الحق الفلسطيني في القدس يعلو ولا يعلى عليه

  • PDF


بقلم : مطيع كنعان 
دأبت سلطات الاحتلال ومنذ فرض سيطرتها  على مدينة القدس بشطريها الغربي والشرقي على ممارسة سياسة التهويد لتغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي بهدف تسهيل بسط سيادتها عليها غير عابئة بما ترتكبه من خرق فاحش لمبادئ وقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وسندها في ذلك عنجهية القوة والتعنت والدعم المطلق من الحليف الأمريكي.
فقد جاء اعتراف هذا الأخير بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني تكريسا للوضع الراهن القائم على الاحتلال وتوحيدا للمدينة تحت السيادة الاسرائيلية تنفيذا لقرار ضم المدينة الصادر عن الكنيست الاسرائيلي عام 1980 والإقرار بضم الأراضي بالقوة وهو ما يخالف قاعدة عدم شرعية ضم الأقاليم عن طريق الحرب.
إن هذا الاعتراف الأمريكي يطيح بترسانة من قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالأراضي المحتلة وابرز هذه القرارات قرارين صادرين عن مجلس الأمن فأما الأول فهو القرار رقم 2334  الصادر في 23/12/2016 الذي اعتبر المستوطنات الاسرائيلية في الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية غير شرعية ونص أيضا على عدم الاعتراف بأي تغييرات في حدود الرابع من حزيران عام 1967 والثاني هو القرار رقم 465 الذي قرر أن جميع التدابير التي اتخذتها اسرائيل لتغيير المعالم المادية والتركيبة السكانية ليس لها أي مستند قانوني ودعا اسرائيل إلى التوقف عن إنشاء المستوطنات ودعا أيضا كافة الدول إلى عدم تقديم أي مساعدات إليها  يمكن إن تستعملها في هذا الغرض.
فهل يحق لأمريكا بعد ممارستها هذا الانتهاك الفاضح والخطير لمبادئ القانون الدولي  ولقرارات الشرعية الدولية إن تدعي أنها الحارس الأمين لقيم الحق والحرية والعدالة في العالم وهي تعلم علم اليقين ان كل الإجراءات والقوانين التي اتخذتها سلطات الاحتلال الاسرائيلي لتغيير وضع القدس الديمغرافي والجغرافي والقانوني باطلة ولا تنشئ حقا ؟
كما لا يمكن لاعتراف رئيسها الموتورترامب او قبله  مجلس شيوخها الحامي للكيان الصهيوني ان يؤثر على الوضع القانوني للمدينة المقدسة إلا إذا كانت قرارات الإدارة الأمريكية أكثر علوية من قرارات مجلس الأمن وهي إشكالية باتت مطروحة وعلى فقهاء القانون الدولي الإجابة عليها وعلى ما مدى شرعية فيتو أمريكي مثلا يتعارض جملة وتفصيلا مع قرارات سابقة لمجلس الآمن ؟
ما يمكن قوله في حدود معلوماتنا القانونية كرجل قانون انه وطبقا لقاعدة التوازي في المبادئ والإجراءات العامة للقانون فان إبطال او إلغاء او نسخ او تعديل أي قرار من قرارات مجلس الآمن هو فقط وحصريا من اختصاص السلطة  التي أصدرته وهو ما يعني أن مجلس الآمن هو السلطة الوحيدة الذي له صلاحية ذلك وليس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
فاعلان الكنيست الاسرائيلي مثلا يوم 31/جويلية/1980 عن القدس عاصمة لدولة الاحتلال بعد ضم جزئها الشرقي إلى الغربي لم ينشئ حقا ولم تعترف به اية دولة في العالم وبعد عشرين يوما على قرار الكنيست وبتاريخ 20 اوت 1980 أصدر مجلس الآمن الدولي قرارا بأغلبية 14 صوتا وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت دعا دول العالم إلى عدم الاعتراف بالإجراء الاسرائيلي بشان القدس والى سحب بعثاتها الديبلوماسية منها وذكّر بمبدأ عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة وأكد أن هذا القانون يشكل انتهاكا للقانون الدولي.
فاعتراف الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني يزيد الوضع تعقيدا ويجعل فرص تحقيق السلام العادل والشامل أمرا مستحيلا وهو قرار مخالف لاتفاق اوسلو ولميثاق الأمم المتحدة وللرأي الاستشاري للمحكمة الجزائية الدولية بخصوص جدار الفصل العنصري وهو أيضا يناقض الالتزامات والتأكيدات الصادرة عن جميع الإدارات الأمريكية السابقة.
كما انه مخالف لمبدأ عدم الاعتراف بالأوضاع الإقليمية غير المشروعة ويفتح الباب أمام الدول التي تدور في الفلك الأمريكي لاتخاذ قرارات مماثلة لما اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية ونقل بعثاتها الدبلوماسية إلى القدس .
أما على الصعيد الفردي فان هذا الاعتراف له تاثيرات سلبية وخطيرة اذ سيؤثر على المراكز القانونية والاقتصادية للمواطنين الفلسطينيين في المدينة وسيشرعن كل عمليات الطرد العنصري التي قامت بها سلطات الاحتلال ضد السكان الأصليين وكذلك عمليات هدم  البيوت ومصادرة الأملاك وسيطلق يد سلطات الاحتلال للمضي قدما في تسريع وتيرة تهويد المدينة دون حسيب او رقيب ولا نستبعد أيضا قيام تلك السلطات بعملية تهجير جماعي للمواطنين الفلسطينيين المقيمين في القدس وربما أيضا تكون هذه الخطوة مقدمة لهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه.
لذا فان القول بان هذا القرار هو بمثابة إعلان حرب على الشعب الفلسطيني هو قول فصل ويصيب كبد الحقيقة فهو يحول دون تمكينه من حق تقرير المصير بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وبالتالي لا يمكن للولايات المتحدة بعد هذا القرار المشؤوم إن تكون راعية لعملية السلام لأنها أثبتت بما لا يدع مجالا للشك إنها أكثر عدائية لحقوق الشعب الفلسطيني من حكومة نتنياهو العنصرية ذاتها.
ولعل الذي شجع الإدارة الأمريكية على اتخاذ مثل هذا القرار العنصري هو وجود حاضنة دولية لاستمرار الاحتلال وفي المقابل فان الساحة العربية لم تعد حاضنة للقضية الفلسطينية وبتنا نرى ماراطونا من المتسابقين للتطبيع مع الاحتلال وأصبحنا نسمع إعلاميين وكتابا من أشقاءنا العرب يتباهون بدفاعهم عن الكيان الصهيوني وينكرون حق الشعب الفلسطيني في الوجود وتقرير المصير وهذا ليس مستغربا في هذا الزمن العربي الرديئ ومن يعتقد انه بناج من شر الكيان الصهيوني فهو واهم وجاهل  للتاريخ وغافل عن الحاضر وأعمى عن المستقبل.
وعلى كل حال فبقدر ما ساءنا تعانق العلمين الأمريكي والاسرائيلي على أسوار القدس في تلك الليلة المشؤومة التي أعلن فيها ترامب قراره العنصري والغير شرعي بقدر ما أثلجت صدورنا هبة شعبنا البطل الصامد والمرابط على ثرى فلسطيننا الحبيبة وفي كل أماكن تواجده ومعه كل الأحرار من امتنا العربية والإسلامية وأحرار العالم .
وإننا على ثقة بان شعبنا البطل الذي قدم دروسا في التضحية والفداء عبر كل مراحل النضال ضد الاحتلال المجرم وفي هبة الأقصى الأخيرة  التي انتصرت فيها إرادته على سطوة الجلاد لقادر على إفشال هذا المخطط الصهيو-أمريكي فالحق الفلسطيني لا يُستمد من قرارات حمقاء صادرة عن اخرق كترامب او غيره وإنما يُستمد من حقنا التاريخي في هذه الأرض وقوة الحق والقانون وأما الطارؤون بقانون القوة فمصيرهم إلى زوال ويوما سيعود الحق إلى نصابه وسنقيم دولتنا العتيدة بحول الله وعاصمتها الأبدية القدس فالحق الفلسطيني فيها يعلو ولا يعلى عليه شاء من شاء وآبى من أبى.