جـوع

  • PDF


جـوع 
بقلم: الكاتبة رقية هجريس– الـجزائر


همت بالصعود.. خيل لها أن تسلك طريقها نحو أعلى هرم تماهى في الشموخ..تناهى إلى سمعها ضجيج أصوات ثملى وأزيز سيارات مجنونة تتخطى ذلك الظلام الحالك..تملكها الذعر ارتبكت حواسها تقهقرت زلت قدماها تدحرجت خطفها تيار غضوب إلى الأعلى ثم هوى بها نحو الهاوية علا صراخها راعدا هبت مذعورة باكية وهي لم تبرح فراش نومها..استغفرت.. استغربت؟ ظلت شاردة..حين صحت ذاكرتها دققت في حدث اليوم..ما تزال أغاني وزغاريد العرس ترن في أذنيها وتدق طبلتيهما..كانت منبهرة برحابة القاعة وجودة أثاثها.. جوّ رومانسي تألقت فيه نجمات تفوقن على نجمات هوليوود بأزياء طرزت بأحجار تشع كنجوم ليالي الصيف الفاتنة..وأناقة التجميل والـجَمال ففاح العطر والسحر والدلال عبر فضاء عج وصخب بالغناء والرقص والزغاريد آيات الطقوس تدوي الفضاء تدعوها لتقاسمها الفرح ولو من بعيد فاجأتها امرأة بقولها: وأنت ألا ترقصين؟.
ضحكت بألم والآهات في أعماقها بركان ملتهب..احتراما لها وقفت مسكت بيديها..كانت صنما باردا لا يعي لا دفء ولا حرارة لم يرتج لها بطن وما ارتعش ردفاها جاملت مرقصتها ثم انسحبت لتقبع على كرسي الفرجة تتأمل بشغف وحيرة جحافل النسوة وهن يسحن تائهات منتشيات يتلون كفراشات الربيع تساءلت: لِم هي مختلفة عنهن؟ لماذا لا تنصهر معهن وتستمتع لتغمر السعادة قلبها فتسري على ملامح ملّها الحزن؟ أم هي وحدها ترى أنها لحظات كاذبة سرعان ما تتبخر كسحاب جارف إبان قيظ الصيف؟.
الفرح في أعماقها شجن تلك الموسيقى توقظ في كيانها وجع السنين وماتكبدته من نكبات وآلام  الفواجع التي لاحقتها كفالة أيتام سرقت منها عمر الربيع حياتها لم تكن ملكا لها كل المحيطين يرون فيها مصدر راحتهم وسعادتهم لا أحد تجرأ ولو بالتفكير في مستقبل مجهول ينتظرها..وهي التي وهبت لهم كل شيء ولم تبح..تقاطع شرودها امرأة: زغردي العروس قادمة.
تبتسم..الكلام لا يجدي معهن تلازم صمتها.
تحلقت النسوة حول موائد زاخرة بألوان الأكل  والأواني الفضية  والزجاجية روائح توقظ الشهية.. كأنها موائد سماوية وسط ضحكات وموسيقى الأيادي المكللة بالذهب تمتد في كل الاتجاهات..بينما لازمها الـجوع الفظيع تتألم محمومة حاضرة مغيبة لفحتها حرارة شديدة مالت على الكرسي وغاصت في طيات الـجوع ورغيف خبز على طبق فضي ينأى عنها وهي تلهث مخترقة جموع النساء وسراديب الظلام ومجاهيله في ذلك الليل الأصم والـجوع يطوق أحشاءها رائحة الخبز تشنف أنفاسها لكنها خارت فاترة لا تقوى على الصبر.