آه مـن بُعْـدِ السفـر

  • PDF


لمَّا مرض أبو هريرة مرض الموت بكى فقيل له: ما يبكيك يا أبا هريرة ؟! فقال: أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ولكنني أبكي لبُعْدِ السفر وقلة الزاد ونفس مقبلة على الرحمن ولا أدرى أإلى الجنة فأهنيها أم إلى النار فأعزيها؟ ثم دعا ربه قائلًا: اللهم إني أحب لقاءك فأَحِبَّ لقائي وعَجِّل لي فيه ثم فارق الحياة بعدها.
هذا الموقف يفيض بأنوار الإيمان ويظهر لنا أثر هذا النور إذا دخل القلب وهو موافق لهدْي الحبيب المصطفى وما أحوجنا جميعًا إلى مثل هذا الدعم المعنوي الإيماني الذي يُقربنا من الله تعالى ويرفع من همتنا فى فعل الصالحات وترك المنكرات.
قد تسيطر النزوات والشهوات والرغبات على بعض الناس فتحولهم إلى قيمة استهلاكية تجعلهم عبئًا على مجتمعهم وتحرمهم من المشاركة فى فعل الخيرات من صدقة أو تعليم أو إصلاح. فإذا استجابوا لهدى الله تعالى ولسنة الرسول تحولت حياتهم إلى نعيم وتصبح لحياتهم قيمة عند الله وعند الناس ينتفع بهم مجتمعهم ويسعد بهم فضلا عن سعادتهم ورضاهم.
قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِج مِنْهَا} (الأنعام/122) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (الأنفال/24).
وهكذا صنعت تعاليم الإسلام وهدايات القرآن والسنة فى سيدنا أبى هريرة  حالة من التجافى والبعد عن الأطماع والرغبات والنزوات والشهوات فى دار الغرور وحالة من الإنابة والخضوع لله والتبتل إليه والخوف والخشوع مع الرجاء والأمل فى رحمة الله تعالى وتذكر الموت والاستعداد له بفعل الصالحات وترك الموبقات.
وعلى هذا المنوال وبنفس الأسلوب يكون إكرام كل من أقبل على الله تعالى جادًّا صادقًا فله البشرى قال: ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن يقذف فى النار.