ليلة القدر.. الكنز الكبير

الاثنين, 03 مايو 2021

كيف نتحراها.. وما أهم علاماتها؟
ليلة القدر.. الكنز الكبير
ها قد دخلت العشر الأواخر من رمضان والتي لها فضل خاص لاحتوائها على ليلة القدر وقد أنزل الله تعالى في شأنها سورة تتلى إلى يوم القيامة وذكر فيها شرف هذه الليلة وعظَّم قدرها وهي قوله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر. تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر. سلام هي حتى مطلع الفجر سورة القدر.
*فضل ليلة القدر:
ومما يبين فضل هذه الليلة المباركة قوله تعالى: وما أدراك ما ليلة القدر تنويهاً بشأنها وإظهاراً لعظمتها. ليلة القدر خير من ألف شهر أي: أي إحْياؤها بالعبادة فيها خير من عبادة ثلاث وثمانين سنة وهذا فضل عظيم لا يقدره قدره إلا رب العالمين تبارك وتعالى وفي هذا ترغيب للمسلم وحث له على قيامها وابتغاء وجه الله بذلك ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يلتمس هذه الليلة ويتحراها مسابقة منه إلى الخير وهو القدوة للأمة فقد تحرّى ليلة القدر.
*متى يستحب تحري ليلة القدر؟
ويستحب تحريها في رمضان وفي العشر الأواخر منه خاصة جاء في صحيح مسلم من حديث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوَّلَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ فِي قُبَّة تُرْكِيَّة (والقبة: الخيمة وكلّ بنيان مدوّر) عَلَى سُدَّتِهَا حَصِيرٌ قَالَ فَأَخَذَ الْحَصِيرَ بِيَدِهِ فَنَحَّاهَا فِي نَاحِيَةِ الْقُبَّةِ ثُمَّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ فَكَلَّمَ النَّاسَ فَدَنَوْا مِنْهُ فَقَالَ إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوَّلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ ثُمَّ أُتِيتُ فَقِيلَ لِي إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ قَالَ وَإِنِّي أُرْيْتُهَا لَيْلَةَ وِتْر وَإِنِّي أَسْجُدُ صَبِيحَتَهَا فِي طِين وَمَاء فَأَصْبَحَ مِنْ لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَقَدْ قَامَ إِلَى الصُّبْحِ فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ فَأَبْصَرْتُ الطِّينَ وَالْمَاءَ فَخَرَجَ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ وَجَبِينُهُ وَرَوْثَةُ أَنْفِهِ فِيهِمَا الطِّينُ وَالْمَاءُ وَإِذَا هِيَ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. صحيح مسلم.
وفي رواية قال أبو سعيد: مطرنا ليلة إحدى وعشرين فوكف المسجد في مُصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح ووجهه مُبتل طيناً وماء متفق عليه وروى مسلم من حديث عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه نحو حديث أبي سعيد لكنه قال: (فمطرنا ليلة ثلاثة وعشرين) وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألتمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى رواه البخاري.
*وقتها 
وليلة القدر في العشر الأواخر كما في حديث أبي سعيد السابق وكما في حديث عائشة وحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان حديث عائشة عند البخاري.
وفي أوتار العشر اكد لحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر رواه البخاري. وفي الأوتار منها بالذات أي ليالي: إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين. فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التمسوها في العشر الأواخر في الوتر رواه البخاري.
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى رواه البخاري فهي في الأوتار أحرى وأرجى إذن.
وفي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا ليلة القدر فتلاحى (أي تخاصم وتنازع) رجلان من المسلمين فقال: (خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرُفعت وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة البخاري. أي في الأوتار.
وفي هذا الحديث دليل على شؤم الخصام والتنازع وبخاصة في الدِّين وأنه سبب في رفع الخير وخفائه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (لكن الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى لثالثة تبقى) فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع وتكون الاثنان والعشرون تاسعة تبقى وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه) .
وليلة القدر في السبع الأواخر أرجى ولذلك جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه: أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر رواه البخاري ومسلم ولمسلم: التمسوها في العشر الأواخر فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يُغلبن على السبع البواقي.
وهي في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر عند أحمد ومن حديث معاوية عند أبي داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليلة القدر ليلة سبع وعشرين مسند أحمد وسنن أبي داود. وكونها ليلة سبع وعشرين هو مذهب أكثر الصحابة وجمهور العلماء حتى أبيّ بن كعب رضي الله عنه كان يحلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين قال زر ابن حبيش: فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر ؟ قال: بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها. رواه مسلم.
ورجّح بعض العلماء أنها تتنقل وليست في ليلة معينة كل عام قال النووي رحمه الله: (وهذا هو الظاهر المختار لتعارض الأحاديث الصحيحة في ذلك ولا طريق إلى الجمع بين الأحاديث إلا بانتقالها) المجموع 6/450.
*العلامات التي تعرف بها ليلة القدر:
العلامة الأولى: ثبت في صحيح مسلم من حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه أن النبي أخبر أن من علاماتها أن الشمس تطلع صبيحتها لا شُعاع لها. مسلم
العلامة الثانية: ثبت من حديث ابن عباس عند ابن خزيمة ورواه الطيالسي في مسنده وسنده صحيح أن النبي قال: ليلة القدر ليلة طلقة لا حارة ولا باردة تُصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة صحيح ابن خزيمة ومسند الطيالسي.
العلامة الثالثة: روى الطبراني بسند حسن من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي قال: ليلة القدر ليلة بلجة أي مضيئة لا حارة ولا باردة لا يرمى فيها بنجم أي لا ترسل فيها الشهب رواه الطبراني في الكبير انظر مجمع الزوائد مسند أحمد.
فهذه ثلاثة أحاديث صحيحة في بيان العلامات الدالة على ليلة القدر. ولا يلزم أن يعلم من أدرك وقامها ليلة القدر أنه أصابها وإنما العبرة بالاجتهاد والإخلاص سواء علم بها أم لم يعلم وقد يكون بعض الذين لم يعلموا بها أفضل عند الله تعالى وأعظم درجة ومنزلة ممن عرفوا تلك الليلة وذلك لاجتهادهم. نسأل الله أن يتقبّل منا الصيام والقيام وأن يُعيننا فيه على ذكره وشُكْره وحُسْن عبادته. وصلى الله على نبينا محمد.