التعليم القرآني في الجزائر الجزء الأخير

  • PDF


الشيخ: التواتي بن التواتي الأغواطي


* مراكز التعليم القرآني في الجزائر
-الزوايا: هي مراكز إشعاع للتعليم القرآني وهي الحصن الذي حافظ على القرآن وتعليمه أثناء ليل الاستعمار الطويل أذكر منها زاوية سيدي بن عمر وزاوية الهامل وزاوية الحطيبة بالأغواط وغيرهما من الزوايا فقد كانت مؤسسات قرآنية ومعاقل إيمانية وصروح إسلامية التي يلتقي فيها المؤمنون الصادقون لحفظ كلام الله تعالى وكتابه الفرقان سواء أكان اللقاء في المسجد أم في تلك الدور المخصصة لحفظ كتاب الله تعالى - كمدارس تحفيظ القرآن والمعاهد العلمية والكليات القرآنية.


-المسجد:
 لا يخفى عليكم أيها السادة الأفاضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما أسس حين قدم المدنية مسجدا وجعله مكان لقاء المسلمين وفيه تعلمون دينهم ويأخذون من نبيّهم ما نزل عليه من وحي وعلى هذا لم نبالغ إذا قلنا: المسجد هو مشرق الإيمان ومأرزه وينبوع الهدى والرحمة ومنارة الحق ومكان ذكر الله تعالى ومأوى الصالحين وجامعة المؤمنين الموحدين يلتقي فيه المؤمنون على مختلف أعمارهم لتلاوة كتاب ربهم ومناجاته وعبادته بشتى أنواع العبادات من تلاوة وصلاة وحفظ للقرآن ودعاء. 
فالمسجد الركيزة الأولى لبناء مجتمع مؤمن راسخ الإيمان قد هذبه القرآن وأثر في سلوكه جعله معتدل الطبع والمزاج قوي الإيمان بربه ملتزما بشرعه مترسما خلق نبيه- صاحب الخلق العظيم-حلما وأناة ورحمة وعدم فظاظة فإن الحلقات القرآنية المنتشرة في المساجد في ربوع بلادنا دليل ساطع على العناية بكتاب الله تعالى. 
وقال أحدهم _وقد أصاب-: المسجد هو المحضن الإيماني لهذه الحلقات بعد محضن الوالدين في البيت فهو المدرسة الأولى لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كان أول شيء قام به هو بناء المسجد لما للمسجد من أهمية في تعليم القرآن مصدر التشريع والهداية ومحضن التربية الإيمانية ومكان التلقي والقدوة-وموضع الذكر بجميع صنوفه من صلاة وتسبيح وتلاوة قرآن: _ فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ -36_ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ 37_ - النور/36-37. 
بل كان المسجد وسيظل جامعة إيمانية ومعهدا علميا ومدرسة تربوية وصالة اجتماعات ومجلس شورى تخرج منه جيل فريد في تاريخ الإسلام وقد أدى المسجد رسالته في عهد النبوة وقام بدوره من جميع جوانب الحياة الإسلامية ومن المسجد ظهر رجال رفعوا لواء الصلاح والإصلاح منهم ابن باديس والإبراهيمي والتبسي والميلي وأبو بكر الأغواطي وغيرهم كثر فصححوا العقيدة التي شابها شائب وأعادوا للناس بتوفيق من الله تعالى ثقتهم بالله فكانوا في الصفوف الأمامية حين نادى نداء الواجب أثناء ثورة التحرير المباركة.


-المدارس القرآنية: 
 من المؤسسات التعليمية مدارس تحفيظ القرآن الكريم والمعاهد العلمية والكليات الشرعية فهي بيئة تربوية متخصصة مختارة الأصل فيها أن تقوم بدور تعليمي وتربوي فهي مكملة لرسالة المسجد وما تقوم به من التربية والتعليم لا يستطيع الأبوان أن يقوما به.
ولا يفوتني أن أنوّه بفضل وزارة الشؤون الدينية-مشكورة الصنيع محمودة السعي-إذ جعلت في كل مسجد معلمين للقرآن بل رفعت من شأن هؤلاء-وهم أحق بها- لما يحملون في صدورهم نور الله كتابه المقدس فرقتهم إلى رتبة أستاذ تعليم القرآن رفع الله من شأن القائمين عليها وزادهم بصيرة.
والخلاصة: إن مكانة القرآن الكريم من الأمة المحمدية-أمة الإسلام-مكانة الرأس من الجسد فهو عزها ومجدها ورمز شخصيتها وسر بقائها أمر الله أمة الإسلام على لسان رسولها أن تتمسك بالقرآن لأنه شرفها وذكرها بين الأمم فقال تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم _43_ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ_44_.   
هذا القرآن يتضمن التكاليف الإلهية فيجب تنفيذها حسب الاستطاعة:  (اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/ 16 ويجب البعد عن المنهيات جميعها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: وَمَا نُهِيتُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.
لقد سعدت الإنسانية كلها وليس المسلمون فقط بهذا الكتاب بل أصبح العرب رعاة الشاة والبعير قادة البشرية وساستها ولما ضعف الأخذ بالقرآن في أمة القرآن واستسلموا لتهديد العدو وذابوا في المجتمعات والسياسات غير الإسلامية نخر الفساد في جسم الأمة الإسلامية وأصبحت على شفا جرف على حافة الهاوية.
ونحتاج إلى دعوة صادقة إلى القرآن بحذافيره لنعيد للعالم كله الأمن والطمأنينة والسعادة والسكينة النفسية فالقرآن هو القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة بين أيدينا ولم يغب عنا سوى شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم  والله يعلم ما كان وما سيكون فقد أكمل الدين وهو يعلم أن بقاء شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ليست شرطا لنشر الدين والتمسك به لأن الله كتب في أزله أن للرسول أجلا محدودا وأن على أمة القرآن أن تأخذ الراية بعد نبيها بالحكمة والموعظة الحسنة وتسير على نهج المعلم الأول صلى الله عليه وسلم.
والقرآن أيها السادة الكرام عز لمن آمن به فمن ابتغى العز في غيره أذله الله وغنىً فمن لم يغنه القرآن فلا أغناه الله وهو أمانة في أعناقنا لتبليغه للناس جميعا تعليما وتفسيرا واستنباطا لأحكامه وذلكم بامتلاك الوسائل الممكنة لذلك وأول أداة وهي امتلاك ناصية العربية لأن القرآن بها نزل فكل تقاعس في أداء هذه المهمة يعد خيانة للأمانة التي أمرنا بأدائها وخروجا عن منهج ربّ العالمين. 
وإن كلمتنا لا يمكن أن تجمع بالتعصب والأهواء وإنما بالفهم الصحيح لأمر ديننا ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلاّ بإسناد أمر تعليم القرآن وتفهيمه لمن هو أهل ذلك لأن ما يحكاك ضد وطننا لأمر خطير جدا ويحضرني قول الشاعر: غريب أمر ما يجري وأغرب منه ألاّ تدري.