التغير الاجتماعي وأثره على سلوك الشباب

  • PDF


سلم القيّم لم يعد ثابتا..
التغير الاجتماعي وأثره على سلوك الشباب 
المتتبع لتفاعل الاجتماعي يستطيع أن يكشف ما طرأ من تغير كمي وكيفي في نمط التفاعل وفي المعايير الاجتماعية والقيم الأخلاقية وأن التغير الاجتماعي يتناول كل مقومات الحياة الاجتماعية والنظم والعلاقات الإنسانية ويجب أن يقوم التغير الاجتماعي على فكر واضح وعلى حشد قوي وعلى تخطيط دقيق لبناء الدولة العصرية التي تستند إلى العلم والتكنولوجيا وهذا يقتضي المواجهة العلمية المستنيرة لما قد يتمخض عنه التغير الاجتماعي من مشكلات ومتناقضات ومطالب واحتياجات وعصرنا الحالي يتسم بظهور العديد من المتغيرات في النواحي الاجتماعية والإنتاجية والتكنولوجية وبالتالي إتباع الأسلوب العلمي في التحكم في مسيرة التغير الاجتماعي بحيث يكون تغيرا متوازنا متكاملا يفضي إلى التطور والنمو والتقدم.
إعداد: الدكتور السعيد بن يمينة 
البعد السلوكي لظاهرة التغير الاجتماعي هو البعد الذي يحدد بصورة فعالة حدوث التغير الاجتماعي المصحوب بتغير في قيم الناس واتجاهاتهم وعاداتهم السلوكية بما يتوافق مع النسق الاجتماعي الجديد وتقابل عملية التغير الاجتماعي عملية الضبط الاجتماعي وهي العملية التي تحاول بها الجماعة أو المجتمع عدم التمكين لأي تغير غير مرغوب فيه أن يحدث وهي التي يتم عن طريقها توجيه سلوك الأفراد بحيث لا ينحرف عن معايير الجماعة حتى يتحقق التوازن الاجتماعي وهناك نمطان أساسيان للضبط الاجتماعي أولهما الثواب أو العقاب (المادي أو المعنوي) وثانيهما الإقناع.
ومن بين هذه الفئة التي شملها التغير الاجتماعي فئة الشباب فلم يعد من الممكن أو المستساغ تجاهل الشريحة الاجتماعية التي تعد بالملايين سواء فيما يتعلق بالمشكلات والقضايا التي تعانيها وتواجهها أو ما يتصل بتطلعاتها وآمالها الواسعة صوب حياة أفضل .إنها شريحة الشباب.
وحيث أن التعرف العلمي والمنظم على الواقع الاجتماعي وتشخيص ظواهره هو المقدمة التي لا غنى عنها لفهمه وتفسيره ومواجهة ما يفرضه من استحقاقات واستجابات آنية أو بعيدة المدى فإن هذه المسألة لا تكتمل دون العودة إلى أصحاب الشأن أي الشباب أنفسهم لسماع آرائهم بكافة القضايا التي تعنيهم وإعطائهم الفرصة للتعبير عن هواجسهم وتساؤلاتهم مع أخذ اقتراحاتهم من خلال استطلاعات الرأي أو المقابلات المباشرة والحوار. 
الواقع الراهن لعلاقة الثقافة والاجتماع
يحدث الكثيرون اليوم عن الواقع الراهن لعلاقة الثقافة والاجتماع والاقتصاد والسياسة بالشباب في المنطقة العربية ويستهلون إصدار الأحكام المختلفة بصددها وكأنهم يحيلون على واقع معروف تماماً. والحال أن تشابك العناصر المختلفة المكونة للثقافة العربية وتعرضها للعديد من أشكال التفاعل والتأثير المتبادل يجعلان كثير من هذه الأحكام في حاجة إلى التدقيق والتحليل. انطلاقاً من ذلك يحاول هذا البحث تحليل مكونات وعناصر الظاهر المختلفة وعلاقتها بالشباب ومعرفة مدى تطورها في الفترات الأخيرة من القرن السابق وأصبح التساؤل الرئيسي هو ماذا يريد المجتمع من الشباب وما الذي يريده الشباب لأنفسهم ثم ما هي درجات ومظاهر الانسجام أو التناقض بين الطرفين وكيف يمكن تجاوزها كبوابة للعبور صوب المستقبل؟.
تشكّل الأسئلة السابقة الهاجس الرئيسي للعلوم الاجتماعية والسوسيولوجيا منها على نحو خاص وتهدف هذه الدراسة إلى معرفة واقع الشباب ورصد جملة التحولات التي يعيشها الشباب العربي مع التركيز على حالة الجزائر في طرق العيش وأساليب التفكير والاهتمامات الجديدة وما ينجم عنها من تغيرات في السلوك والوعي دون أية أقنعة أو رتوشات تجميلية أي الانطلاق مما هو عليه الحال فعلاً باتجاه الأهداف التي يصوغها المجتمع لأبنائه لتحقيق مصالح الجميع.


اهتمام العلوم الإنسانية في الفترة المعاصرة بقضية الشباب
حقاً إن تزايد اهتمام العلوم الإنسانية في الفترة المعاصرة بقضية الشباب ولا سيما بعد أعقاب الحركات الشبابية في العالم والتي عبّرت عن منطلقات فكرية وسيكولوجية لم تكن موضع حسبان السلطات السياسية. مثل الحركة الشبابية في فرنسا في ستينات القرن الماضي والآخر في أمريكا والتي كانت تمثل وضعية التمرد على الأوضاع الثقافية التي كان هؤلاء الشباب يعانون منها. لذا فقد كان الشباب يؤمن بأن الحل الوحيد لكل المشكلات الثقافية أو الحضارية التي يعاني منها المجتمع الأمريكي وهو التغيير الجذري لتلك المسلمات الفكرية والسيكولوجية التي يقوم عليها النظام الراهن. وإضافة إلى ذلك نجد أن المجتمع الراهن مجتمع يحكمه الكبار ومهما حاول الكبار أن يكونوا منطقيين وموضوعيين فإنهم على أية حال يفكرون بنفس الطريقة العقلية التي يثور عليها الشباب ويتحدثون نفس اللغة التي يرفضها الشباب. ثم نجد عناية تلك العلوم بتناول قضية أدوار الشباب في قضايا التنمية والتغير الاجتماعي في ضوء المتغيرات الحاصلة على الساحة الوطنية والإقليمية والدولية. ومواقف الشباب الجزائري تمثل حصيلة تلك التغيرات الاجتماعية والسياسية والنفسية والاقتصادية والتعليمية والإعلامية التي شهدتها الفترة الراهنة.


خصائص التغير الاجتماعي وطبيعته
التغير سُنة طبيعية تخضع لها جميع مظاهر الكون وشؤون الحياة. وقديماً قال الفيلسوف اليوناني هيراقليطس إن التغير قانون الوجود والاستقرار موت وعدم. ومثّل فكرة التغير بجريان الماء فقال: أنت لا تنزل النهر الواحد مرتَين إذ إن مياهاً جديدة تجري من حولك أبداً .
ويتجلى التغير في كلّ مظاهر الحياة الاجتماعية ما حدا ببعض المفكرين وعلماء الاجتماع على القول بأنه لا توجد مجتمعات وإنما الموجود تفاعلات وعمليات اجتماعية في تغير وتفاعل دائبَين. أمّا الجمود نفسه في أيّ ناحية من نواحي الحياة الإنسانية فأمر لا يمكن التسليم ولا الموافقة عليه إذ المجتمعات الإنسانية المختلفة منذ فجر نشأتها تعرضت للتغير خلال فترات تاريخها. كما لا يقتصر التغير الاجتماعي على جانب واحد من جوانب الحياة الإنسانية والاجتماعية وإذا بدأ فمن الصعب إيقافه نتيجة لِما بين النظُم الاجتماعية والتنظيم الاجتماعي بعامة من ترابط وتساند وظيفي.