الأمازيغية المعيارية حلم تحيط به أخطار.. لكنه ليس مستحيلاً

  • PDF

أخبار اليوم ترصد آراء أساتذة حول اللسان البربري
الأمازيغية المعيارية حلم تحيط به أخطار.. لكنه ليس مستحيلاً

لا تزال مسألة كتابة المُنتَجات البربرية الأمازيغية الفكرية والتاريخية والأدبية والصحفية والثقافية والفنية وغيرها تثير الجدل من حين إلى آخر في البُلدان المغاربية وغيرها.. ويُطالِب كثيرون بـ لسان معياري تَشترك فيها جميع اللهجات البربرية الشهيرة (زناتة شاوية شينوية ميزابية تارقية صنهاجة هوارة لواتة شلحية مصمودة نفوسة سيوة..) مثل ما كُتِب القرآن الكريم بلسان قريش العربي. 
سألنا أساتذة عن آرائهم في ذلك وحول التحديات التي تُواجِه مشروع اللسان البربري المعياري واقتراحاتهم. 

الدكتور محمد عبد النور أستاذ جامعي :
ضرورة اختبار قدرة الأمازيغية على الاستمرار لغة حية
* لا بديل عن العربية لغة قياسية وحيدة وممكنة

الحقيقة التي يؤكدها علماء اللغة أن اللغات في العالم هي إما إلى ازدهار أو إلى انحسار فأما الازدهار فمرتبط بالنهوض الحضاري لشعب ما بما يقتضي تطور لغته وتوسعها وأما الانحسار فيرتبط بانصهار الأعراق بعضها في بعض ما يعني فناء لغة لصالح لغة أخرى ومعنى ذلك أن جغرافية اللغات في العالم متحركة وليست ثابتة وتحرّكها متعلق أساسا باستعمال الكلمات والمفردات الأصلية لتلك اللغة والسؤال المطروح: هل حياة اللغات وموتها متعلّق بإرادة الإنسان الثقافية أو السياسية أم أن هناك عوامل أخرى موضوعية هي التي تحدد مصيرها؟
إن حياة اللغة مرتبط من الناحية الشكلية بحياة حروفها المكتوبة وقواعد نحوها وعلى الأغلب فإن عدم امتلاك لغة للشكل المكتوب والنحو الخاص والاستعمال الرسمي يعني أنها آيلة للموت لا محالة وبالتالي فإن ما نشهده اليوم من محاولات إحياء الأمازيغية هو في حقيقة الأمر آخر المحاولات لإبقائها حية وطبعا فإن التحدّي المطروح هل هو محاولة ناجحة أم يائسة؟
للجواب على السؤال لا بد من التمييز بين واقع الأمازيغية اليومي وبين محاولات إحيائها ثقافيا وسياسيا نحن نعرف أن الغالبية البربرية في المغرب الكبير عامة تعرّبت عبر الزمن والتمييز اليوم بين عرب وبربر يحصل بواسطة اللغة المحكية وهذا يعني أنه تصنيف نسبي جدّا ما دام الزمن يفعل فعله بفعل التصاهر الأسري والتواصل الاجتماعي وارتفاع نسبة التعليم وهي عوامل تعمل لصالح اكتساح الدارج العربي اليومي للأمازيغية ودعني أبيّن هنا الفارق الواقعي بين العربية واللاتينية والأمازيغية باعتبار الأوليين محيطتان بالأخيرة أولا الامتداد الثقافي والجغرافي الذي تملكه اللغتان اللاتينية شمالا والعربية إلى الشرق هو أوسع بكثير من الوجود البربري المتقطّع داخل دول المغرب الكبير والمنقطع عن مصدر حضاري حي خاص به وجود متقطّع جغرافيا وديمغرافيا ومنقطع عن ثقافة مصدرية وأقصد بها خاصة الدّين فالأمازيغ مسلمون وبالتالي فإن كل ممارستهم اليومية للدين هي مؤسسة على التعابير اللغوية لنصوص الوحي وهذا يعمل لصالح الانصهار في العربية.
وذلك فضلا عن الملاحظات الفعلية التي تؤكد تراجع الأجيال عن استعمال الأصيل من مفردات الأمازيغية في ممارستهم اليومية واستدخال مفردات عربية ولاتينية مكانها هو ما نجد كبار السن مثلا يحتجون عليه ليس بدافع ضيّق لكنه بدافع الحفاظ على موروث إنساني تشكل التراجع عن استعماله مؤشر على الانفلات الحاصل.
أما إذا جئنا إلى الجانب الثقافي السياسي فأعالجه من وجهتي نظر وهي وجهة التصرف السياسي الحاصل تجاه الأمازيغية ووجهة النظر المعيارية في إمكان تأسيس لغة أمازيغية معيارية وهو لب الجواب عن سؤالك.
اعتبار الأمازيغية لغة وطنية دستوريا كما حدث ويراد له أن يحدث لم يسبق بأي مقدّمات موضوعية أولها إنشاء مراكز جادة ونزيهة تجمع كل المختصين من كل الأمازيغيات للاتفاق على صيغة معينة لتوحيد الألفاظ والقواعد وحرف الكتابة وقبل ذلك وجب أن يكون الأمر متعلقا بتوجه اجتماعي عام ورغبة طبيعية وعفوية من مجموع أمازيغ الجزائر وعلى الأقل من الناحية الإعلامية فإن تحقق الشرطين من عدمه ليس جليا إذ غطت عليه الأيديولوجيا وخطاب العاطفة لكن عموما فإن الأول يحتاج حوصلة للجهود الجارية ومدى إمكان الاتفاق على لغة معيارية أما معرفة رأي الجمهور الأمازيغي في تقنين لغته نحويا وسياسيا فيحتاج إلى استفتاء نزيه على أساسه يمكن تشكيل موقف عند السلطة الوطنية.
أما ما يحصل اليوم من التمايزات العرقية واللغوية هي ليست رغبة في استقلال لغوي بقدر ما هو ناتج عن افتعال سياسي لا يعبّر عن رغبة الجماهير بقدر ما كان تخطيطا يهدف إلى إشعال فتيل الحرب والتقسيم بين العرقيات وهنا أصل إلى تمييز مهم جدّا من المفيد أن يستقر في الوعي الجمعي الوطني وهو أن الفارق كبير جدّا بين أن تحصل الرغبة في تقنين الاختلاف اللغوي طبيعيا وعفويا بحيث يمكن أن ينتهي مثلا إلى تقنين عفوي نابع من رغبة جماعية تاريخية في الاستقلال اللغوي مثلما حصل في استقلال الهولندية عن الألمانية وهنا تطرح إشكالية وحدة الجذر اللغوي بين اللسانين العربي والأمازيغي ذلك أن بعض الاجتهادات تؤكد القرابة العائلية بين الأمازيغية والعربية وأن ما حقق الصلة بينهما هو الوساطة الفينيقية التاريخية بين الشعبين العربي في المشرق والأمازيغي في المغرب وأن الإسلام عزز الصلة الاجتماعية والعربية بينهما وعلى ذلك فإن الخطاطة الافتراضية للعمل هي كما يأتي: توحيد الألفاظ واشتقاقاتها بين الأمازيغيات بمعنى إعادتها إلى لسان معياري واحد أولا وإيجاد صلاتها بالعربية وكذا عدّ وإحصاء الألفاظ المستقلة والمشتركة وذلك في إطار نخبوي بعيدا عن الجدل الأيديولوجي والشعبوي حول الموضوع وهذا يتطلب تحقيقا وأبحاثا غير منجزة بعد وإرادة سياسية حقيقية في حلحلة الإشكال بشكل موضوعي وجازم وأعني بذلك أن اختبار قدرة الأمازيغية على الاستمرار لغة حية.
(وقد كتبت مقالا في المسألة بعنوان:هل يمكن أن نبني نحوا لكلامنا اليومي؟.
وهذا يعني أن يشمل التقنين حتى العاميات العربية وتصبح الفصحى كاللاتينية لغة قدسية مع التأكيد أن لا بديل عن العربية كلغة قياسية وحيدة وممكنة اليوم).
فرغم أن موضوع الأمازيغية خالطه الكثير من التسييس والتلاعب الأيديولوجي إلا أنه أصبح الآن حقيقة موضوعية لذلك وجب علاجها بضمانات علمية وسياسية رشيدة من خلال المرور بفترة اختبار وفرصة تجريبية بعيدا عن التلاعب السياسي والأيديولوجي فالأمازيغية لسان يتحدث به أصحابه عفويا دون كتابة ولا قواعد مثبتة ولا متفق عليها فضلا عن تعدديته.
وأخيرا فإن اعتقادي أن الأمازيغية ستبقى تراثا إنسانيا يتدارس ويدرّس بصفته موروثا إنسانيا وأن افتقاده مصدرية دينية أو علمية أو ثقافية مدونة تعيد إليها الحياة مجددا سيكون صعبا جدا أما وإن حصل الاتفاق على توحيد ألفاظها وقواعد نحوها فإن وظيفتها ستكون تمييزية فحسب وهو ما سينتهي إلى مفارقة لا أستوعبها حاليا وهي ما يأتي: التأسيس للاستقلال اللغوي يهي للاستقلال السياسي لا محالة وذلك من خلال فصل البربري عن العربي وفي المقابل فإن الأمازيغ مسلمون وبالتالي فإن المضامين الفكرية والثقافية للغتهم ستكون إسلامية لا محالة وهنا يتحقق مضمون آية التعارف رقم 13 من سورة الحجرات.
والأهم في كل ذلك عدم تعنيف الموضوع إن نحو ترسيخ الأمازيغية بصفتها لغة أو اندثارها لا بد من متابعة الموضوع ومراقبته والاستفتاء حوله والبحث فيه وفي النهاية سيتحقق ما هو موضوعي وممكن بعيدا عن الاحتراب الأهلي والتنابز العرقي لأن الإسلام في النهاية سيوحد شعوب المغرب كلها.. والله أعلم.

إعداد: جمال بوزيان