هذا ما يُسَّن فعله عند المحتضر

  • PDF

وصايا الرسول الكريم لخاتمة حسنة
هذا ما يُسَّن فعله عند المحتضر
تختلف أحوال الناس في المواقف الصعبة فليس كل منا معتاد عليها فمنهم من يصبر ومنهم من يضجر ويسخط ومنهم من يتعامل بحماسة بالغة ويلتمس المنح في كل ما يصيبه من محن.
وحال المسلم ينبغي أن يختلف عن حال غيره في تلقي المصائب ومواجهة الصعاب فلابد أن يصبر صبرا جميلا ولا يجزع ويرضى بما قسمه الله له وبهذا يبلغ الدرجات العلا فهذا يعقوب عليه السلام حينما أخبروه بموت يوسف عليه السلام قال فصبر جميل والصبر الجميل هو الصبر الكامل برضا ويقين بأن الله سيجعل له مع العسر يسرًا والصبر الجميل هو أيضا الصبر الإيجابي دون خنوع أو نكوص لكنه صبر المتوكل على الله تعالى فلا تأخذه المصيبة عن أن يتعامل مع الأمر بما ينبغي أن يتعامل به بحكمة بالغة فلا تأخذه المصيبة عن أن يؤدي حق الله.
ونقف في هذه السطور وقفة يسيرة ما ينبغي للمسلم أن يفعله عند حضوره احتضار ميت سواء كان هذا الميت قريبا له أم بعيد فهذا الموقف من المواقف التي يتعرض له الإنسان بعامة ولا بد فيها مع هول مصيبة الموت من صبر جميل وحكمة في التعامل.
*ما يفعل عند الاحتضار:
الاحتضار هي حالة  اقتراب الإنسان الموت وفيها لا يشعر المريض أو المحتضر بما يحدث بجانبه ولا يدرك ما حوله إدراكًا كاملاً وهي حالة يلزمها الصبر فالتلقين هو التعليم والتفهيم والمراد بتلقين الميت أن يكون عنده من يذكره بالنطق بـ (لا إله إلا الله) كما لو كان يُعَلِّم صبيا ويلقنه والمراد بالميت هنا: المحتضَر الذي نزل به الموت وإنما استُحِب تلقين الميت كلمة الإخلاص في هذه الحال لأجل أن يختم له بها وتكون آخر ما نطق به من الكلام ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم به فعن أبي سَعِيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ) رواه مسلم وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَل رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ) رواه أحمد.
*لا تؤذي المحتضر:
وفي بعض الأحيان يفعل بعض من يشهد الاحتضار أشياء تؤذي المحتضر من هذا ما كثرة البكاء والعويل والصراخ والكلام بلا فائد بعامة كذا الانشغال بغير ذكر الله وذكر الموت عنده والتأسف لحاله وما يصحب ذلك من تأوهات ومشاعر حزينة كما يحزن بتذكيره سيئ أحواله وأخلاقه يقول النووي: وَكَرِهُوا الإِكْثَار عَلَيْهِ وَالْمُوَالاة لِئَلا يَضْجَر بِضِيقِ حَاله وَشِدَّة كَرْبه فَيَكْرَه ذَلِكَ بِقَلْبِهِ وَيَتَكَلَّم بِمَا لا يَلِيق. قَالُوا: وَإِذَا قَالَهُ مَرَّة لا يُكَرِّر عَلَيْهِ إِلا أَنْ يَتَكَلَّم بَعْده بِكَلام آخَر فَيُعَاد التَّعْرِيض بِهِ لِيَكُونَ آخِر كَلَامه .
ولَمَّا احْتُضِرَ عبد الله بْنُ المُبَارَكِ رحمه الله جَعَلَ رَجُلٌ يُلَقِّنُهُ قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. فَأَكْثَرَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: لَسْتَ تُحْسِنُ ! وَأَخَافُ أَنْ تُؤْذِيَ مُسْلِماً بَعْدِي إِذَا لَقَّنْتَنِي فَقُلْتُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ثُمَّ لَمْ أُحْدِثْ كَلاَماً بَعْدَهَا فَدَعْنِي فَإِذَا أَحْدَثْتُ كَلاَماً فَلَقِّنِّي حَتَّى تَكُوْنَ آخِرَ كَلاَمِي.
*التلقين للكافر:
ومما يشرع أيضا لتلقين لغير المسلم  ولو كان الميت كافرا لأنه لو قالها قبل النزع نفعه قوله ولو عذب ما عذب بذنوبه فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فإنه من كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يوما من الدهر وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه) رواه ابن حبان ومما يدل على أن الأمر بالتلقين يعم الكافر فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب ومع الغلام اليهودي الذي كان يخدمه فقد حضر النبي صلى الله عليه وسلم موت عمه أبي طالب وقال له: ( أَيْ عَمِّ قلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ ) رواه البخاري.
*كيف يكون التلقين:
يكون التلقين بلفظ الأمر بمعنى أن الملقن يأمر المحتضر فيقول له: قل: لا إله إلا الله أو يتلفظ بها أمامه بحيث يتذكرها إذا سمع من يقولها بجانبه فيقال: قل: لا إله إلا الله اختم حياتك بلا إله إلا الله وما أشبه ذلك وإن كان مسلماً ضعيفاً فإنه لا يؤمر وإنما يذكر الله عنده حتى يسمع فيتذكر وهذا التفصيل مأخوذ من الأثر والنظر  كما يكون تلقينه لا إله إلا الله ولم نقل: محمد رسول الله لأن هذا هو الذي ورد فيه الحديث: لقّنوا موتاكم لا إله إلا الله وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة . فكلمة التوحيد مفتاح الإِسلام وما يأتي بعدها فهو من مكملاتها وفروعها ولو جمع بين الشهادتين فقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله لا يمنع هذا من أن يكون آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله لأن الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة تابع لما قبلها ومتممٌ له ولهذا جعلها النبي صلى الله عليه وسلم مع الشهادة لله بالألوهية ركناً واحداً فلا يعاد تلقينه وظاهر الأدلة أنه لا يكفي قول المحتضَر: أشهد أن محمداً رسول الله بل لا بد أن يقول: لا إله إلا الله انتهى من الشرح الممتع .