الاحتفاء بذكرى مولد النبي العظيم

  • PDF


 بقلم: رحيل محمد غرايبة
الاحتفاء بذكرى مولد النبي محمد عليه الصلاة والسلام يمثل أحد أوجه التعبير الشعبي والرسمي عن الاهتمام الكبير بشخصية عظيمة كان لها أثر كبير وجذري عميق على المستوى العربي والمستوى الانساني الواسع بطريقة تستحق الإبراز والإظهار والتوضيح من عدة جوانب كلها على جانب عظيم من الأهمية.
الجانب الذي ينبغي لفت الانتباه إليه يتمثل بمسألة الاحتفاء بالعظماء لدى جميع الأمم والشعوب على مدار الأزمان وفي كل الأماكن لأن الأمة التي لا تعرف عظماءها ولا تقدرهم حق قدرهم سوف تكون عاجزة عن انجاب العظماء في حاضرها ومستقبلها وإذا كنا نتحدث عن شخصياتنا العظيمة في تاريخنا كله على امتداد الزمن لن نجد أعظم قدراً ولا أكثر أثراً ولا أفضل عطاء من شخصية النبي محمد على صعيد العرب أولاً وعلى صعيد المسلمين ثانياً وعلى الصعيد العالمي والإنساني والفكري والخلقي أيضاً فهذا الأمر مدعاة للفخر والاعتزاز من كل عربي سواء كان مسلماً أو غير مسلم ومن كل مسلم عربيا كان او غير عربي ومن كل المنصفين من أصحاب العقول الذين يقيمون وزناً للفكر والثقافة والعلم والقيم.
هناك من يركز في احتفائه بهذه الذكرى على الجانب العقدي والديني المحض فله ذلك فتجده يركز على مسائل النبوّة ويكون أكثر التفاتاً إلى جوانب المعجزات والخوارق التي خص الله بها أنبياءه وفضلهم على كثير من الناس وربما ينطبق ذلك على جميع الأنبياء والرسل امتثالاً لقوله تعالى (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَد مِّن رُّسُلِهِ) حيث تقوم العقيدة الإسلامية التي أتى بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على ركن الايمان المهم الذي لا يستقيم اسلام المسلم الا به وهو الايمان بجميع الأنبياء والرسل جميعا بلا استثناء والايمان برسالتهم وما أنزل الله اليهم من كتب وصحف وأنهم كلهم جاءوا يدعون إلى الايمان بالله الواحد الأحد ويدعون إلى محاسن الأعمال وفضائل الأخلاق ووصف الرسول محمد نفسه مع إخوانه من الرسل سابقاً كمثل بناء كامل تام وبقي فيه موضع لبنة فجاء الرسول محمد ليكمل هذا البناء ويضع هذه اللبنة ولذلك ورد في الحديث عنه قوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
لكن الجانب الذي يستحق مزيداً من التجلية والتوضيح أن الرسول محمد جاء من أجل بناء الإنسان وتفعيل دوره العظيم في الحياة من خلال مفهوم إعمار الكون والخلافة في الأرض التي لا تقوم إلا بالعلم والعدل والخلق العظيم وجاء الرسول محمد ليعيد بناء العرب ويلم شعثهم ويوحدهم عبر إطار مدني قائم على الخبرة البشرية والجهد البشري والانطلاق في عملية بناء القوة الذاتيةبالاعداد وبذل الجهد والاخذ بالاسباب ومن خلال القدرة على تحصيل القدرات المعرفية والعلمية التي تؤهلهم لكشف مجاهيل الكون ومعرفة أسراره وقوانينه وخوض معركة التنافس مع الأمم الأخرى في الإنجاز الحضاري الكبير وخدمة الإنسانية جمعاء وجعل من العرب حملة رسالة وقادة فكر وإصلاح وحرية ويشكلوا نواة صلبة لمجموعة كبيرة من الشعوب والأمم التي آمنت برسالتهم ومنظومتهم الفكرية والقيمية وارى ان هذا اكثر اهمية واعظم فائدة من الحديث حول حنين الجذع وشكوى الجمل وغنمة ام معبد وخروج الماء من بين اصابعه .
ومن هذا المنطلق فإننا جمعياً مدعوون للاحتفاء بمولد الرسول العظيم وهذه الشخصية العظيمة ولا يقتصر الاحتفاء على فئة من فئات الأمة ولا طائفة من طوائفها ولا على المتدينين منها وإنما ينبغي الاحتفاء من كل من يشكل جزءاً من هذه الأمة العظيمة وينتمي إلى تاريخها وتراثها وحضارتها وقيمها وهويتها الجامعة بعيداً عن الانتماءات الفكرية والدينية والمذهبية والعصبيات المختلفة والشنشنات الجاهلية وإنما نحتفي به وبذكراه العطرة من خلال  الاجابة الجماعية عن سؤال كيف نعيد بناء أمتنا ونوحدها ونعيد تفعيل الانسان العربي والمسلم؟ لنكون قادرين على تفعيل انساننا ومجتمعاتما وأقطارنا وامتنا بجميع مكوناتها من أجل حماية حدودنا وثرواتنا ومقدراتنا وانجازاتنا بعيداً عن النزاع والفرقة والاقتتال الداخلي.
من أشد ما يدعو للأسف في الوقت الحاضر أن نجد من يدعو إلى الاحتفاء بعظماء الأمم الأخرى الذين عملوا لأممهم وشعوبهم ويتنكر لعظماء أمته الذين أسهموا في بنائها الفكري والمادي والذين كان لهم فضل عظيم عليه وعلى الامة وعلى العالم كله ويدعو من حيث يعلم او لا يعلم إلى التبعية والذيلية للآخرين بطريقة انهزامية بعيدة كل البعد عن أدنى درجات الانتماء واحترام الذات والانتساب لهويته الفكرية والحضارية.