الجدار العربي

  • PDF


بقلم: رحيل غرايبة*
كان سد مأرب إحدى معجزات دولة سبأ التي كانت تشكل واحدة من الحضارات الإنسانية السابقة في العالم القديم في أرض اليمن حيث استطاعت هذه الدولة أن تنجز سداً مائياً ضخماً نشأت حوله منظومة زراعية متقدمة وحالة اقتصادية مزدهرة وقوة سياسية وعسكرية مهيبة ثم آلت هذه الدولة إلى الانهيار والخراب وتقول بعض الروايات التاريخية أن انهيار هذه الحضارة الكبيرة كان بسبب غفلة قيادة الدولة عن الخلل الذي بدأ في جسم السد نتيجة العبث الذي بدأته مجموعة الفئران في غفلة من أصحاب المسؤولية الذي أدى إلى تقويض السد.
الموقف العربي الذي يتم بناؤه اليوم في وجه الهجمة العدوانية على القدس والأقصى يشكل بارقة أمل في محاولة لملمة الصف العربي وتوحيد الرؤية العربية الإسلامية حول القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية والذي يحظى بتأييد عالمي واسع يقوم على اعتبار القدس أرضاً محتلة بكل شرائع الأرض والسماء لكن الخوف من طروء بعض الخلل واحداث ثغرات وهنات في الجدار العربي تؤدي إلى انهياره وخلخلة الموقف وضعفه ومن ثم ضياع التأييد الإسلامي والعالمي.
لا جدال ولا مماراة في ضعف الحالة العربية وبؤسها ولكنها تملك مقومات النهوض وما زال لدى العرب كثيراً من أوراق القوة تبدأ بامكانية صياغة رؤية عربية مشتركة موحدة حول القدس والأقصى وهذا يحتاج إلى التزام مبدأي بهذه الرؤية تصلح أن تشكل قاعدة لبناء برنامج سياسي ودبلوماسي عربي فاعل وليس ذا كلفة عالية ولا يترتب عليه مخاطر خارج سقف التوقعات المعقولة.
الشعوب العربية يجب أن تتحمل مسؤوليتها في صناعة دور جماهيري ضاغط على الأنظمة العربية الرسمية في عملية بناء الجدار العربي المتماسك في مواجهة العواصف والأنواء التي تهدد الوجود العربي لمصلحة الكيان المحتل وعلى الأنظمة العربية أن تدرك تمام الإدارك بأنه لن تستطيع تحقيق حضورها السياسي ضمن المعادلة الإقليمية والعالمية إلاّ من خلال قدرتها على تحقيق التفاف جماهير شعبها حولها وأن تعمد إلى كسب شرعية وجودها من خلال هذا المصدر الوحيد.
الدور الشعبي يحتاج إلى معاضدة من العاملين في الوسط الإعلامي من أجل تسليط الضوء على مواقف الأقطار العربية ومراقبة أي خلل مهما كان بسيطاً يؤدي إلى زعزعة الموقف العربي وخلخلة الصف وتحطيم الجدار وتحويل صلابته المتوقعة إلى سيولة مائعة بلا قوام وبلا أثر في عملية المواجهة المفروضة.
الطرف الذي يجب أن يلعب الدور الأكثر أثراً والأكثر حضوراً هم الشباب والأجيال الجديدة التي سوف تصنع المستقبل المطلوب الذي ينبغي أن يكون مختلفاً اختلافاً كلياً من حيث الرؤية والأدوات والوسائل والاتجاهات والتحالفات والمواقف ولذلك ينبغي أن يفتح الباب على مصراعيه أمام المبادرات المجتمعية بوجه عام والمبادرات الشبابية بوجه خاص التي تتيح إنشاء اتجاهات سياسية وبُنى جماعية جديدة تنطلق من رؤية الواقع وفهمه فهماً سليماً نحو مزيد من الفاعلية للكتلة البشرية العربية الكبيرة المهمشة بفعل السياسات الخرقاء.