حوار من القلب إلى القلب

  • PDF


من أكبر العلماء إلى أكبر الملوك
حوار من القلب إلى القلب 
وصل الإمام مالك بن انس ذروته في العلم وصار أوحد زمانه في خلافة هارون الرشيد حيث كانت تضرب له أكباد الإبل من الآفاق لأجل الأخذ من علمه.
*لقاؤه بالرشيد:
لما حج هارون الرشيد دخل المدينة فقيل له : قد صنف مالك بن أنس كتابا في الشرائع والآثار فأنفذ إليه يستحضر الكتاب.
 فقال مالك: هذا كتاب قد جمعت فيه السنن والآثار ثم يجبرني حمله إليه لا فعلت ذلك.
 فقيل له: لا نأمنه عليك. قال: فإذا أذل نفسي ولا أذل علمي فقام إليه فقال: يا أمير المؤمنين حدثني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العلم يؤتى ولا يأتي ونزل عليه جبريل وعنده ابن أم مكتوم بقوله تعالى: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فرأى الكآبة في ابن أم مكتوم وعرج ثم هبط في أسرع من طرفة عين بقوله تعالى: غَيْرُ أُولِي الضَّرَر فهذا جبريل قطع هذه المسافة لهذا الحرف وأنت تجبرني أن أحمل كتابا جمعت فيه سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار؟!
*حوار ساخن:
فقال: لا يا أبا عبد الله بل نأتيك في بيتك فنسمعه منك.
وأمر أن تسرج الدواب فقال: يا أمير المؤمنين حدثني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع .
قال مالك : أفتؤثر ظهور الدواب على أجنحة الملائكة؟! فقال: لا يا أبا عبد الله بل نمشي معك مشيا وقام فسايره إلى داره وجلس على السرير.
 وقال: هات يا أبا عبد الله. فقال: يا أمير المؤمنين حدثني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن العالم إذا اختص بعلمه الخاص دون العام لم ينتفع بعلمه الخاص ولا العام .
 وتابع ملك في حواره: فتأذن بإقامة النداء بحضور الناس لسماعه معك فأمر بإقامة النداء من أحب أن يستمع كتاب مالك ابن أنس مع أمير المؤمنين فليحضر.
 فلما حضر الناس قال: هات يا أبا عبد الله. فقال: يا أمير المؤمنين حدثني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من تواضع للعلم رفعه الله وإني أشتهي أن تستوي مع الناس.
*تسمية الموطأ:
فنزل عن السرير واستوى معهم ثم قرأ الكتاب عليهم فلما فرغ قال: إني أعلق هذا الكتاب على أستار الكعبة وأنادي من حاد عنه جلدته جلد المفتري.
 فقال: يا أمير المؤمنين إني قد قلت فيه برأيي واجتهدت ولا أبريء نفسي من الخطأ والغلط فدع الناس واجتهادهم.
فقال: بماذا سميته؟ قال: بل أنت أولى به.
فقال: أسميه بفعل أمير المؤمنين وتوطيته للخلق هو كتاب الموطأ توطأت فيه للعلم والرعايا.