هل نحن على أبواب عهد جديد للمجتمع المدني بالجزائر؟

  • PDF


قراءة في مدى حضوره في مشروع التعديل الدستوري
هل نحن على أبواب عهد جديد للمجتمع المدني بالجزائر؟


مساهمة: فوزي حساينية *


تعد فكرة المجتمع المدني بمفهومها الحديث فكرة طارئة على الواقع العربي وهذا لاينفي أن المجتمع العربي في مراحله التاريخية المختلفة قد عرف هيئات وتنظيمات أهلية كانت تنهض بالعديد من المهام والمسؤوليات التي تعد اليوم من صميم المهام التي يتميز بها المجتمع المدني كما نعرفه في عصرنا فقد وُجدت عبر العصورالعديد من التنظيمات التي تمثل مختلف الحرف أو ما عُرف بـ الأصناف التي هي نظير ما يعرف اليوم بـالنقابات كما أن نظام الوقف شكَّل العمود الفقري والقاعدة الصلبة التي استند إليها المجتمع الأهلي في صيانة استقلاليته والنهوض بمهامه.
 وبغض النظر عن التعريف الأفضل والأقرب إلى مضمون ومهام المجتمع المدني أو مدى الاختلاف والتطابق بين المجتمع الأهلي والمجتمع المدني فإن ما أُريد التوقف عنده هنا هو محاولة معرفة مدى الأهمية التي أولاها مشروع التعديل الدستوري لمسألة المجتمع المدني ومدى حضور هذاا لمجتمع في مختلف أبواب ونصوص مشروع التعديل الذي بين أيدينا.


أول ملاحظة
وأول ملاحظة يمكن تسجيلها هنا هي أن عبارة المجتمع المدني قد وردت وتوزعت على أربعة أبواب من مشروع التعديل الذي يتضمن ستة أبواب فضلا عن الديباجةالتي كانت المحطة الأولى التي احتفت بذكر المجتمع المدنيفي الفقرة الحادية عشرة التي جاء فيها إن الشعب الجزائري ناضل ويناضل دوما في سبيل الحرية والديمقراطية وهو متمسك بسيادته واستقلاله الوطنيين ويعتزم أن يبني بهذا الدستور مؤسسات أساسها مشاركة كل المواطنين والمجتمع المدني...
كما أن الفصل الثاني من الباب الأول والمُخصص للشعب قد تضمن في المادة العاشرة الإشارة الواضحة إلى أن الدولة سيكون من ضمن مهامها دعم المجتمع المدني ليكون قادرا على المشاركة في تسيير الشؤون العمومية تسهر الدولة على تفعيل دور المجتمع المدني للمشاركة في تسيير الشؤون العمومية وقد تحفظ البعض على فكرة أن تقوم الدولة بتفعيل دور المجتمع المدني من منطلق أن ذلك يعني استحواذ الدولة على مختلف مكونات المجتمع المدني والمس باستقلاليته وصدقيته لكن لا أرى مبررا لهذا التخوف على أساس أن المجتمع المدني في الجزائر كما في مختلف المجتمعات العربية لايزال في حاجة إلى الدعم والمرافقة المعنوية والمادية وصولا إلى المرحلة التي يستطيع فيها المجتمع المدني تسجيل حضور أعمق وأدوم في الفضاء العام إلى جانب مختلف مؤسسات الدولة أما في الفصل الثالث من ذات الباب والمخصص للدولة فقد نصت المادةالسادسة عشرة في فقرتها الثالثة: تشجع الدولة الديمقراطية التشاركية على مستوى الجماعات المحلية لاسيما من خلال المجتمع المدني ويتضح من هذه الفقرة حرص المشرع الدستوري على أن يقتحم المجتمع المدني ومن أوسع الأبواب مجال المساهمة في تسيير وإدارة الشؤون العمومية وبما أن من أهم تمظهرات المجتمع المدني هي الحركة الجمعوية فقد نصت المادة الثالثة والخمسين في فقرتها الثانية والواردة في الفصل الأول من الباب الثاني المُكَرِسْ للحقوق الأساسية والحريات العامة والواجباتعلى أن الدولة تدعم الجمعيات ذات النفع العام والتأكيد على فكرة النفع العام هنا تأتي في سياق ما أثبته الواقع على مدار السنوات الماضية من أن الكثير من الجمعيات تحصلت على الكثير من الدعم دون أن يظهر لنشاطها عائد اجتماعي حقيقي وعليه فالنفع العام سيكون بمثابة المعيار الأساسي في سياسة دعم الحركة الجمعوية مستقبلا.
 أما في الباب الرابع من مشروع التعديل الدستوري والخاص بمؤسسات الرقابة فقد تعرض للمجتمع المدني في فصله الرابع المخصص للسلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته وذلك في الفقرة الرابعة من المادة 205 والتي تجعل من بين مهام السلطة العليا للشفافية المساهمة في تدعيم قدرات المجتمع المدني والفاعلين الآخرين في مجال مكافحة الفساد .


توفير إطار لمشاركة المجتمع المدني
 أما إذا جئنا إلى الباب الخامس والمتعلق بالهيئات الاستشارية فإننا نجد المادة210 في فقرتها الأولى والتي تتحدث عن المهام الأكثر التصاقابالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تقول: توفير إطار لمشاركة المجتمع المدني في التشاور الوطني حول سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في إطار التنمية المستدامة ويمكن أن نعتبر أن ما ورد في المادة 213بمثابة التتويج لاهتمام مشروع التعديل الدستوري بمسألة المجتمع المدني ودوره المستقبلي في إطار المجتمع والدولة في الجزائر فهذه المادة أسست لأول مرة للمرصد الوطني للمجتمع المدني والذي هو هيئة استشارية لدى رئيس الجمهورية ومن مهامه الأساسية أن يقدم أراء وتوصيات متعلقة بانشغالات المجتمع المدني كما سيكون من واجبات المرصد الوطني للمجتمع المدني المساهمة في ترقية القيم الوطنية والممارسة الديمقراطية والمواطنة ويشارك مع المؤسسات الأخرى في تحقيق أهداف التنمية الوطنية وهذه المهام التي وردت في المادة 213 تعد الصورة العامة فقط لأن رئيس الجمهورية سيحدد تشكيلة المجلس ومهامه الأخرى وعندها فقط يمكننا أن نقوم بدراسة تقييمية تحليلية وافية عن تكوين وأهداف وأهمية مايمكن أن يضيفه هذا المرصد للواقع الوطني اعتمادا على ثلاثية الديمقراطية التشاركية وتعزيز المواطنة والتنمية المستدامة.
هذه هي المواضع التي وردت فيها عبارة المجتمع المدني بكيفية صريحة ولكن يمكننا أيضا أن نشير إلى العديد من المواضع التي جاءت فيها الإشارة بطريقة غير مباشرة إلى المجتمع المدني ونكتفي بمثالين فقط الأول ما ورد في الفقرة الثالثة من المادة 212 التي تناولت تبيان وتحديد مهام المجلس الوطني لحقوق الإنسان يبادر المجلس بأعمال التحسيس والإعلام والاتصال لترقية حقوق الإنسان ونفهم ضمنيا أن المجتمع المدني سيكون معنيا عندما يضطلع المجلس الوطني لحقوق الإنسان بهذه الأنشطة الإعلامية والتحسيسية التي لا يمكن أن تتم إلا في إطار المجتمع المدني وبمشاركته ويمكننا ثانيا أن نتلمس الحضور الضمني للمجتمع المدني في المادة 215 في فقرتها الثانية يساهم المجلس الأعلى للشباب في ترقية القيم الوطنية والضمير الوطني والحس المدني والتضامن الاجتماعي في أوساط الشباب فالحس المدني والتضامن الاجتماعي يرتبطان ارتباطا عضويا بالمجتمع المدني كما أنه من المستحيل في الجزائر أن نتحدث عن المجتمع المدني بعيدا عن الشباب لأن هذه الفئة تشكل غالبية الشعب الجزائري ولا يمكن أن تنجح أية مبادرات من النوع الوارد في الفقرة السابقة دون أن تنخرط فيها مختلف الفعاليات الشبابية بما تتوفر عليه من صدق وتنافس وديناميكية وتطلع إلى المستقبل.


عهد جديد للمجتمع المدني؟
ويتضح من هذا العرض السريع المدى الواسع لذكر المجتمع المدني سواء بطريقة صريحة أو ضمنية فإذا علمنا أن مشروع التعديل الدستوري موزع على ستة أبواب فإننا نجد أن الذكر الصريح للمجتمع المدني قد ورد في كل من الباب الأول والباب الثاني والباب الرابع والباب الخامس وقبل ذلك في الديباجة علما أن الباب السادس خاص بالتعديل الدستوري أما عن حالات التعرض الضمني للمجتمع المدني فهي بدورها ملفتة للانتباه كما أنه من المهم أن نسجل هنا أن المشرع الدستوري قد حرص على الإدراج النوعي للمجتمع المدني في الوثيقة المشروع وهكذا نجد أن الفصول الخاصة بالشعب والدولة والحقوق والحريات العامة وبالسلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته وعدد من الفصول في الباب الخاص بالهيئات الاستشارية تضمنت كلها فكرة المجتمع المدني تصريحا أو ضمنا فهل نحن على أبواب عهد جديد للمجتمع المدني في الجزائر؟ إن أحسن من سيجيبنا عن هذا السؤال هي الأيام القادمة وفي انتظار ذلك لابد وأن نتوقف عند النقاط التالية:
أولا: نحن نتحدث هنا في حدود ما ورد في مشروع التعديل الدستوري الذي يشكل أرضية قانونية مستقبلية والذي لن يكون نافذا إلا إذا وافق عليه الجزائريون في الاستفتاء الشعبي مطلع نوفمبر القادم ولكن حتى إذا وافق الجزائريون على هذا المشروع فإن التحدي الكبير سيبدأ عندئذ عندما نشرع في تحويل النصوص الدستورية وروح الدستور إلى واقع حي ومكاسب واقعية وهذا يتوقف على نوعية الثقافة السياسية التي سنعمل كجزائريين على تكريسها في يومياتنا وعلى مدى قدرتنا على التعلم من التجارب الناجحة في مختلف أرجاء العالم.
ثانيا: لم أتعرض في هذا المقال إلى الأحزاب السياسية على الرغم من أن أغلب الدراسات المتعلقة بالمجتمع المدني تعتبر الأحزاب السياسية وكذا الحركة النقابية جزء من هذا المجتمع علما وأن الأحزاب السياسية استفادت هي الأخرى من مزايا عديدة وفقا لماورد في المادتين 57و58 بما يقود إلى الاستنتاج أن التعددية الحزبية في الجزائر قد أصبحت من المكاسب التي لا رجعة عنها مع ضمانات دستورية تقود إلى تعميق وتوسيع دور ومسؤوليات الأحزاب السياسية في الحياة المحلية والوطنية لكن دعم الحق النقابي في القطاع الخاص لايزال بحاجة إلى الكثير من الاهتمام والعمل فالعامل في القطاع الخاص في الجزائر كثيرا ما يذهب ضحية التعسف والحقرة والظلم.
ثالثا: إن حرص المشرع الدستوري على هذا الحضور الكميوالنوعي الصريح والضمني للمجتمع المدني في أعلى وثيقة قانونية في البلاد وانطلاقا من مبدأ افتراض حسن النية في المشرع من المفترض أن يقود إلى بناء رأي أو تصور إيجابي حول احتفاء مشروع التعديل الدستوري بفكرة المجتمع المدني ودوره المرغوب والمنتظر.


مصدر كل سلطة
رابعا: إن معرفة ما إذا كان سينبثق فاعلون جدد في المجتمع المدني الجزائري يحلون محل الممثلين السابقين الذين فقدوا كل مصداقية أو أهلية أخلاقية لمواصلة التحدث باسم المجتمع المدني أو ادعاء تمثيله محليا أو وطنيا معرفة ذلك سيحتاج إلى بعض الوقت بكل تأكيد لكن الذي لا جدال فيه أن مصلحة المجتمع والشعب والدولة في الجزائر أن يتوارى الممثلون السابقون الذين طالما احتكروا بغير شرعية أو حق تمثيل شتى أطياف المجتمع المدني ووظفوا هذا الاحتكار في خدمة مصالحهم ومآربهمعلى حساب المجتمع الذي كانوا يدعون تمثيله.
خامسا: إن من صميم المسائل المرتبطة بالمجتمع المدني والواردة في مشروع التعديل الدستوري ما جاء في الفقرة الرابعة من المادة رقم 60 الأملاك الوقفية وأملاك الجمعيات الخيرية معترف بها ويحمي القانون تخصيصها وهذه الفقرة تعكس إدراك المشرع الدستوري لأهمية نظام الوقف ودوره الاجتماعي المحوري عبر قرون عديدة وكذا إدراكه لما تشكله الجمعيات الخيرية من إضافة مادية ومعنوية للنسيج الاجتماعي الوطني ومن هنا فإن التفكير في تطوير نظام الوقف وتوسيع دائرة نشاطاته إلى المجالات العلمية مثلا سيكون من الأفكار التي ينبغي أن نشتغل عليها بكل جدية ويقين ففي بريطانيا مثلا تعمل جمعيات عديدة على جمع الأموال لدعم البحث العلمي فضلا عن الدعم الذي تقدمه الدولة كما أن جامعات عريقة مثل هارفارد تتوفر على أملاك وقفية هائلة..
وانطلاقا من هذه المعطيات سيكون من الحكمة أن يضطلع المختصون والمثقفون بمهمة الشرح والتحليل وبطبيعة الحال بواجب النقد الذي هو حق مشروع على أن يجري هذا كله في إطار من الوعي بمسؤولياتنا والاحترام المتبادل لبعضنا بعضا والحرص على المصالح العليا للشعب والوطن مع افتراض حسن النية في اللجنة التي أعدت هذا المشروع وسمو القصد فيمن يناقشون وينتقدون وتبقى الكلمة الأخيرة للشعب الجزائري الذي هو مصدر كل سلطة وهو وحدهُ من يملك السيادة الوطنية كما جاء في المادة السابعة من مشروع التعديل الدستوري.


* متصرف مستشار بمديرية الثقافة لولاية قالمة