هذه قصة عتبة وعتيبة ابني أبي لهب مع ابنتي رسول الله

  • PDF

مواقف في حياة المصطفى
هذه قصة عتبة وعتيبة ابني أبي لهب مع ابنتي رسول الله
منذ بدء الدعوة نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يَسْلم من الضغوط والحرب النفسية التي مارستها قريش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضي الله عنهم وأتى الشُّرُّ أول ما أتى من عمِّه أبي لهب!
والذي كان قد عقد لولديه عتبة وعتيبة على ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم رضي الله عنهما فحين أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أراد أبو لهب أن يكيد له ويُحَمِّله همَّ ابنتيه فأمر ولديه أن يُطلقاهما وكانا لم يدخلا بهما بعدُ ففعلا.
*عتبة بن أبي لهب ورقية بنت رسول الله
قال ابن إسحاق: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ زَوَّجَ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي لَهَب رُقَيَّةَ أَوْ أُمَّ كُلْثُوم فَلَمَّا بَادَى قُرَيْشًا بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى وَبِالْعَدَاوَةِ قَالُوا: إِنَّكُم قد فرَّغتم مُحَمَّدًا مِنْ هَمِّهِ فَرُدُّوا عَلَيْهِ بَنَاتِهِ فَاشْغَلُوهُ بِهِنَّ. فَمَشَوْا إلَى أَبِي الْعَاصِ فَقَالُوا لَهُ: فَارِقْ صَاحِبَتَكَ (وهي زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم) وَنَحْنُ نُزَوِّجُكَ أَيَّ امْرَأَة مِنْ قُرَيْش شِئْتَ. قَالَ: لاَ وَاَللَّهِ إنِّي لاَ أُفَارِقُ صَاحِبَتِي وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِامْرَأَتِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْش . وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُثْنِي عَلَيْهِ فِي صِهْرِهِ خَيْرًا فِيمَا بَلَغَنِي. ثُمَّ مَشَوْا إلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَب فَقَالُوا لَهُ: طَلِّقْ بِنْتَ مُحَمَّد وَنَحْنُ نُنْكِحُكَ أَيَّ امْرَأَة مِنْ قُرَيْش شِئْتُ. فَقَالَ: إنْ زَوَّجْتُمُونِي بِنْتَ أَبَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَوْ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَارَقْتُهَا. فَزَوَّجُوهُ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَفَارَقَهَا وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَأَخْرَجَهَا اللهُ مِنْ يَدِهِ كَرَامَةً لَهَا وَهَوَانًا لَهُ وَخَلَفَ عَلَيْهَا عثمان بن عفان بَعْدَهُ.
وسند الموقف السابق ضعيف ولكن له شواهد أخرى فعند البلاذري قال: رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوَّجها عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب. فلما نزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب } [المسد: 1] قالت أُمُّه أُمُّ جميل بنت حرب بن أمية حمالة الحطب: قد هجانا مُحَمَّد. وعزمت عَلَى ابنها عتبة أن يطلق رقية رضي الله عنها وعزم عَلَيْهِ أبوه -أيضًا- أن يطلقها ففعل .
وعند ابن سعد في معرِض حديثه عن رقيَّة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان زوجها قبل أن يوحى إليه -أي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب فلما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عز وجل عليه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب } [المسد: 1] قال له أبوه: رأسي من رأسك حرام إن لم تُطلِّق ابنة محمد. ففارقها ولم يكن دخل بها .
*عتيبة بن أبي لهب مع أم كلثوم بنت رسول الله
وعند ابن حبان: وزوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته رقية من عتبة بن أبي لهب وأم كلثوم ابنته الأخرى من عتيبة بن أبي لهب فلما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب } [المسد: 1] أمرهما أبوهما أن يفارقاهما ففارقاهما .
والمعلومة التاريخية مؤكَّدة ولها تبعات في السيرة النبوية معروفة ولقد بلغ الألم برسول الله صلى الله عليه وسلم أن دعا على عتيبة بن أبي لهب لأنه لم يُفارِق أم كلثوم رضي الله عنها في هدوء إنما كان له موقف شرس من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما رواه البيهقي وغيره قال البيهقي: وَطَلَّقَ عُتَيْبَةُ أُمَّ كُلْثُوم وَجَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ فَارَقَ أُمَّ كُلْثُوم فَقَالَ: كَفَرْتُ بِدِينِكَ وَفَارَقْتُ ابْنَتَكَ لاَ تُحِبُّنِي وَلاَ أُحِبُّكَ. ثُمَّ تَسَلَّطَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَشَقَّ قَمِيصَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَا إِنِّي أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِ كَلْبَهُ . فَخَرَجَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْش حَتَّى نَزَلُوا فِي مَكَان مِنَ الشام يُقَالُ لَهُ الزَّرْقَاءُ لَيْلاً فَأَطَافَ بِهِمُ الأَسَدُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَجَعَلَ عُتَيْبَةُ يَقُولُ: يَا وَيْلُ أُمِّي هُوَ وَاللهِ آكِلِي كَمَا دَعَا مُحَمَّدٌ عَلَيَّ قَتَلَنِي ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ وَهُوَ بِمَكَّةَ وَأَنَا بِالشَّامِ فَعَوَى عَلَيْهِ الأَسَدُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ وَأَخَذَ بِرَأْسِهِ فَضَغَمَهُ ضَغْمَةً فَذَبَحَهُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: فَحَدَّثَنَا بِجَمِيعِ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ الْعَلاَءِ الْعَبْدِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ الأَسَدَ لَمَّا طَافَ بِهِمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ انْصَرَفَ عَنْهُمْ فَنَامُوا وَجُعِلَ عُتَيْبَةُ فِي وَسْطِهِمْ فَأَقْبَلَ الأَسَدُ يَتَخَطَّاهُمْ حَتَّى أَخَذَ بِرَأْسِ عُتَيْبَةَ فَفَدَغَهُ (أي شَقَّه)  
ومع أن سند الرواية السابقة فيه ضعف إلا أن قصة افتراس الأسد لعتيبة مشهورة ووردت في كثير من مصادر السيرة ويبرز فيها ما أشرنا إليه من قبلُ من أن كفار قريش كانوا مُتَيَقِّنين من صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا عتيبة يُدرك صدق دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وورد في روايات أخرى أن أبا لهب نفسه كان يُحَذِّر المصاحبين لابنه في السفر من أمر افتراس ابنه لأنه عَلِمَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليه بذلك!
قال أبو نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة وهو يصف موقف دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم على عتيبة: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلاَبِكَ . قَالَ: وَأَبُو طَالِب حَاضِرٌ فَوَجِمَ عَنْهَا وَقَالَ: مَا أَغْنَاكَ عَنْ دَعْوَةِ ابْنِ أَخِي فَرَجَعَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ وَخَرَجُوا إِلَى الشَّامِ فَنَزَلُوا مَنْزِلاً فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمُ الرَّاهِبُ مِنَ الدَّيْرِ فَقَالَ لَهُمْ: هَذِهِ أَرْضُ مَسْبَعَة (أي كثيرة السِّبَاع). فَقَالَ أَبُو لَهَب : يَا مَعْشَرَ قُرَيْش أَعِينُونَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْهِ دَعْوَةَ مُحَمَّد فَجَمَعُوا أَحْمَالَهُمْ فَفَرَشُوا لعُتَيْبَةُ عَلَيْهَا وَنَامُوا حَوْلَهُ فَجَاءَ الأَسَدُ فَجَعَلَ يَتَشَمَّمُ وُجُوهَهُمْ ثُمَّ ثَنَى ذَنَبَهُ فَوَثَبَ فَضَرَبَهُ بِيَدَيْهِ ضَرْبَةً فَأَخَذَهُ فَخَدَشَهُ فَقَالَ: قَتَلَنِي وَمَاتَ مَكَانَهُ .
ففي الرواية السابقة نجد أن الجميع كان مُصَدِّقًا لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبو طالب وَجَمَ للدعوة وأبو لهب يأخذ حذره وحيطته وعتيبة وجِلٌ مرتعب والقوم المصاحبون لأبي لهب وابنه يأخذون الأمر مأخذ الجدِّ ولا يتهكَّمون على أبي لهب أو يلومونه على تصديق محمد صلى الله عليه وسلم لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم عندهم فوق الشبهات!