الدكتور شريبط والكتابة النقدية

  • PDF

بقلم: الدكتور وليد بوعديلة
عندما تودع الجزائر أديبها وأستاذها الجامعي شريبط أحمد شريبط فهي تودع ذاكرة كبيرة من الثقافة الجزائرية لأن هذا الكاتب قد خدم الأدب الجزائري بكل الأدوات الفكرية و النقدية والبيداغوجية سواء عبر كتبه أو مقالاته أو داخل حجرات التدريس في جامعة عنابة.
الكاتب الذي تحدى المرض
لقد  درسنا عنده  مادة الأدب الجزائري في تسعينات القرن العشرين بجامعة عنابة عندما كان قسم اللغة و الأدب العربي بالجامعة المركزية بسيدي عمار وقد كان حريصا على ربط الطلبة بكل الأسماء الشعرية و السردية الجزائرية في مرحلة كان الباحثون الجامعيون الذين يعرفون النصوص الجزائرية يعدون على الأصابع حيث كان أغلب الباحثين و الطلبة و الأساتذة يتجهون لدراسة النصوص القادمة من المشرق العربي وكان من الصعب على الباحثين تسجيل رسائل جامعية في الليسانس أو الماجستير أو الدكتوراه بدراسة الكتابات الجزائرية بحجة عدم وجود أدب جزائري ناضج يستحق الدراسة؟؟
و قد كان الدكتور شريبط عارفا بكل خصائص وأعلام ونصوص ومدونات الأدب الجزائري بكل أنواعه الأدبية ويمكن أن يحدثك لساعات عن الروايات ومميزاتها وأصحابها وملامحهم الفكرية والفنية كما يمكن له _ مع أوجاع وآلام الجسد- أن يقدم صورا مختصرة لكثير من الأدباء والنقاد والكتاب لأنه كان متتبعا  لحركة الأدبية الجزائرية.
وكان شغوفا بمعرفة كل أخبار الإصدارات والأدبية الجزائرية   و يقرأ الكتابات النقدية التي تناقش المشهد الثقافي الجزائري وله الإسهامات المعتبرة في الإعلام الجزائري منذ الثمانينات من القرن العشرين.
ورغم مرضه ومعاناته الكبيرة المتواصلة إلا أنه كان حرصا على التأليف والإسهام في المشهد الثقافي الجزائري والحضور للندوات والجلسات العلمية الأدبية بخاصة تلك التي تهتم بالأدب الجزائري.
ويضم كتابه الضخم حول أعماله الأدبية مجموعة من الكتب من الجزء الأول إلى العاشر وهذه الكتب هي على الترتيب: الجزء الأول يضم كتابه عن الآثار الأدبية لزليخة السعود الجزء الثاني فيه كاتب تطور البنية الفنية في القصة الجزائرية القصيرة وكتب الخطاب الأدبي الجديد في الجزائر-وهم الواقع وعنف المتخيل الجزء الثالث يضم كتابه الذي حقق فيه مائة ليلة وليلة وحكايات أخرى من تأليف الباهي البوني الجزء الرابع من أعماله يضم كتاب معجم أعلام النقد العربي بالاشتراك مع باحثين في مخبر الأدب العام و المقارن بجامعة عنابة.
ونجد في الجزء الخامس  كتابه الفواجع والمواجع وكتاب إشارات ثقافية و كلام بارد و كتاب الإشارات:مقاربات في الأدب والثقافة والفكر الجزء السادس يحتوي كتب جميلة بوحيرد(في الشعر والثر والمسرح) الجزء السابع فيه كتاب مئة قصيدة وقصيدة في حب الجزائر)سعر من الجزائر و الوطن العربي) .
ونقرأ في الجزء الثامن من مجلد الأعمال الأدبية للدكتور شريبط   كتابه مباحث في الأدبي الجزائري المعاصر وكتابه عن الأديب عبد المجيد الشافعي ودراسات ومقالات في الأدب الجزائري الحديث و في الجزء التاسع كتابه الحركة الأدبية في عنابة و آخر خاص بالمتخيل الأدبي وكذلك كتاب دراسات في الأدب الجزائري والعربي و كتاب كتب ومحاضرات في الميزان ويحتوي الجزء العاشر الظلال-حوارات- ندوات...
وكتب الكثير من المقالات التي نشرت في المجلات  والمداخلات العلمية في الملتقيات وقد طبعت أعمال بعض الملتقيات مثل السيميائية و النص الأدبي بجامعة عنابة سنة 1996 و قبله ملتقى الأدب الجزائري في ميزان النقد سنة 1993 وغيرهما من الملتقيات و الأيام الدراسية داخل الجزائر وخارجها حيث ساهم فيها أستاذنا رغم المرض فناقش وكتب وحاور وألف وهو ما لم يقم به أساتذة و باحثون في كامل صحتهم و لا يعانون ما عانه أستاذنا الراحل الدكتور شريبط؟؟
فكان يسافر من مدينة لأخرى ويقاوم تعب المرض و السفر للتعريف بالأدب الجزائري ولعل كتابه المتميز الذي عرف بالأديبة زليخا السعودي وآثارها الأدبية أكبر دليل على مقاومته الثقافية والأدبية وسعيه للتعريف بالكتاب الجزائريين.
ومنذ سنوات قليلة كرمته كلية الآداب بجامعة سكيكدة وحضر مسافرا من عنابة إلى سكيكدة ومقاوما لأوجاع الجسد لأجل طموح الروح و الفكر و شارك في  ندوة علمية بحثت في مساره العلمي و النقدي   وقد حضرنا لهذه الندوة وحاورنا كاتبنا بحضور معتبر للطلبة بخاصة طلبة ماستر الأدب الجزائري بجامعة سكيكدة.
و كانت الفرصة للدكتور شريبط-رغم مرضه- للالتقاء بالأساتذة والطلبة وفيهم من درسهم بجامعة عنابة وصاروا أساتذة جامعيين يواصلون مشواره و مسرته في التعريف بالأدب الجزائري وقد قدم الكثير من المعلومات عن حياته و دراسته و تكوينه الثقافي وكشف رؤيته للأدب والنقد في الجزائر و قد أهدى مكتبة الكلية كتابه الكبير في عشرة أجزاء والذي يتضمن الأعمال الأدبية الكثيرة التي ألفها.
وسنقف في هذه الورقة عند بعض الأعمال النقدية التي خلفها الأستاذ و الأديب شريبط احمد.
الحركة الأدبية في عنابة
يقول عن مدينتي سكيكدة وعنابة في كتابه الحركة الأدبية المعاصرة في عنابة( ط1 في سنة 2000) : كيف لا أحب مدينة سكيكدة التي قضيت فيها سنوات عمري الأولى وقد تعلقت بمدارسها و ثانوياتها وشوارعها وشواطئها... وكيف لا أتعلق بمدينة عنابة وهي المدينة التي احتضنتني وطورت ثقافتي ومنحتني الشهادات الجامعية كمل طوقتني بالحب والحياة  والعيش الرغيد وبالأصدقاء و المناضلين .
يتضمن هذا الكتاب الهام فصلا أولا يقسم فيه الدكتور الأجيال الأدبية بعنابة إلى جيلين الجيل الأول(1965-1988) والجيل الثاني(1988-2000) ويدرس في الفصل الأول بعض الوقائع من الحركة الأدبية بعنابة فيتحدث عن النادي الأدبي والمهرجان الثقافي الأول لولاية  عنابة والأسماء الأدبية التي حضرته مثل محمد زتيلي مسعود حديبي إدريس بوذيبة الأزهر عطية نوار بوحلاسة عبد الله حمادي...كما يقدم قراءة في بعض القصص التي شاركت في المهرجان ن وهي لأسماء قصصية متنوعية مثل:عبد الله بن ضيف عمار بلحسن العيد بن عروس جمال فوغالي....
ويتضمن الفصل الثالث منتخبات إبداعية في الشعر لإبراهيم بادي جمال بن عمار حسين زبرطعي سمير رايس عبد الحميد شكيل نادية نواصر سيف الملوك سكتة...و قصصا لام سارة ميلود قيدوم بلقاسم عرجوني حسن بوساحة وغيرهم من الكتاب.
وخصص الراحل شريبط الفصل الرابع لبعض الندوات والحوارات مع كتاب من عنابة.بالإضافة لحوار له أجراه معه الأستاذ محفوظ كحوال خول الحركة النقدية في الجزائر هو حوار هام يؤرخ لأهم المحطات التي مر بها الخطاب النقدي الجزائري في مراحله المختلفة.
ملامح تطور القصة الجزائرية
نشر كتابه تطور البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة بدار القصبة للنشر سنة 2009 وفيه درس بعض المجموعات القصصية لأحمد رضا حوحو أحمد منور بشير خلف جميلة زنير جيلالي خلاص الحبيب السائح عمار يزلي محمد الصالح حرز الله وغيرهم من الأدباء.
درس في الفصل الأول مصطلح القصة القصيرة وخصائصها الفنية وفي الفصل الثاني درس القصة الإصلاحية في الجزائر(1925-196) فبحث في أعمل رضا حوحو وموضوعاتها وملامحها الفنية وفي الفص الثالث درس القصة الفنية الجزائرية(1956-1972) .
وتوقف عمد أدباء الثورة مثل بن هدوقةن وطار زهور ونيسي ... أما الفصل الرابع فخصصه لدراسة القصة الجديدة(1972-1985) ومن أسماء هذا الفصل نجد:مصطفى فاسي مرزاق بقطاش احمد منور جميلة زنير مصطفى نطور إسماعيل غموقات ...
وقد كتب في آخر خاتمة الكتب ما يلي: والذي نأمله هو أن نكون بهذا البحث قد أجلينا بعض ملامح الشكل الفني للقصة الجزائرية ومسار تطوره وأن نكون قد فتحنا باب التحاور وأثرنا أسئلة جديدة لتعميق البحث ومواصلة السير فيه . 
وأخيرا:
إن الكتب العديدة التي تركها الدكتور شريبط تؤكد على انه من علماء الجزائر الذين يجب أن لا تنساهم المؤسسة الثقافية الجزائرية وعلى الدولة أن لا تنساه في مماته كما نسته في حياته؟؟
وإني لأقترح من هذا المنبر على ولاية سكيكدة وولاية عنابة على فتح المجال أمام مؤسساتها الثقافية لتنظيم ايام دراسية وندوات علمية تبحث في المسار النقدي الأدبي للدكتور شريبط   كما عليهما المبادرة لإطلاق اسمه على مؤسسة ثقافية او تربوية كما على جامعة عنابة التي درّس فيها الكثير من الأجيال أن تطلق اسمه على مكتبة أو مدرج أو أي فضاء علمي وثقافي داخل الحرم الجامعي.
وعلى الصحافة المكتوبة الإسهام في التعريف بنشاطه الثقافي منذ سنوات في التسويق و الإشهار الفكري والإعلامي للأدب و النقد و الإبداع بالجزائر وعلى الإعلام السمعي البصري تنظيم أوراق إعلامية مختلفة تقف عن هذا الدكتور الذي أفنى عمره لأجل الوطن و تاريخه وفنه وثقافته لكي نحارب ثقافة النسيان و التجاهل والتغييب ونؤسس لثقافة الاعتراف بفضل وجهد العلماء و الرجال من أبناء الأمة النوفمبرية.