دماء على مائدة الإفطار!

  • PDF

بينما يتسابق العرب والأعراب على اقتناء كلّ ما يمكنهم اقتناؤه من لذيذ الطعام وجميل الحلوى ليكدّسوها على موائد إفطارهم قبل أن (تفوز) القمامة بنصيب كبير ممّا يشترون ولا يأكلون، وبينما يصاب المشاهد العربي بالتُّخمة الدرامية وهو يتفرّج على مسلسلات (الرّقص على الوحدة ونص) في عزّ شهر الخشوع للرّحمن والخضوع للمنّان، وبينما يشرد الحكّام العرب وهم يتابعون مسلسلات ما يسمّى بالربيع العربي ويعجز العرب الخانعون والمسلمون المستسلمون عن تغيير المنكر الذي تعيشه بلدانهم وبلدان أشقّائهم·· يغرق المسلمون في سوريا وبورما وفلسطين وفي مالي وبلدان (مذبوحة) أخرى في دمائهم و(تزيّن) دماؤهم موائد إفطارهم·· إن وجدوا إفطارا، بل إن وجدوا موائد أصلا!
وبينما تحثّ أيّام رمضان الخطى مسرعة نحو عيد الفطر ويشرع مئات الملايين من المسلمين في التجهز لذلك اليوم السعيد، وما لباس العيد الجديد عنهم ببعيد، تمرّ الدقائق ثقيلة جدّا على المسلمين في سوريا وبورما وفلسطين وبلدان أخرى، ليس لأنهم ذاقوا بشهر الرّحمة ذرعا ـ معاذ اللّه ـ بل لأنهم لا يجدون ما يفطرون عليه غير دمائهم بعد أن حوّل الظالمون نهارهم إلى ليل وفرحتهم بحلول الشهر الفضيل إلى ثبور وويل دون أن يجدوا عند إخوانهم المسلمين في بلدان أخرى حضنا دافئا يخفف عنهم بعض الذي يعانونه·
الأسباب مختلفة، لكن فصول المأساة متشابهة، ففي سوريا يقتل الأخ أخاه ويفطر الأشقّاء على أشلاء أشقّائهم ويُبثّ مسلسل التقتيل هذا ـ مع بعض البهارات الدعائية أحيانا ـ في أكثر من قناة، وتكتفي أمّة المليار المسلمة بمتابعة هذا المسلسل في وقت فراغها من متابعة مسلسلات الرّقص والبذاءة· وفي بورما يقتل البوذيون المسلمين ويسومونهم سوء العذاب ويلعبون ويعبثون بجثثهم، وحين يهرب من بقي منهم إلى دولة البنغلاديش اعتقادا منهم أنهم سيجدون عند إخوانهم المسلمين هناك من الرّحمة ما ينسيهم عذابات (الماغ)، فإذا بهم يُطردون شر طردة· وفي فلسطين، يتواصل مسلسل القهر الذي بدأ سنة 1948، ويبدو أن الفلسطينيين والعرب والمسلمين قد اعتادوا على مشاهدة دماء في موائد إفطار الفلسطينيين، خصوصا في غزّة إلى درجة أن سقوط شهداء فلسطينيين بأيدي الصهاينة الغاصبين لم يعد خبرا مثيرا للاهتمام· فالمثير للاهتمام هذه الأيّام هو ما يفعله (الحاج مول العمارة) أو ميمون (مول القهوة) أو النّاجي عطا اللّه (مول البانكا)، وفي أفضل الأحوال ما يفعله (الفاروق) في مسلسل (عمر) الخليفة الذي قال إننا (كنّا أذلّة فأعزّنا اللّه بالإسلام، فإن أردنا العزّة بغير الإسلام أذلّنا اللّه)، وها نحن نسعى وراء العزّة في غير الإسلام، فلا عجب أن نكون أذلّة مقهورين في مشارق الأرض ومغاربها·

الشيخ بن خليفة