كيف اجتمعت هذه الصفات الثلاث في شخص النبي؟

  • PDF

شاهدًا.. ومبشرًا.. ونذيرًا
كيف اجتمعت هذه الصفات الثلاث في شخص النبي؟ 
يقول العلامة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي:
الشاهد: هو الذي يؤيد ويُثبِّت الحق لصاحبه لذلك يطلب القاضي شهادة الشهود ليأتي حكمه في القضية عن تحقيق وبيِّنة ودليل لذلك يقولون إن القاضي لا يحكم بعلمه إنما بالبينة حتى إنْ علم شيئاً في حياته العامة ثم جاء أمامه في القضاء يتركه ويتنحَّى عنه لقاض آخر يحكم فيه حتى لا يبني حكمه على علمه هو.
وحين نتأمل هذه المسألة تجد أن الله تعالى يريد أنْ يُوزِّع مسئولية الحكم على عدة جهات حتى إذا ما صدر الحكم يصدر بعد تدقيق وتمحيص وتصفية لضمان الحق.
فنرى مثلاً إذا حدثتْ حادثة نذهب إلى القسم لعمل (محضر) بالحادث (المحضر) يحيله ضابط الشرطة إلى النيابة فتحيله النيابة للقاضي ليحكم فيه ثم يُعَاد مرة أخرى للسلطة التنفيذية ليُنفَّذ كل هذه الدورة يُراد بها تحري الحق ووضعه في نصابه.
*عَلاَم يشهد رسول الله؟
فما بالك إذا كان الحق سبحانه هو الذي يشهد وهو الذي يحكم وهو الذي يُنفِّذ الحكم؟ لا شكَّ أن العدالة هنا ستكون عدالة مطلقة. فإنْ قلتَ: إذن عَلاَم يشهد رسول الله؟
قالوا: يشهد رسول الله أنه بلَّغ أمته كما يشهد الرسل جميعاً أنهم بلَّغوا أممهم كما قال سبحانه: { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّة بِشَهِيد وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً }النساء: 41.
إذن: كل رسول شهيد على أمته وأنت شهيد على هذه الأمة أنك قد بلَّغتها لكن ميْزتُك على مَنْ سبقك من إخوانك الرسل أن تكون خاتمهم فلا نبيَّ بعدك ولذلك سأجعل من أمتك من يخلف الأنبياء الذين يأتون بعد الرسل في مهمتهم.
لذلك جاء في الحديث الشريف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل .
إذن: ضمن الحق سبحانه في أمة محمد أنْ يوجد فيه مَنْ يقوم بمهمة الأنبياء في البلاغ وهذا معنى { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ... } البقرة: 143.
وكلمة الناس هنا عامة تشمل آدم عليه السلام وذريته إلى قيام الساعة فإنْ قلتَ كيف؟ نقول: يشهدون على الناس بشهادة القرآن أن الرسل قد بلَّغَتْ أممها هذا بالنسبة لمن مضى منهم أما مَنْ سيأتي فأنتم مطالبون بأن تشهدوا عليهم أنكم قد بلَّغتموهم كما يشهد عليكم رسول الله أنه قد بلَّغكم.
*أمة محمد 
إذن: فأمة محمد أخذت حظاً من النبوة وهو أنها ستُسْتدعي وتشهد على الناس.
لذلك يُعِدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته لهذه المهمة فيقول: نضَّر اللهُ امرءاً سمع مقالتي فوعاها ثم أدَّاها إلى مَنْ يسمعها فرُبَّ مُبلَّغ أوعى من سامع .
واقرأ أيضاً في ذلك قول الله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً... } [البقرة: 143] لماذا؟ ئ لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً... } [البقرة: 143] فهذه الأمة في الوسط بحيث لا إفراط ولا تفريط وما أشبهها بالميزان الذي لا تميل كفة عن الأخرى إلا بما يُوضعَ فيها فهي كالميزان العادل الذي لا يميل هنا أو هناك.وقوله سبحانه { وَمُبَشِّراً... } [الأحزاب: 45] لمن استجاب لك بثواب الله والبشارة هي الإخبار بالخير قبل أوانه { وَنَذِيراً... } [الأحزاب: 45] أي: منذراً لمن لم يُصدقك بعقاب الله والإنذار هو التخويف بشرّ لم يأْت أوانه { وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ... } [الأحزاب: 46] أي: بأمر منه لا تطَوُّعاً من عندك فقد يأتي زعيم من الزعماء أو مصلح من المصلحين بمنهج أو بأفكار من عنده ويبثُّها في مجتمعه.
فقوله تعالى: { بِإِذْنِهِ... } [الأحزاب: 46] يبين الفرق بين الرسول والمصلح من البشر فهذا الذي جاء به محمد من عند الله وما بلَّغكم به إلا بأمر الله.