لا نسألك رزقًا نحن نرزقك

  • PDF


في ظلال آية
لا نسألك رزقًا نحن نرزقك 
خطاب القرآن خطاب صدق وعدل وإخباره إخبار حق وفصل إذ هو الجد ليس بالهزل {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} (فصلت:42) {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا} (النساء:82).
وحديثنا حول آية مفتاحية من آيات الكتاب الكريم وهي قوله جلَّ وعلا: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقًا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى} (طه:132).
والآية وإن جاءت خطابًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إنها خطاب لأمته من بعده تأمر الأهل خاصة وولاة الأمور عامة بأمر مَنْ كان تحت ولايتهم وعهدهم بالصلاة إقامة لها ومحافظة عليها.
الشريعة طافحة بالأدلة الحاثة على الصلاة إقامة وحفظًا إذ هي عمود الدين ودعامته فبإقامتها إقامة الدين وبالإعراض عنها فلا قائمة له.
غير أن الأمر المهم في الآية توجيه الخطاب إلى أولياء الأمور بتعهد أبنائهم ومن كان تحت رعايتهم بإقامة الصلاة والمحافظة عليها تهيئة لهم إليها وتعويدًا عليها وفي الحديث الصحيح: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر) رواه أبو داود.
روي أن عمر رضي الله عنه كان إذا استيقظ من الليل أيقظ أهله وقرأ قوله تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها}.
ولما كانت النفوس ميَّالة إلى طلب الراحة ومتثاقلة عن أداء ما كُلِّفت به جاء الأمر الإلهي بالاصطبار على تحمل أداء الصلاة {واصطبر عليها} والضمير يعود إلى الصلاة والمعنى: تزود بالصبر للقيام بما كُلِّفت به من أداء للصلاة وأمر لأهلك بها ولا تتثاقل عما كُلِّفت به والاصطبار فيه معنى الانحباس لأمر مهم وذي شأن ومستمر.
وحيث إن الخطاب القرآني قد يُتبادر منه أن طلب العبادة والتوجه إليها يكون عائقًا أو مانعًا من تحصيل الرزق أبان الخطاب أن أمر الرزق موكول إلى رب العباد ومدبر الأرزاق فقال: {لا نسألك رزقًا نحن نرزقك} أي: لا نسألك أن ترزق نفسك وإياهم وتشتغل عن الصلاة بسبب الرزق بل نحن نتكفل برزقك وإياهم وقريب من هذا المعنى قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} (الذاريات:56-58).
وإياك - أخي الكريم - أن تفهم من هذا الخطاب القرآني التقاعد عن طلب الرزق وترك الأسباب طلبًا لتحصيل أسباب الحياة فليس ذلك بمراد وهو فهم قاصر لهذه الآية ويكفيك في هذا المقام قوله تعالى: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه} (الملك:15) والآيات المقررة لهذا المعنى ليست قليلة فلا يلتبس الأمر عليك فالمحظور إنما الانشغال بأسباب الرزق عن عبادة الله سبحانه وخاصة الصلاة إذ هي أكثر العبادات تكررًا في حياة المسلم فإذا قام الإنسان بالأسباب المتاحة فقد حصل المطلوب أما إن انشغل بالأسباب وشُغل بتحصيل الرزق وترك أو قصَّر فيما كُلِّفه من واجبات فقد وقع فيما هو محظور وممنوع.
وإذ تقرر هذا كان معنى الآية: إذا أقمت الصلاة - في نفسك وأهلك - وعملت بأسباب الرزق الميسرة دون تكلف أتاك الرزق من حيث لا تحتسب كما قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب} (الطلاق:2-3).
على هذا فلا عذر اليوم لمن قصَّر في إقام الصلاة في نفسه وأهله بدعوى طلب الرزق وتعدد مطالب الحياة بحيث تجد أحدهم يلهث صباح مساء لتأمين مطالب الحياة غافلاً أو متغافلا عن شؤون أبنائه ثم تكون النتيجة لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى ولات ساعة مندم.