إسلام عظيمين غيَّرا مسار الدعوة

  • PDF

*الشيخ راغب السرجاني 
لقد انتقل حمزة رضي الله عنه بعد إسلامه -ومن فوره- من رجل مغمور في صحراء الجزيرة العربية يعيش فقط لتجارته وملذاته وصيده إلى رجل قد أصبح كلُّ همِّه أن يُعبِّد الناسَ لربِّ العالمين وأن يُدافع عن دين الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يُظْهِر الإسلام ويحمي المستضعفين ولننظر كيف ترقَّى في القدر من كونه سيدًا لمجموعة من الرجال في قرية لا تكاد تُرى على الخارطة في فترة محدودة من عمر الدنيا لم تتجاوز سنوات معدودات إلى كونه سيدًا للشهداء في الجنَّة فقد أصبح حمزة رضي الله عنه سيدًا لكل الشهداء على مرِّ التاريخ وإلى يوم القيامة وقد خلَّد بذلك ذكره في الدنيا وخلَّد ذكره كذلك في الآخرة.
وبعد ثلاثة أيَّام فقط من إيمان حمزة رضي الله عنه آمن رجلٌ عظيمٌ آخر وبإيمان هذا العظيم الجديد سيُغَيِّر الله عز وجل من وجه الأرض تمامًا بل سيُغَيِّر من حركة التاريخ ذلك الرجل الذي سيُزلزل عروش ملوك الأرض في زمانه كسرى وقيصر وغيرهما هذا المؤمن الجديد هو: عمر الفاروق رضي الله عنه فمنذ أولى لحظات إيمانه حتى آخر أيَّام حياته رضي الله عنه كان فاروقًا وإنَّ قصَّة إسلامه لأعجب من قصَّة إسلام حمزة رضي الله عنهما فقد كان حمزة رضي الله عنه خلال السنوات الست التي سبقت إسلامه محايدًا بالنسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالنسبة إلى المؤمنين فهو ليس معهم وفي الوقت ذاته ليس عليهم أمَّا عمر بن الخطاب فكان شيئًا آخر فتاريخه مع المؤمنين كان صعبًا جدًّا فقد كان حافلًا بالقسوة والعنف الشديدين لذا كان إسلامه غير متوقَّع قط.
*اسلام عمر
فعندما توجَّه عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُعلن إسلامه كان في بيت الأرقم آنذاك ما يقرب من أربعين صحابيًّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الرغم من هذا العدد فقد قام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه يُدافع عن الجميع ويتصدَّر هذا الموقف الخطير مع أنَّ الإيمان لم يُخالط قلبه إلَّا منذ ثلاثة أيام فقط! قام حمزة يقول في صلابة: ائذن له فإن كان جاء يُريد خيرًا بذلناه له وإن أراد شرًّا قتلناه بسيفه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائذنوا له.
فُتِح لعمر رضي الله عنه فدخل إلى الدار المباركة دار الأرقم بن أبي الأرقم ثمَّ أدخلوه في حجرة وقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه واقترب منه ثُمَّ أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجمع ردائه ثمَّ جبذه نحوه جبذة شديدة وقال له في قوة: مَا جَاءَ بِكَ يَابْنَ الخَطَّابِ؟ فَوَاللهِ مَا أَرَى أَنْ تَنْتَهِيَ حَتَّى يُنْزِلَ اللهُ بِكَ قَارِعَةً .
عندئذ ردَّ عمر بصوت منخفض: يا رسول الله جئت لأؤمن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله.
الله أكبر!
انتصار هائل وكبير للدعوة خاصَّة بعد دخول حمزة رضي الله عنه في دين الله عز وجل.

والفرحة في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم لا تُوصف وكان أول ردِّ فعل له أن كبَّر اللهَ عز وجل: الله أكبر! الله أكبر! إنه سبحانه هو الذي صنع هذه المعجزة.
وكما وُلِد حمزةُ عملاقًا فإنَّ عمر -أيضًا- وُلِد عملاقًا رضي الله عنهما لقد وُلِد عمر فقيهًا حازمًا واضحًا صريحًا مضحِّيًا فكانت أولى كلماته بعد إسلامه: يا رسول الله ألسنا على الحقِّ؟
ولاحِظْ أنَّه يستخدم من فوره صيغة الجمع فقد انصهر في الطائفة المؤمنة في لحظة واحدة.
قال: بَلَى .
قال عمر: ففيم الاختفاء؟!
منذ أن أعلن عمر إسلامه حسب نفسه واحدًا من المسلمين وقد أخذ يقترح عليهم الاقتراحات ويُفَكِّر كيف يخدم هذا الدين وما الأنفع والأصلح للدعوة وكان هذا هو عمر!
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُرَتِّب حساباته بدقَّة وكان الاختفاء في السنوات الستِّ السابقة لأسباب أمَّا الآن فقد تغيَّر الوضع وبعد أن كان للاختفاء مزايا أصبح للإعلان مزايا فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم حساباته ثانية من جديد وذلك بعد إيمان البطلين حمزة وعمر رضي الله عنهما.
رجلان فقط من المسلمين غيَّرا مسار الدعوة الإسلامية بكاملها في هذه الفترة الحرجة.
ووافق رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإعلان وسيظهر المسلمون في مكة وتُقْضَى الشعائر أمام كل الناس وفي وضح النهار.