جرائم فرنسا في الجزائر لا تقل عن جرائم النازية يا ماكرون !

  • PDF

بقلم: الطيب بن ابراهيم*
بكل هدوء وموضوعية وبعيدا عن الاندفاع والعاطفة نحن لا نقلل من جرائم النازية البشعة ولكننا نرفض من يقلل من جرائم فرنسا في حقنا سواء عن جهل أو عن قصد. فمن الإجحاف وعدم الإنصاف أن نجرِّم دولا غير فرنسا على ما ارتكبته من جرائم إنسانية في حق ضحاياها ويعد ما ارتكبته بالنزر القليل مقارنة بما ارتكبته فرنسا في حق الجزائريين وفي أفضل الحالات هو مساو له حتى أن النازية التي أرعبت العالم وتميزت بالعنصرية واعتدت على الشعوب الحرة والديموقراطية لم تأت بشيء جديد لم تسبقها له فرنسا من قبل في الجزائر؟ . 
لقد عانينا من كل أنواع الاحتقار والتمييز العنصري الفرنسي والظلم والعدوان حيث اغتصبوا أرضنا واستوطنوها ونهبوا أملاكنا وثرواتنا ومواردنا وتعرضنا للفقر والجهل والأمراض والأوبئة والجوع والبؤس والحرمان والتشرد والتهجير والتنصير وتعرضنا لكل أنواع وصنوف التعذيب بالماء والكهرباء والبرد والشمس والحرق والصعق والتعليق على الأشجار والأحجار والشاحنات ونزع الأظافر وقطع الأعضاء وخلع الملابس ونهش الكلاب والاغتصاب وعانينا من كل أنواع القتل من شنق وحرق وغرق وقطع للرؤوس وقتل بالدهس وبالتعذيب وبالمسدسات والبنادق وبالمدافع والطائرات والدبابات والألغام وحرق بالنابالم وأجريت علينا التجارب النووية. بل الغوا حتى وجودنا في الحياة كجزائريين بعد أن ادعوا امتلاك أرضنا فهل ما فعلته النازية الألمانية في فرنسا أكثر مما فعلته النازية الفرنسية في الجزائر ؟!.
إذا كانت جريمة النازية التي لم يعترف بها الألمان هي حرق بعض ضحاياها ألم يعترف ويتفاخر الضباط الفرنسيون أنفسهم بحرق الجزائريين الذين كانوا يفرون للجبال والمغارات والكهوف للاحتماء بها من بطش الجيش الفرنسي بل احرقوهم في قراهم ومداشرهم وإذا اتهمت ألمانيا بقتل الملايين من شعوب مختلفة الم يعترف المؤرخون الفرنسيون بقتل ستة ملايين من الجزائريين وإذا كانت النازية واجهت شعوبا تفوقها في العدد والعدة كبريطانيا وفرنسا وروسيا وأمريكا الم تواجه فرنسا شعبا اعزل لا يقارن في عدده وعدته ولا يملك قوت يومه وإذا كانت النازية شنَّت عدوانها على ضحاياها خلال خمس أو ست سنوات ما بين سنتي 1939 - 1945 فان عدوان فرنسا تواصل على الجزائر خلال قرن وثلث القرن!!.
الم ينتشر الحقد والعنصرية والانتقام الفرنسي في الجزائر في كل اتجاه الم يطل الحقد والانتقام شنق وخنق الأفراد والجماعات والزعماء والقيادات الم يطل الانتقام حتى المقدسات والمساجد التي كان المحظوظ منها حُوِّل لكنائس وغيرها دُنِّس وحُوِّل لإسطبلات ولمخازن الم يطل الحقد والانتقام الأحياء والأموات على حد السواء فكان جيش فرنسا الذي لا يقهر يلجأ لتفجير الأضرحة والعبث بالقبور انتقاما من ضربات المقاومة واللجوء للتنكيل بالشهداء انتقاما لضحاياه....
حتى النازية التي أصبحت عدوة الشعوب الحرة وعدوة الديمقراطية والتي جرّمها العالم وصنِّفت جرائمها بأنها الأبشع وفعلت فيها الدعاية فعلتها وسلِّطت عليها الأضواء كان الخطأ القاتل الذي ارتكبته هو اعتداؤها على الرجل الأبيض على الإنسان الأوروبي على أوروبا بما فيها فرنسا وبريطانيا كان خطؤها القاتل الذي جلب لها العار والدمار هو عدوانها على السادة الكبار لكن لو كان اعتداء النازية اقتصر على الفقراء الصغار على الشعوب غير الأوروبية في إفريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية كما فعلت الإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية الفرنسية اللتان أبادتا الملايين واستعبدتا مئات الملايين وكما أبادت قبلهما اسبانيا وأمريكا الهنود وكما فعلت بالأمس القريب أمريكا بالعراق وإسرائيل بغزة فلا حرج فالجنس الآري الأبيض سيد الأجناس البشرية هو يؤمن بوصايته على غيره من الشعوب الأخرى وصاية سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية لقد أصاب المفكر الفرنسي روجيه غارودي عندما وصف بني جنسه لما ارتكبوه من جرائم في حق غيرهم من الشعوب غير الأوروبية ب الشرِّ الأبيض وكان شاهد عيان على ما فعلته دولته فرنسا الاستعمارية في الجزائر عندما كان أسيرا في عين وسارة بالجلفة سنة 1945. 
وإذا كانت النازية الألمانية برَّرت ما فعلته ببعض جيرانها وأبناء جلدتها بما لحق بها من عار ودمار وإهانة وإذلال خلال مؤتمر الصلح بقصر فرساي سنة 1919 حيث طُلب من الوفد الألماني أن يوقع على بنود الاتفاق الظالم في قاعة المرايا دون أن يسمح له حتى بالجلوس فهل كان لفرنسا أي مبرر لما فعلته ضد الجزائر التي ساعدتها في أزماتها العسكرية والاقتصادية وكانت فرنسا مدينة لها قبل أن تغدر بها؟! .
هذا فيما بخص مقارنة جرائم فرنسا المرتَكَبَة في الجزائر بما ارتكبته ألمانيا النازية ضد ضحاياها ومن جهة أخرى لا مجال أيضا للمقارنة بين جرائم فرنسا في الجزائر وجرائمها في بقية مستعمراتها الإفريقية .
قال الجنرال ديغول في مذكراته جزء الأمل: لقد كانت الجزائر تحتل في حياتنا القومية أهمية لا مجال للموازنة بينها وبين بقية البلاد التي كانت تابعة لنا . 
إذن من الإجحاف وعدم الإنصاف إذا كان الفرنسيون يعترفون بتميز موقع الجزائر جغرافيا عن غيرها أن ننكر ذلك التميز في التاريخ وأن نصف ما حدث في الجزائر في عهد الاحتلال الفرنسي منذ سنة 1830 بأنه مجرد استعمار فرنسي عادي كبقية مستعمرات فرنسا في القارة الإفريقية.صحيح أن فرنسا استعبدت شعوب مستعمراتها ونهبت طاقاتها ومواردها وكل خيراتها وأورثتهم الفقر والجهل والأمراض والبؤس والحرمان وهذا ما تساوت فيه الجزائر مع غيرها من المستعمرات الفرنسية الأخرى.
لكن ما ميز الاستعمار الفرنسي في الجزائر هو ما لم نجد له مثيلا في أي مستعمرة فرنسية لأنه بقدر ما تميزت به الجزائر على غيرها من المستعمرات الفرنسية من استماتة في المقاومة وتعددها وتواصلها وطول نفسها وطول قائمة ضحاياها بقدر ذلك تميزت ردود الفعل الفرنسية ضد الجزائريين بصنوف من التعصب والعنصرية والحقد والانتقام والبطش الذي لا نظير له في أي من مستعمراتها منذ مذابح الأيام الأولى للمقاومة سنة 1830 مرورا بمجازر 8 ماي سنة 1945 إلى مذابح ثورة نوفمبر 1954.
وأيضا مما تميزت به الجزائر عن غيرها من بقية المستعمرات الفرنسية هو وجود مئات الآلاف من المستوطنين الذين تدفقوا على الجزائر لاستيطانها وطرد أهلها بعد قرار الإلحاق الشهير الذي صدر في شهر جويلية سنة 1834 والذي ادعت فيه فرنسا ملكيتها للجزائر التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من أراضيها فهل من مستعمرة أخرى في إفريقيا ادعت فرنسا أنها امتداد لها فيما وراء البحر وأخضعتها لعملية الفرنسة والانصهار والذوبان في الكيان الفرنسي؟! .
اعتقد أن مصطلح النازية الذي توصف به جرائم ألمانيا ابلغ من مصطلح استعمار الذي يطلق على ما حدث في الجزائر من طرف فرنسا منذ سنة 1830 فهو غير مُعبِّر وغير دقيق واعتقد أن علماء فقه اللغة واللسانيات مطالبون بالبحث عن مصطلح أدق منه وابلغ وصفا لما حدث وإن كان بعض مفكرينا أطلق وصف الاستدمار بدل الاستعمار كما كان يصف المرحوم مولود قاسم جرائم فرنسا ومرة ثانية نقول هل ما فعلته النازية الألمانية في فرنسا أكثر مما فعلته النازية الفرنسية في الجزائر ؟ !أم أن ما ارتكب من طرف الألمان كان ضد الأوربيين وما ارتكب ضد الجزائر كان من طرف أوروبي!!.