أزمة الإسلام أم أزمة أعدائه؟

  • PDF


الدكتور محمد عبد النور ـ أستاذ جامعي :
لو لم يكن الإسلام ذا دلالة قوية روحيا وسياسيا لما شعر الغربيون بضرورة الإشارة إليه كل مرّة بمناسبة أو بغير مناسبة إن مجرد الإشارة له دليل قوي على تعاظم حضوره المعنوي والفعلي في الحضارة المعاصرة وذلك معنى اضطرار ماكرون للحديث عنه في سابقة لم نعهدها عن زعماء فرنسا الذين كان دأبهم الفعل الماكر الخفي والتعالي عن القول والمعلوم أن الاضطرار إلى القول ولو كان سلبيا هو دلالة على موقف ضعف فلو استطاع ماكرون الفعل ونجح فيه وشعر بالرضى لما اضطرا إلى الكلام عن الإسلام بتلك الطريقة الفجّة لذلك فعلى المسلمين أن يكفّوا عن اعتبار ذلك نقيصة تضاف إلى مآسيهم بل هو دليل انتصار من حيث لا يعلمون فكيف ذلك؟
إذا كانت الحداثة الغربية تقض مضاجع المسلمين بالنظر إلى سؤددها الحضاري الفائق بما يمكن اعتباره أمرا صحيا للمسلمين ومحفّز لهم على العمل من أجل اللحاق والتجاوز لكن أن يصبح الإسلام مصدر قلق يزعج زعماء الغرب فهذا هو غير الطبيعي وذلك بالنظر إلى الضّعف الذي تعانيه الكتلة المسلمة في أغلب جغرافيتها ومن ثم فهو دليل علّة مرضية تسكن الغربيين لذلك أعتقد أن ما دفع ماكرون للتفوه بما تفوه به ليس وليد حدث صغير بقدر ما هو تراكم إخفاقات في مقدّمتها فشله الظاهر أمام منافسه تركيا على شرق المتوسط واستقواء تركيا بحلفاء كان من الطبيعي أن يميلوا إلى فرنسا وشعوره ماكرون بالعزلة عن أصدقائه الطبيعيين فإخفاق فرنسا الظاهر أمام الطموح التركي الجامح كان على حساب فرنسا خاصة وأنها المستأمنة دوليا على البحر الأبيض المتوسط. 
خاصة وأن نجاح تركيا الإسلامية يعني انهيار كل المحاولات البائسة في تشويه صورة الإسلام والتي سعت فرنسا لتصديرها عنه من خلال إظهار أنه لا يتجاوز مجرّد ردود أفعال شباب مراهقين وطائشين يضطرون لحمل السلاح لمحاربة الحضارة بشكل يائس عن طريق قتل الأفراد أو التفجير لهذا فإن تركيا تقدّم البديل الأشد ضررا بمصالح فرنسا في حوض المتوسط هيمنتها على دول المحيط كما أنها تسهم في إسقاط مشروعها المستميت لخنق الإسلام معنويا عن طريق الإعلام فضلا عن الإقبال المستمر والمتعاظم للإنسان الأوروبي على اعتناق الإسلام وهذا الذي يتسبب في الهجمات اليمينية المتكررة على الإسلام والتي غالبا ما لا ندرك الدافع إليها لأنه بعيد عن الفرقعة السياسية لأن الأمر متعلق بحراك اجتماعي وديني يتحسسه اليمينيون بقلق شديد.
أما الضعف الذي تعانيه دول العالم الإسلامي وهو واقع فعلي لا يمكن إنكاره إلا أن توظيفه في سياق سياسي لا يتجاوز الحرب النفسية المضاعفة لـ اليمينيين والصهاينة على خصومهم الداخليين الممثلين لصوت الأغلبية من الشعوب الغربية وكذا على المسلمين الذين مِن نخبهم مَن هو يميني وصهيوني بالوكالة ومنهم من ما يزال يراوح حالة الشك وعدم الثقة في إمكانات الإسلام الكامنة والمستقبلية نظرا لحالة الضعف الحالية وهم الصنف الذي يمثل الأغلبية الساحقة من شعوب الإسلام وبه فإن المستائين من واقع الأرض المتحركة بين العالمين الغربي والإسلامي لا يشكلون إلا أقلية من المتحكمين في زمام الأمور والذين هم يقاومون رغبات الشعوب ويحاولون عرقلة مسار التاريخ مساره الطبيعي من الالتحام بين شعوب الحضارتين والتحرر من اصطناع العوائق المعنوية والفعلية بينهما.
أخيرا لابد من التأكيد على أن الإثارة التي يفتعلها اليمينيون والصهاينة ضد الإسلام وشعوبه يجب أن ترى على أنها تعبير عن هزائم داخلية لمعسكر الثورة المضادة الذي يحاول إيقاف عجلة التاريخ سواء في الغرب أو في دار الإسلام وأن ما يحصل من صعود تركي حقيقي من جميع النواحي: سياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا إنما هو خاتمة فعلية للاستضعاف الذي دام طويلا وهو ما يجب أن يتدعم باستفاقة حقيقة لوعي الشعوب أمام الواقع الحقيقي الذي يسعون لتغطيته وتطويل مدّته التي هي في الواقع رفيعة بما لايدركه الكثيرون.