روائع القصص في الأمانة

  • PDF


روائع القصص في الأمانة
- دخل أبو مسلم الخَوْلاَنِيُّ على معاوية بن أبي سفيان فقال: السلام عليك أيها الأجير.
فقالوا: قُلِ السلام عليك أيها الأمير.
فقال: السلام عليك أيها الأجير.
فقالوا: قُلْ أيها الأمير.
فقال: السلام عليك أيها الأجير.
فقالوا: قُلِ الأمير.
فقال معاوية: دعوا أبا مسلم فإنه أعلم بما يقول.
فقال: إنما أنت أجير استأجرك ربُّ هذه الغنم لرعايتها فإن أنت هَنَأْتَ جرباها وداويتَ مرضاها وحبست أُولاها على أُخراها وفَّاك سيِّدُها أجرها وإن أنت لم تهنأ جرباها ولم تداوِ مرضاها ولم تحبس أولاها على أخراها عاقبك سيِّدُها.
- قام أعرابيٌّ إلى سليمان بن عبد الملك فقال له: يا أمير المؤمنين إني مكلِّمك بكلام فاحتَمْلُه إنْ كرهته فإنَّ من ورائه ما تحبُّه إنْ قَبلْتَه.
قال: هات يا أعرابي.
قال: فإني سأطلق لساني بما خَرِسَتْ عنه الألسن من عظتك بحق الله وحقِّ إمامتك إنه قد اكتنفك رجالٌ أساءوا الاختيار لأنفسهم فابتاعوا دنياك بدينهم ورضاك بسخط ربهم خافوك في الله  ولم يخافوا الله  فيك فهم حربُ الآخرة سِلْمُ الدنيا فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله  عليه فإنهم لم يألوا الأمانة إلاَّ تضييعًا والأُمَّة إلاَّ عسفًا والقرى إلا خسفًا وأنت مسئول عمَّا اجترحوا وليسوا مسئولين عمَّا اجترحتَ فلا تُصْلح دنياهم بفساد آخرتك فأعظم الناس غبنًا يوم القيامة مَنْ باع آخرته بدنيا غيره.
فقال له سليمان: أمَّا أنت يا أعرابي فقد نصحت وأرجو أن الله  يُعِينُ على ما تقلَّدْنَا.
*عن هشام بن عروة عن عبد الله بن الزبير قال: لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بني إنه لا يُقْتَلُ اليومَ إلاَّ ظالم أو مظلوم وإني لا أُرَانِي إلاَّ سأُقْتَلُ اليوم مظلومًا وإن من أكبر همِّي لَدَيْنِي أفترى يُبْقِي دَيْنَنَا من مالنا شيئًا؟ فقال: يا بني بع ما لنا فاقضِ دَيْنِي. وأَوْصَى بالثُلُثِ وثُلُثِهِ لبَنِيهِ -يعني بني عبد الله بن الزبير- يقول: ثلث الثلث فإن فَضَلَ من مالنا فَضْلٌ بعد قضاء الدَّيْنِ فثُلُثُه لِوَلَدِكَ. قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير خُبَيْبٌ وَعَبَّادٌ وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: فجعل يوصيني بِدَيْنِه ويقول: يا بني إنْ عجزت عنه في شيء فاستعن عليه مولاي. قال: فوالله ما دريتُ ما أراد حتى قلتُ: يا أبتِ مَنْ مولاك؟ قال: الله.
قال: فوالله ما وقعت في كربة من دَيْنِهِ إلاَّ قلتُ: يا مولى الزبير اقض عنه دَيْنَهُ. فيقضيه فَقُتِلَ الزبير ولم يدع دينارًا ولا درهمًا إلاَّ أَرَضِينَ منها الغابة وإحدى عَشْرَةَ دارًا بالمدينة ودارين بالبصرة ودارًا بالكوفة ودارًا بمصر قال: إنما كان دَيْنُهُ الذي عليه أنَّ الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إيَّاه فيقول الزبير: لا ولكنه سَلَفٌ فإني أخشى عليه الضَّيْعَةَ وما وَلِيَ إمارة قطُّ ولا جباية خراج ولا شيئًا إلاَّ أن يكون في غزوة مع النبي أو مع أبي بكر وعمر وعثمان قال عبد الله بن الزبير: فحَسَبْتُ ما عليه من الدَّيْنِ فوجدتُه ألفي ألف ومائتي ألف .
قال: فلَقِيَ حَكِيمُ بن حِزَام عبدَ الله بنَ الزبير فقال: يابن أخي كم على أخي من الدَّيْنِ؟ فكتمه فقال: مائة ألف . فقال حكيم: والله ما أُرَى أموالكم تَسَعُ لهذه. فقال له عبد الله: أفرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أُرَاكُم تُطِيقُونَ هذا فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي. قال: وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف ثم قام فقال: مَنْ كان له على الزبير حقٌّ فليوافنا بالغابة. فأتاه عبد الله بن جعفر وكان له على الزبير أربعمائة ألف فقال لعبد الله: إن شئتم تركتُها لكم. قال عبد الله: لا. قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخِّرون إن أخَّرتم. فقال عبد الله: لا. قال: قال: فاقطعوا لي قطعة. فقال عبد الله: لك من ها هنا إلى ها هنا. قال: فباع منها فقضى دينه فأوفاه وبقي منها أربعة أسهم ونصف فقَدِمَ على معاوية وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزبير وابن زمعة فقال له معاوية: كم قُوِّمَتِ الغابة؟ قال: كلُّ سهم مائةَ ألف . قال: فكم بقي؟ قال: أربعة أسهم ونصف. قال المنذر بن الزبير: قد أخذتُ سهمًا بمائة ألف. قال عمرو بن عثمان: قد أخذتُ سهمًا بمائة ألف. وقال ابن زمعة: قد أخذتُ سهمًا بمائة ألف. فقال معاوية: كم بقي؟ فقال: سهم ونصف. قال: أخذتُه بخمسين ومائة ألف.
قال: وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة ألف فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه قال بنو الزبير: اقسم بيننا ميراثنا. قال: لا والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنينَ ألاَ مَنْ كان له على الزبير دَيْنٌ فليأتنا فلنقضه. قال: فجعل كل سنة ينادي بالموسم فلمَّا مضى أربع سنين قسم بينهم قال: فكان للزبير أربع نسوة وَرَفَعَ الثُّلُثَ فأصاب كلَّ امرأة ألف ألف ومائتا ألف فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف.