المسلمون في السجون البريطانية

  • PDF

تعود الذكريات بعلي حسين للسنوات الخمس التي قضاها في سجن بريطاني وقرر بسببها تغيير مجرى حياته·
حسين دخل السجن عندما كان عمره 13 عاما على خلفية جريمة الاتجار بالمخدرات والعنف، لكنه استطاع أن يجتاز هذه التجربة القاسية ويعيد تأهيل نفسه عبر دورات مختلفة ليتمكن من المشاركة الإيجابية في المجتمع البريطاني، وينجح أخيرا بالعمل في القطاع الصحي الحكومي·
هذه القصة الناجحة لإعادة الاندماج يقابلها تشاؤم خيم على أوساط الجالية الإسلامية في بريطانيا عقب نشر صحيفة الإندبندنت مؤخرا تقريرا عن تضاعف أعداد السجناء المسلمين خلال العشر سنوات الماضية·
ويبين التقرير أنه في الفترة من 2002 إلى 2013 تضاعف عدد السجناء إلى قرابة 12 ألفا، ويمثل المسلمون 14بالمئة من نزلاء السجون رغم أن نسبتهم بالمجتمع لا تتجاوز 4.7 بالمئة·
وبحسب صادق خان الوزير المسؤول عن العدل في حكومة الظل والذي أوصل هذه الإحصاءات للإعلام، ثمة مسلم سجين من بين كل سبعة مسجونين·

إحصائيات صادمة
خان - الذي تواصل معه موقع الجزيرة نت - قال إنه طلب توضيحات من الحكومة بشأن هذا الأمر، لكنه لم يتلقَ أي رد بعد· وأبدى استغرابه من هذه الإحصائيات الصادمة، مضيفا أنه لا يملك تفسيرا واضحا لهذه الظاهرة·
لكن بالمقابل، فإن عدد المسلمين في بريطانيا ارتفع بنسبة الضعف في العقد الماضي حسب إحصائية رسمية، وهناك حوالي ثلاثة ملايين منهم يقيمون فيها الآن، مما يفسر ازدياد معدل الجريمة في مجتمعهم·
من جهته، يرى عبد الله فالق رئيس البحوث بمؤسسة قرطبة للدراسات وعضو مجلس أمناء إدارة مسجد شرق لندن أن التقرير دقيق جدا، ولكن الإعلام استغله ليدعي أن الجالية المسلمة تشجع على الإجرام·
ويقول إن طريقة عرض التقرير استفادت منها القوى اليمينية في هجومها على المسلمين، حيث ادعت أنهم لا يربون أبناءهم جيدا·
ويلاحظ أنه يجري الحديث عن أعداد المسلمين في السجون فقط دون ذكر الأسباب التي قادتهم لهذا المصير، مبينا أن المشكلة اجتماعية وليست دينية·
ويلقي باللوم أيضا على الحكومة لأنها مسؤولة عن توفير التربية والتعليم والعمل للشباب المسلمين، وعندما تقصر في هذا فإنهم سيذهبون للشوارع وينتهي بهم المطاف إلى المخدرات والجريمة، حسب تقديره·
ويشير إلى أن الإجراءات التقشفية -التي قامت بها الحكومة مؤخرا وأدت إلى إغلاق المكتبات ومراكز الشباب الترفيهية والأندية- عمقت من الضغوط الاجتماعية·
ويدعو فالق إلى ضرورة الانتباه إلى أن هؤلاء المساجين لا يمثلون المسلمين لأنهم ليسوا ملتزمين جميعا·

التقرير والإسلاموفوبيا
وتساءلت صحيفة الإندبندنت في تقريرها عن الرابط بين هذا الأمر وبين تصاعد الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا)·
ويلفت عبد الله فالق في هذا السياق إلى أن هناك جهات تحاول فعلا التخويف من المسلمين، حيث قامت بعض وسائل الإعلام مؤخرا بشن حملة لتشويه رئيس بلدية (هملت) المنتخب لطف عبد الرحمن كونه أول مسلم يشغل هذا المنصب في بريطانيا·
وبحسب أحد مستشاري إدارة السجون الحكومية، فإن العدد الذي أشارت له الصحيفة ربما يكون أكبر من الأرقام الحقيقة، قائلا إن التقرير يتحدث عن المسلمين بشكل مجمل سواء البريطانيين أو القادمين من الخارج·
ويعتقد أن العدد ربما يكون عشرة آلاف أو أكثر بقليل· ويرى أنه لا يوجد رابط بين هذا الواقع والإسلاموفوبيا خلافا لما تتحدث عنه بعض المنظمات الإسلامية·
ويشير إلى أن المسلمين يأتون لبريطانيا من دول فقيرة ويسكنون في أحياء مهمشة ولا يتلقون تعليما جيدا يضمن لهم الحصول على وظائف مهمة·
ويرى الأستاذ بجامعة إيسيكس واستشاري الأمراض النفسية والاجتماعية أحمد شوكة أن العرب في كثير من الأحيان يخلطون بين الانتماء الوطني والديني·
ويلاحظ أن بعض البريطانيين العرب يقدمون أنفسهم كمسلمين وليسوا مواطنين· ويبين أن الكثير منهم يخشون الاندماج الكامل خوفا على هويتهم وحضارتهم·
ويشير إلى أن الشعور بالانعزال يعمق لدى الإنسان هاجس الاضطهاد، لكنه يوضح أيضا أن المهاجرين لا يخضعون لبرامج توعية تفيدهم في الاندماج والتواصل·
ويقول إن الحكومة البريطانية تضع كل المسلمين والعرب في خانة واحدة وتنظر لهم ككيان واحد، مشيرا إلى أن كلا من الجانبين يفهم الآخر بشكل خاطئ·