صنع الطعام لأهل الميت: اصنعوا لآلِ جعفر طعاماً

  • PDF


صنع الطعام لأهل الميت:
 اصنعوا لآلِ جعفر طعاماً
يُسَنُّ لجيران وأقارب أهل المَيِّت تهيئة وصنع طعام يبعثون به إلى أهل الميت إعانة لهم وجبْراً لقلوبهم فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن صنع الطعام لأنفسهم والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين قُتِل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة مؤتة: (اصنعوا لآلِ جعفر طعاماً فقد أتاهم أمرٌ يشغلُهُم). قال ابن تيمية: إنما المُستحب إذا مات الميت أن يُصنع لأهله طعاماً كما قال صلى الله عليه وسلم لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: (اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَر طَعَامًا فإنه قد أتاهم أمر شغلهم) . وقال ابن العربي: وهو أصل في المشاركات عند الحاجة.. فذهولهم عن حالهم بحزن موت وليهم اقتضى أن يتكلف لهم عيشهم . وقال الشافعي: وأحب لجيران الميت أو ذي القرابة أن يعملوا لأهل الميت في يوم يموت وليلته طعاما يشبعهم فإن ذلك سُنَّة وذِكْرٌ كريم وهو من فعل أهل الخير قبلنا وبعدنا . وقال ابن قدامة: يُسْتَحَبّ إصلاح طعام لأهل الميِّت يبعث به إليهم إعانة لهم وجَبْراً لقلوبهم فإنهم رُبَّما اشتغلوا بمصيبتهم وبِمَنْ يأْتي إليهم عن إصلاح طعام لأنْفسهم . وقال الصَّنعاني: فيه دليلٌ على شرعيَّة إيناس أهل الميِّت بصنع الطَّعام لهم لِمَا هم فيه من الشُّغل بالموت .
*فائدة :
دلت السيرة والسنة النبوية على أن صنع الطعام لأهل الميت من جيرانهم وأقاربهم وأصدقائهم مع ما فيه من جبر ومساعدة لما هم فيه من شغل وحزن فإن فيه كذلك تحقيق للترابط الاجتماعي والمواساة بين أفراد المجتمع ومع ذلك ينبغي ألا يخرج هذا الأمر عن الحدِّ المعقول إلى التكلف والمباهاة والمفاخرة أو أن يَصْنَعَ أهل الميت بأنفسهم طعاماً لمن يأتي إليهم للعزاء فهذه عادة وبدعة سيئة وخلاف هدي وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك قال السيوطي: هذا الأمر (صنع طعام لأهل الميت) كَانَ في الابْتداء على الطَّريقة المسنونة ثمَّ صَار حَدثا في الإسلام حَيْثُ صَار مفاخرة ومباهاة كما هو المَعْهُود في زماننا لأن الناس يجتمعون عند أهل الْمَيِّت فيبعث أقاربهم أطعمة لَا تَخْلُو عَن التَّكَلُّف فَيدْخل بِهَذَا السَّبَب الْبِدْعة الشنيعة فيهم . وقال ابن عثيمين: وصنع الطعام لأهل الميت إنما هو سُنّة لمن انشغلوا عن إصلاح الطعام بما أصابهم من مصيبة لقوله صلى الله عليه وسلم: فإنه قد جاءهم مَا يَشْغَلُهُمْ وهذا يدل على أنه ليس بسُنّة مطلقاً .
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نِعْمَ الصاحب لأصحابه يشاركهم في مشاعرهم ويشعر بآلامهم وآمالهم ويقف معهم في أحزانهم وأفراحهم ويساعد في رفْع الحزن والأسى عنهم ويجعل لهم من ألمهم أملا وله في ذلك مواقف كثيرة تدل على منهج تربوي أخلاقي في تعامل المسلم مع أصحابه ومن ذلك موقفه مع أهل وأولاد جعفر بن أبي طالب بعد استشهاده في مؤتة وقد قال صلوات الله وسلامه عليه: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى) رواه مسلم.