كورونا فرضت على دُور النشر الاهتمام بكُُتُب حول الـمرض والوقاية منه

  • PDF

الأستاذ مـجاهد الناصر كاتب – الـجزائر

حَظِيَ الكِتاب بسمعة كبيرة بين الأمم إذ هو أداة لنقل المعارف وحفظ التاريخ ولقد سبق تأليف البشر للكتب نزول الكتب السماوية لتنظيم حياة البشر والأخذ بيدهم إلى طريق النجاة وتأسيا بهذا شرع المفكرون في التأليف في شتى التخصصات من الدِّين إلى الأدب إلى الطب والتاريخ من أجل إيصال ما ينفع الناس حتى لا تضيع العلوم المختلفة إذا لم تُقيّد بالكتابة فهو غذاء العقل بلا منازع وقد مدح الكتب كثيرٌ من الشعراء والأدباء فها هو المتنبي يقول:
أعز مكان في الدُّنى سِرْجُ سابح
وخيرُ جليس في الأنام كِتابُ 
ويروى عن عمر بن عبد العزيز –رضي الله عنه- أنه قال:(فتَّشْتُ فلم أجِدْ ألذُّ من النَّظرِ في عقول الرّجال) وقد ألّف الـمفكّر عباس محمود العقاد كِتابه (ساعات بين الكتب) الذي يروي فيه تجربته في قراءة الكتب واكتساب المعارف والقدرات وأفضى إلى القول: (اقرأ كِتاباً جيّداً ثلاث مرّات أنفع لك من قراءة ثلاثة كُتُب جيّدة) فهو يدعو إلى التركيز والقراءة العميقة التي تُكسب المعارف دون السطحية التي لا تفيد وها هو الجاحظ صاحب المؤلفات الكثيرة في عصره والذي يروى عنه أنه مات مدفوفاً تحت ركام الكتب التي سقطت فوقه وقد تجاوز التسعين حولاً ولم يجد من يناوله كِتابا أو دواة يقول عن الكِتاب:(الكِتاب نِعم الأنيس ساعة الوحدة ونِعم القرين والدخيل والكتِاب وعاء مليء علماً ولا أعلم جاراً آمناً ولا متجراً أطول عمراً ولا أطيب ثمراً منه.. ولا يعاملك بالمكر ولا يخدعك بالنفاق والكِتاب هو الذي إذا نظرت فيه أطال إمتاعك وبسط لسانك وجوَّدَ بيانك وفخّم ألفاظك وإذا قطعت عنه المادة لم يقطع عنك الفائدة..).
لا أعتقد أن مستوى الكِتاب العربي ولا الفرد العربي يرقى إلى هذا المستوى ذلك لأن المواطن العربي لا يقرأ باختصار الدول المتقدّمة المذكورة شعوبها تعرف قيمة الوقت فهي تستثمره في القراءة في القطار وفي الطائرة وفي الحافلة وعلى مقاعد الحدائق العامة وفي قاعات الانتظار وعلى الرصيف حتى طلابنا في المدارس والجامعات لا يقرأون فهم يلجأون إلى نقل ما يحتاجونه في تحرير أبحاثهم من الإنترنت بمعنى وصول المعلومة التي يريدها جاهزة في عملية إلكترونية وبسرعة فائقة (قص ولصق) لا أكثر.
إنّ بروز الكثير من المغريات الإلكترونية البديلة عن الكِتاب والملهيات مثل فيسبوك هي من بين وسائل كساد الكِتاب وعدم رواجه بين القراء.
ـ قرأنا عبر وسائل التواصل أن المكتبات في العالم الغربي أصبحت خاوية بسبب إقبال الناس على الكتب من أجل استغلالها في فترة الـحَجْر المنزلي في حين نجد أن الطلاب خاصة الجامعين لا يهتمون بالقراءة والإطلاع على أفكار الآخرين فهم يكتفون بما يُقدّم لهم من برامج الجامعة وأني أرى مستقبل الكِتاب في الجزائر لا يتغيّر ولن يتغيّر بدليل أن الكثير من المكتبات غيّرت نشاطها إلى بيع الأكلات السريعة وتعبئة رصيد الهاتف بمعنى أننا شعب استهلاكي (نأكل أكثر ونتكلّم أكثر) وأن العامة إنّما ينتقون المجلدات الثمينة من أجل تزيين مكتباتهم في غرف استقبال الضيوف ليس إلّا وحتى دُور النشر ذهبت إلى نشر الكتب التافهة مثل كتب تفسير الأحلام وكتب صنع الحلويات والإكثار من الحوليات التي يراجعها طلاب الامتحانات الرسمية ليس غيرها في غالب الأحيان  هذه أكثر رواجاً من بقية الكتب ولما كان الـمَعرض الدولي فضاء يتكرر فيه اللقاء السنوي للقراء والمتنفس الوحيد للمثقف الجزائري لاقتناء الجديد من الطباعة والنشر العالمي وحركة اقتصادية لبيع الكِتاب الوطني بالتوقيع ألغته الجائحة هذه السنة ولقد انتعشت الكتابة بعد اجتياح كورونا وتسابقت دُور النشر إلى نشر كُتُب حول المرض وتطوره وطرق الوقاية منه وأكثر منها تجارية بعيدة عن أهل الاختصاص وليست من إنتاجها وإنما كُتُب فرضها الواقع المعاش. 
الكِتاب الإلكتروني لم يكن منافساً للكِتاب الورقي وإنما مكملاً له قد يقيّد مُنتَجات دُور النشر ويؤدي إلى كسادها لكنه وسيلة لا مناص منها فرضتها المنصات الإلكترونية صحيح أن الكِتاب الورقي له حَميمِيّة خاصة فأنت تلمسه وتداعب ورقاته وتنام وهو على صدرك أو تحت المخدة وله رائحة متميّزة ومتعة خاصة لا يوفّرها الكِتاب الإلكتروني لكن الكِتاب الإلكتروني فتح مجالاً واسعاً فهو في متناول القارئ أين ما كان ومتى شاء ودون مقابل في أكثر الأحياء وبيُسر والكِتاب الالكتروني يتخطى الحواجز والموانع ويفْلت من الرقابة ويمكن تحميله وطبعه ليصبح ورقياً إذا دعت الضرورة وكان كتاباً مُهماً وقد قضى  مأساة البحث عن كِتاب وقضى عن ظاهرة الإعارة التي سلبت منا الكثير من الكتب حتى نظم في شأنها الأشعار:
أيا مستعير الكتب دعني ..... فإن إعارتي للكِتاب عار
محبوبي من الدنيا كِتاب .. وهل يا صاحي محبوب يعار؟
أصبحت الكتب والمعلومات في الجيب دون مقابل ولكن غاب القراء بالأمس كنا نجري وراء اقتناء كِتاب واليوم يركض الكِتاب من أجل أن يجد من يقرؤه.