين والتي تقِرّ بأن الطبيعة تنتقي الأنسب والأقوى للبقاء على قيد الحياة والأفراد اللذين يحملون مورّثات أو صفات وراثية تسمح لهم بالتأقلم ومسايرة المحيط والبيئة التي تتغير بإستمرار وهو ما يُحتمل أن تضمره أفكار مخترع هذه اللعبة ليحقق أو يحاول إيجاد مبررات لنظرية أحدثت لغطا علميا كبيرا منذ التوصل إليها وحتى خلال مراحل تطورها على يد علماء بيولوجيين آخرين.
لعبة الحوت الأزرق وما حدث مع الطفل أنيس هو امتداد للأفكار السادية وحالات من الباثولوجيا والهوس الإثني التي تتملك بعض الشعوب وتدفعهم للإنتقام من غيرهم بحجج واهنة لا تعكس إلا موروثا ثقافيا شهد حالات من الإضطراب والصيرورة التاريخية المتسارعة التي شهد تباطؤا بعد الحرب العالمية الثانية مع إنتهاء الحقبة النازية إلا أنها لم تختفي نهائيا وما تفتؤ بالظهور من مدة إلى أخرى.
قد يبدو مقالنا هذا غريبا إلا أنها مقاربة إبستيمولوجية بين هذه اللعبة وما يعرف بالجنس المتفوق ونظرية الإصطفاء الطبيعي لداروين إضافة إلى تطرق الأدب العالمي الروسي والألماني لهذه الأفكار وما نجم منها من اعتناق مبالغ فيه تسبب في حالات كثيرة بموت وإزهاق أرواح بريئة راحت ضحية مبادىء إثنية .