جرائم مروّعة تهز المجتمع الجزائري

  • PDF

تسميم.. شنق وطعن بالخناجر  
جرائم مروّعة تهز المجتمع الجزائري

* جرائم مروّعة تحدث لأتفه الأسباب

عرف عدد جرائم القتل العمدي ارتفاعا رهيبا في الجزائر في السنوات الأخيرة مما يدعو إلى دق ناقوس الخطر خاصة وأنها تحدث  في معظم الأحيان بسبب مناوشات روتينية  بسيطة استفزت الجاني فقام بفعلته الشنيعة ضد الضحية وهو ما تشهده الأماكن العامة على غرار الأسواق ومحطات النقل... وزحفت الجريمة حتى إلى داخل الأسرة  الواحدة مما يؤزم الأمر أكثر ويدعو إلى تضافر الجهود من أجل الحد من تفشي الجريمة المحرمة شرعا وقانونا والمناهضة لأعراف مجتمعنا المحافظ.  
عميرة أيسر

القتل هو الإقدام على إزهاق الروح البشرية المُحرمة لأي سبب من الأسباب وهو من الجرائم الجنائية والمجتمعية التي شهدت نسبها ارتفاعاً مطرداً وغير مبرَّر في المجتمع الجزائري المتدين بطبعه والتي باتت تضرب أساساته ونظمه العامة وتحدث شرخاً عميقاً في البنية الاجتماعية والأخلاقية له.


القتل وليد الأزمات الأخلاقية
ويذهب المختصون والخبراء الجنائيون والاجتماعيون إلى أنَّ الارتفاع المطرد الذي شهدته هذه الظاهرة يعود إلى عدة أسباب تستدعي كالعادة أن نسلّط الضوء عليها بغية الإضاءة ولو جزئياً على أهمها والتي تستدعي دراسة ومعالجة سريعة وبحسب المختصة النفسية وأستاذة علم الاجتماع بالجزائر العاصمة السيِّدة سميرة السقا: فإنَّ هناك عدة مسبِّبات لتفسير هذا الارتفاع في معدل جرائم القتل في البلاد منها كما تذكر المتحدثة الحروب والمجازر المُرتكبة في العالم والتي دفعت بالشُّعوب عموماً إلى أن تجنح لارتكاب أعمال عنيفة قد تنتهي بالقتل العمدي في أحيان كثيرة وكذلك العولمة وما يتبعها من روافد سيِّئة كظاهرة الركود الاقتصادي والتي أدت إلى تسريح آلاف العمال والبطالة التي تجعل الفرد ينتقم من مجتمعه بالإضافة إلى إدمان الأطفال والشَّباب على أفلام العنف والجنس والتي تؤدي بهم إلى تناول المخدرات والإجرام والانتحار وخاصة إذا كان هناك عنصر عدواني في المجتمع أو طفل عدواني بالفطرة فيجب التعامل معه بحذر وترتبيه بشكل مختلف فهي ممن يعتبرون بأنَّ العنف في الأسرة قد ينعكس على المجتمع في شكل جرائم قتل بشعة بالإضافة إلى الخلافات العائلية الحادَّة والتي تحدث عادة بسبب الطمع أو الميراث وكذلك السَّطو على ممتلكات الأفراد والتي تليها تصفية حسابات بين الأشخاص تنتهي بالقتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد كما أن الاستفزازات الشخصية تعتبر من أهم الأسباب التَّافهة ربما التي قد تؤدي إلى ارتكاب جرائم القتل خصوصاً مع مراعاة طبيعة الفرد الجزائري العصبي والمتقلِّب المزاج بطبعه.


تسميم... شنق وطعن بالخناجر
وسجلت نسبة 07.69 بالمائة كما أن مصالح نفس الجهاز الأمني سجلت حوالي 89 قضية قتل استعمل فيها السلاح الأبيض وقضيتان بالتَّسمم و7 قضايا قتل عن طريق الشنق وأبشعها كان قتل طفل رضيع حديث الولاة مع ترك الجثة في مكانها.
كما أن الحالات الاجتماعية لمرتكبي جرائم القتل حسب نفس المؤسسة الأمنية كانت تسجيل 68 حالة لعزاب تورطوا في جرائم قتل عمدي تليها فئة المتزوجين بأزيد من 841 حالة 161من المطلقين بينما عدد النساء من فئة الأرامل بلغ عددهن 5 نساء قد تورطن في هذه النوعية من جرائم القتل ورغم اختلاف أساليب ارتكاب هذا النَّوع من الجرائم وتنوعها ولكن وكما يؤكد السيِّد عميد الشرطة أعمر لعروم مدير الاتصال والصحافة بقيادة الدرك الوطني فأنَّ مصالح الدرك الوطني لا تدخر جهداً في حماية أرواح وممتلكات المواطنين واستخدام أحداث أنواع التكنولوجيا المتطورة في الكشف والبحث الجنائي من أجل مُعالجة خيوط الجرائم وفكِّ شفراتها المخفية.

القانون يجرّم القتل
ورغم التعزيزات القانونية والتي تجعل عقوبة هذا النوع من القتل هو الإعدام وذلك في المواد والنصوص القانونية (254-263) والتي تعرف القتل المادة 254 بأنه إزهاق روح الشَّخص عمداً مع توافر أركان الجريمة وهي الرُّكن المادي والمعنوي ولكن هذا لم يمنع الأفراد من ارتكاب أبشع أنواع القتل وأخطرها.
إذ وبحسب الأرقام الرسمية الصَّادرة عن قيادة الدرك الوطني فإنهم قد عالجوا حوالي 993 جريمة قتل عمدي سنة 2015 منها 531 محاولة قتل وتمَّ إيقاف 36 شخصا على أثرها وبينت الأرقام أن هناك حوالي 6.85 بالمائة من مرتكبي جرائم القتل العمدي استعملوا أسلحة بيضاء في الإجهاز على ضحاياهم متبوعة بالدَّهس بالسيارة وتليها التسميم واستعمال العنف الجسدي بنسبة بلغت حوالي 5.71 بالمائة وجدير أن ننوه هنا إلى أن قيادة الدرك الوطني سجلت16حالة قتل عمدي كانت نسب الاستفزاز الشخصي فيها حوالي 61.53 بالمائة تليها جرائم السَّرقات في المرتبة الثانية بنسبة 19.32بالمائة ثم الخلافات العائلية كما ذكرنا آنفاً. 


...و الإسلام يحرّم 
ورغم أن الدِّين الإسلامي قد نهى عن القتل العمدي إلا في حالات محددة ذكرها الفقهاء والمفسرون بالتفصيل وبينوا ضوابطها وأحكامها والمتعلقة أساساً بأوقات الحرب أو الاعتداء الجسيم الذي يكون الغرض منه الدِّفاع عن النفس أو الأموال والأعراض والممتلكات فالقتل جريمة مجرمة شرعاً وجعل الله عز وجل في كتابه قاتل النَّفس البشرية عمداً كمن قتل البشرية جمعاء وقام بإزهاق روحها حيث يقول عز وجل {من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا النَّاس جميعاً} وقال في موضع قرآني آخر و{من يقتل مؤمنا متعمِّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً} وقال عليه أفضل الصلاة والسَّلام (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل قد عرفنا القاتل يا رسول فما بال المقتول فقال عليه صلوات ربي وسلامه عليه لأنه كان حريصا على قتل صاحبه) وهو كذلك من كبار الذنوب والآثام التي يبوء صاحبها بغضب الله وسخطه في الدنيا والآخرة فالقتل الذي هو من الظّواهر السِّلبية الكثيرة التي وجدت منذ أن خلق الله السماوات والأرض ومن عليها ومنذ أن أزهق قابيل دم أخيه هابيل في الميثولوجيا الدينية التي تذكرها كل الكتب الدينية السَّماوية وحتى الوضعية.


الردع لا يكفي للحد من الجريمة 
ورغم كل الجهود المبذولة من طرف المصالح المختصة من أجل التَّحقيق والتعامل مع ضحايا جرائم القتل وتقديم الجناة إلى العدالة ولكن لا تزال هناك عدَّة نقائص في هذا الإطار وأهمها ربما هو غياب جمعيات المُجتمع المدني الناشطة للقيام بحملات  تحسيسية في صفوف المراهقين والشَّباب لتحذيرهم من تداعيات جرائم القتل العمدي وخطورتها على المجتمع وعلى أسرهم وعائلاتهم ومحيطهم فالإجراءات القانونية الردعية رغم أهميتها ولكن تبقى غير كافية في ظلِّ غياب رؤية وثقافة وطنية أسرية يشارك في صياعتها كل أطياف المجتمع الجزائري وفعالياته لحماية الأفراد من عملية الاعتداء بالقتل  دون وجه حق وعلينا أن نعي جيداَ بأنَّ كل الدول التي انخفضت معدلات الجرائم فيها وخاصة القتل إلى المستويات الدُّنيا وقامت بإغلاق سجونها كلية أو تأجيرها إلى دول أخرى كما هو الحال في بعض الدول الاسكندينافية كالدنمارك أو السويد قد اعتمدت على تغيير التفكير  الانتقامي والهمجي  للافراد ولم تركز على العقوبات الجنائية فقط والتي أثبتت فشلها الذريع في كل من أمريكا والصين وإيران والسعودية وهذه الدول التي تطبق عقوبة الإعدام ولكن جرائم القتل تعرف فيها ارتفاعاً سنوياً رهيباً. والجزائر إن أرادت الخروج من دوَّامة جرائم القتل العمدي عليها الاستفادة من تجارب الدول الاسكندينافية وغيرها في هذا المجال لأنَّ العنف لا يولد إلا العنف دوماً وهي قاعدة كونية لا يستطيع أحد إنكارها أو تجاوزها قطعاً والتعامل من منطلق العين بالعين والسِّن بالسنِّ لن تنتج لنا في النهاية إلا عالماً أعمى وبه من (العوار) الفكري والثقافي الكثير.