عبر ومواعظ من قصة أهل الكهف

  • PDF


لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ ‌عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
عبر ومواعظ من قصة أهل الكهف
لا تتوقف قصة أهل الكهف التي ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز واعترفت بها الديانات الأخرى مثل المسيحية على معجزة موت مجموعة من الرجال ومعهم كلبهم ثم إحيائهم بعد 300 سنة ولكن هناك معجزات عديدة ومواعظ وعبر يفهمها المؤمنون ويتعظ منها الصالحون بعد أن ذكر القرآن الكريم قصة الفتية الذين فروا ولجأوا إلى الكهف هاربين من ظلم الطغاة ففروا للنجاة بدينهم وعقيدتهم.
يقول الله تعالى في سورة الكهف: ﴿‌أَمْ ‌حَسِبْتَ ‌أَنَّ ‌أَصْحَابَ ‌الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا…﴾ [الكهف: 9 – 26] فهذه القصة المثيرة للدهشة من القرآن الكريم لم يذكرها الله تعالى للتسلية ولكن لأخذ العبرة وعظة للمبصرين وآية تثبيت للمؤمنين يقول الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ ‌عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ يوسف: 111.
جاءت سورة الكهف لبيان قصة أصحاب الكهف للدلالة على قدرة الله المعجزة كما اشتملت سورة الكهف على ثلاث قصص من روائع قصص القرآن الكريم هي قصة أصحاب الكهف وقصة موسى مع الخضر وقصة ذي القرنين والتي تبرهن على عظمة الخالق في الأمر والكون والرزق والحياة.
*فرار بالدين 
وضربت قصة أصحاب الكهف المثل والقدوة للتضحية بالوطن والأهل والأقارب والأصدقاء والأموال في سبيل العقيدة فقد فرّ هؤلاء الشباب الفتية المؤمنون بدينهم من بطش الملك الوثني واحتموا في الكهف داخل الجبل فأنامهم الله ثلاث مائة وتسع سنين قمرية ثم بعثهم ليقيم دليلا حسيا للناس على قدرته على البعث والنشور مرة أخرى.
جاءت القدرة في قصة أصحاب الكهف بصورة تدهش الناظر حيث بعث الله هؤلاء الفتية بعد سنين من الموت ليدحض دعوى قدرة الله على الإحياء بعد الموت وأطلق الله على هذه القصة آية عجيبة قال الله تعالى: ﴿‌أَمْ ‌حَسِبْتَ ‌أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ﴾ الكهف: 9.
استعمل القرآن (أم) للإضراب الانتقالي من غرض إلى غرض لتتصل بقوله تعالى: ﴿فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا﴾ [الكهف: 6] إذ كان مما صرف المشركين عن الإيمان إحالتهم الإحياء بعد الموت فكان ذكر أهل الكهف وبعثهم بعد خمودهم سنين طويلة مثالا لإمكان البعث.
فإقامة أصحاب الكهف من الرقاد الطويل رغم دلالتها على قدرة الله تعالى على إحياء الأموات وبعثها يوم القيامة للحساب أقل عجبا بين الآيات العجاب من قدرات الله تعالى على الكون ومنها آية خلق السماوات والأرض وهي أكثر روعة وعجبا وكذا الحادثة الكبرى التي تنتظر الكفار الذين ينكرون يوم البعث للجزاء وفي ذلك إيقاظ الغافلين عن قدرة الله العظيمة في هذا الكون.
يقول الله تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ الكهف: 13.
*إيواء الفتية إلى الكهف 
و جاء في التفسير المنير لقصة أصحاب الكهف: كان إيواء الفتية المؤمنين إلى الكهف من أبناء أشراف مدينة دقيانوس الملك الكافر فرارا بدينهم من فتنة الكافرين عبدة الأصنام. وهذا دليل صريح في الفرار بالدين وهجرة الأهل والبنين والقرابات والأصدقاء والأوطان والأموال خوف الفتنة وما يلقاه الإنسان من المحنة. وقد خرج النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فارّا بدينه وكذلك أصحابه كما نص الله تعالى في سورة براءة.
هجر أصحاب الكهف أوطانهم وتركوا أرضهم وديارهم وأهاليهم وأولادهم وقراباتهم وإخوانهم رجاء السلامة بالدين والنجاة من فتنة الكافرين .
ودلت قصتهم على إثبات التوجه إلى الله تعالى بالدعاء في جميع الأمور لا سيما الأمور العظام لأن الله هو القادر القيم على كل شيء والتوجه الصادق بالدعاء إلى الله يعطي الدلالة الكبيرة على اليقين والتوكل الحقيقي من الإنسان الضعيف والرغبة الشديدة منه لما عند الله وفي ذلك إثبات توحيد الألوهية التي من أجلها خلق الإنسان ويحقق المقاصد الغائية من الخلق وهي عبادة الله ووتحقيق توحيد القصد والطلب.
تضرع أصحاب الكهف في ظرف صعب وسألوا الله النجاة من الفتن الحالة بهم وبادروا إلى الابتهال بعد الإيواء إلى الكهف يقول الله تعالى: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ الكهف: 10.
ثم سألوا الله أن يقدر لهم أحوالا تكون عاقبتها حصول ما خولهم من الثبات على الدين الحق والنجاة من مناوأة المشركين فاستجاب الله دعوتهم وحقق لهم مرادهم وهيأ لهم من الأحوال الطيبة المحققة للخير والصلاح فصرف أعدائهم عن تتبعهم وألهمهم موضع الكهف ووضع الكهف على جهة صالحة ببقاء أجسامهم سليمة.
وأنام أصحاب الكهف نوما طويلا ليمضي عليهم الزمن الذي تتغير فيه أحوال المدينة وحصل رشدهم (الخير والصلاح) إذ ثبتوا على الدين الحق وشاهدوه منصورا متبعا وجعلهم الله آية للناس على صدق الدين وعلى قدرة الله وعلى البعث.