فتح مكة.. نصر من الله

  • PDF

إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا
فتح مكة.. نصر من الله
كان من بنود صلح الحديبية أن من أراد الدخول في حِلْف المسلمين دخل ومن أراد الدخول في حلف قريش دخل دخلت خزاعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ودخلت بنو بكر في عهد قريش وقد كان بين القبيلتين حروبٌ وثاراتٌ قديمة فأراد بنو بكر أن يصيبوا من خزاعة الثأر القديم فأغاروا عليها ليلًا فاقتتلوا وأصابوا منهم وأعانت قريش بني بكر بالسلاح والرجال فأسرع عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بغدر قريش وحلفائها.
أرادت قريش تفادي الأمر فأرسلت أبا سفيان إلى المدينة لتجديد الصلح مع المسلمين ولكن دون جدوى حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتهيُّؤ والاستعداد وأعلمهم أنه سائر إلى مكة كما أمر بكتم الأمر عن قريش من أجل مباغتتها في دارها.
وفي العشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة غادر الجيش الإسلامي المدينة إلى مكة في عشرة آلاف من الصحابة بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن استخلف على المدينة أبا ذر الغفاري رضي الله عنه ولما كان بالجحفة لقيه عمُّه العباس بن عبد المطلب وكان قد خرج بأهله وعياله مسلمًا مهاجرًا.
وركب العباس بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء يبحث عن أحد يبلِّغ قريشًا لكي تطلب الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل مكة وكان أبو سفيان ممن يخرج يتجسّس الأخبار فوجده العباس فنصحه بأن يأتي معه ليطلب له الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء به راكبًا معه حتى أدخله على رسول الله فقال له الرسول: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ! أَلَمْ يَأْنَ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟... أَلَمْ يَأْنَ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ . فقال العباس: ويحك أسلم! فأسلم وشهد شهادة الحق ثم أكرمه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ .
ولما تحرك الجيش لدخول مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي حتى تمر به جنود الله فيراها فمرَّت القبائل على أبي سفيان والعباس يُخبره بها حتى مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء فيها المهاجرون والأنصار فقال أبو سفيان: سبحان الله! ما لأحد بهؤلاء قِبَلٌ ولا طَاقَة. ثم أسرع إلى قومه وصرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم فيما لا قِبَل لكم به. فتفرَّق الناس إلى دورهم وإلى المسجد. ودخل رسول الله مكة متواضعًا لله الذي أكرمه بالفتح وكان قد وزَّع جيشه إلى مجموعات أو كتائب احتياطًا لأي مواجهة.
*دخول المسلمين مكة وسماحة الرسول
ودخل الجيش الإسلامي كلٌّ حسب موضعه ومهامه وانهزم من أراد المقاومة من قريش ولم يستطع الصمود أمام القوى المؤمنة ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام والصحابة معه فأقبل إلى الحجر الأسود فاستلمه وكان حول البيت ثلاثمائة وستون صنمًا فجعل يطعنها بقوس في يده ويكسرها ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49] والأصنام تتساقط على وجوهها ثم طاف بالبيت.
ثم دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة فأمر بها ففُتحت فدخلها فرأى فيها الصور فمحاها وصلى بها ثم خرج وقريش صفوفًا ينتظرون ما يصنع فقال: يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. قال صلى الله عليه وسلم: فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لِإخْوَانِهِ: {لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ .
وأعاد المفتاح لعثمان بن طلحة ثم أمر بلالًا أن يصعد الكعبة فيُؤذِّن وأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ دماء تسعة نفر من أكابر المجرمين وأمر بقتلهم وإن وُجدوا تحت أستار الكعبة.
*خطبة فتح مكة
وفي اليوم الثاني قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وألقى خطبته المشهورة وفيها: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فَهْيَ حَرَامٌ بِحَرَامِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمْ تَحِلَّ لأَحَد قَبْلِي وَلاَ تَحِلُّ لأَحَد بَعْدِي وَلَمْ تَحْلِلْ لِي إِلاَّ سَاعَةً مِنَ الدَّهْرِ لاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلاَ يُعْضَدُ شَوْكُهَا وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا وَلاَ تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِد .
وخاف الأنصار بعد الفتح من إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة فقال لهم: مَعَاذَ اللهِ! الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ   ثم بايع الرجال والنساء من أهل مكة على السمع والطاعة وأقام بمكة تسعة عشر يومًا يجدِّد معالم الإسلام ويرشد الناس إلى الهدى ويكسر الأصنام